الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفاينانشيال تايمز: «مصدر» أول مدينة صديقة للبيئة في العالم

الفاينانشيال تايمز: «مصدر» أول مدينة صديقة للبيئة في العالم
10 أكتوبر 2009 23:07
عندما بدأ العالم يستشعر-متأخراً جداً- مشكلة التغيّر المناخي واحترار جوّ الأرض بسبب الاستهلاك الجائر وغير المدروس لمصادر الطاقة التقليدية، كانت حكومة أبوظبي قد استكملت خطّة علمية طموحة لبناء أول مدينة نموذجية في العالم ترفع شعار «مدينة الانبعاثات الصفرية من غازات الاحتباس الحراري» أطلق عليها اسم «مدينة مصدر». وسرعان ما اتضح لمئات الباحثين والإعلاميين الذي توافدوا إليها وهي في أطوار البناء والتنفيذ، أن المشروع مبني على أحدث الأسس والقواعد والتكنولوجيات العلمية، وبما يؤهل هذه المدينة لأن تتحوّل بجدارة إلى تجربة تقتدى على المستوى العالمي. وتحت عنوان «تخضير الصحراء العربية» The greening of Arabia نشرت صحيفة الفاينانشيال تايمز في عددها الصادر أمس السبت تقريراً مفصّلاً بقلم المحلل الاقتصادي إدوين هيثكوت أشار فيه إلى أن «مدينة مصدر» هي بداية حقيقية لمشروع يرمي لتحويل الصحراء إلى كيان طبيعي أخضر صديق للبيئة للبيئة. ويفتتح هيثكوت تقريره بالقول: «إذا كان لمدينة واحدة في هذا العالم أن توفّر على نفسها القلق من المستقبل القاتم الذي ستمسي عليه بيئة الأرض في المستقبل، فهي أبوظبي». وهذه المدينة الجميلة تطفو فوق بحيرة هائلة الاتساع من المكامن النفطية، أو ما يعادل 8 بالمئة مما تبقى من المخزون النفطي العالمي. وهي تجثم بكبرياء على الطرف الشرقي للصحراء العربية القاحلة، تلفحها الشمس الحارقة، وأرضها تفتقر تماماً إلى التربة الصالحة للزراعة، وتتألف من غطاء عظيم الاتساع من الرمال السائبة. وتتميز أبوظبي أيضاً بأنها الأكثر اعتماداً على السيارات الشخصية في حركة النقل، وهي الأكثر اعتماداً على محطات تحلية المياه وأنظمة التكييف. وبالرغم من كل هذه الظروف التي فرضتها الطبيعة على أبوظبي، إلا أنها عرفت كيف تتحول بسرعة عجيبة إلى نموذج يجسّد صورة مدينة المستقبل الصديقة للبيئة. مدينة الخيال العلمي ويشير هيثكوت إلى أن أبوظبي أصبحت أول مكان في العالم يجري فيه الآن بناء أول مدينة حقيقية صديقة للبيئة تدعى «مصدر» التي يقصد من اسمها أنها ستكون مصدراً للطاقات البديلة بعد نضوب احتياطي النفط. وتبدو مدينة «مصدر» وكأنها مقتطفة من إحدى مدن روايات الخيال العلمي. ولعل من المفارقات العجيبة التي تقتضي التوقف عندها، أن مدينة مصدر تجاور حلبة سباق «ياس مارينا» التي ستشهد بداية الشهر المقبل أول سباق للجائزة الكبرى والتي تقع على بعد يقل عن 2 كيلومتر عنها. وقد يكون من المنطق التفكير في أن المرء الذي يبحث عن بناء مدينة صديقة للبيئة، يتوجّب عليه قبل كل شيء الابتعاد عن مثل هذه المنشآت إلا أن المهندس البريطاني الشهير جيرارد إيفيندن الذي يعمل لصالح شركة «فوستير أند بارتنيرز» يقول: «إذا نجحت في بناء مدينة صديقة للبيئة في مثل هذا المكان، فسوف تتمكن من بنائها بعد ذلك في أي مكان آخر من العالم». وبدا من الواضح بالنسبة لهيثكوت أن مشروع «مصدر» الذي تبلغ تكلفته الإجمالية 22 مليار دولار، ينطوي على الأهمية الكبرى فيما يتعلق بمستقبل التطبيقات التكنولوجية المسخّرة لتغيير أصول وقواعد التعامل البشري مع البيئة. وما هو أكثر إثارة للاهتمام فيما يتعلق بهذا المشروع الرائد، هو أنه أصبح حقيقياً بكل معنى الكلمة، وأن العمل في تنفيذه يجري على قدم وساق. ومشروع «مصدر» يختلف من هذه الناحية على الأقل، عن كل المشاريع البيئية الكبرى التي أعلن عنها في أماكن متفرقة من العالم. ولطالما سمعنا عن عشرات المشاريع المشابهة التي لا تعدو أن تكون أكثر من مجرّد دعايات إعلامية دون أن يبنى منها حجر واحد. ومنها مدينة «دونجتان» الصينية التي بقيت مجرّد مخططات مرسومة على الورق بعد أن أفسحت المجال لمدينة «مصدر» لتتبوأ مركزها الطبيعي كأول مدينة بيئية عصرية في العالم. وتتكفل شركة أبوظبي لطاقة المستقبل بتمويل هذه المدينة؛ وعهد إلى شركة «فوستير أند بارتنيرز» بأعمال التصميم والتخطيط. وتبلغ المساحة الإجمالية للمدينة 6 ملايين متر مربع وتم تصميمها على أساس أن يبلغ عدد سكانها 50 ألفاً وبشرط أن تكون كافة مرافقها من دون استثناء من النوع المستدام وليس مصادر الطاقة وحدها. وسوف تكون «مصدر» أيضاً أول مدينة في العالم يبلغ فيها معدل الانبعاثات من غاز ثاني أوكسيد الكربون الصفر تماماً لأنها ستولّد طاقتها الاستهلاكية من الطاقة الشمسية وطاقة حركة الرياح. ومن المنتظر أن تولّد المدينة ما يفوق حاجتها من هذين المصدرين وبحيث تصدّر الفائض إلى الإمارات والدول المجاورة. ثم إن المدينة لا تطرح النفايات والفضلات ومياه الصرف الصحّي الضارة إلى المحيط البيئي المجاور (مياه الخليج أو الصحراء)، لأن كل هذه الفضلات تدخل دورة إعادة التدوير من جديد. الحداثة والتراث العمراني ويشير هيثكوت إلى أن مدينة «مصدر»، وبالرغم مما تنطوي عليه من عناصر ومقوّمات الهندسة العصرية التي تشاهد الآن بوضوح في كافة الحواضر العمرانية لدولة الإمارات، إلا أنها تحمل أيضاً إيحاءات الحفاظ على التراث المعماري العربي الإسلامي لمدن الشرق الأوسط القديمة. ولقد حرص المهندسون على أن يمعنوا النظر والتدقيق في مدن تاريخية مثل صنعاء ودمشق وبغداد حتى يطابقوا بعض ملامحها مع المظهر العام الذي ستبدو عليه مدينة «مصدر». ويمكن القول إن «مصدر» ستكون نتاجاً إبداعياً لمجموعة الدروس المعمارية التشكيلية المستقاة من عمق الماضي وحضارة المستقبل. ومدينة «مصدر» مغلقة بسور يحدد أطرافها وحدودها بدقة. وهو يعمل على صدّ العواصف الرملية. وشوارعها ليست بالغة الاتساع، بل ضيّقة حتى تؤمن للمارة الفسحة الظليلة عند ظهور الشمس؛ وكل أبنيتها تتألف من خمسة طوابق أو أقل؛ وفيها سوق مفتوح في الهواء الطلق. وحرص المخططون على أن تكون واجهات كافة المحال والدكاكين مغطاة بالستائر العازلة لضوء الشمس من أجل توفير طاقة التكييف الداخلي. والمدينة عامرة أيضاً بالقطع والمظاهر التشكيلية الإسلامية وأشجار النخيل التي تعكس أهم المظاهر البيئية للصحراء. وحرص إفيندن على إضافة الكثير من الإيحاءات الهندسية العريقة التي تشتهر بها مدن الشرق الأوسط القديمة. ومن ذلك مثلاً أن الطرق لن تكون طويلة ومستقيمة، بل قصيرة وكثيرة التعرّج حتى تتشكل فيها التيارات الهوائية التي تعمل على إزالة الحرارة التي تتشكل على سطوحها الأسفلتية. ويزيد هيثكوت في وصفه لهذه المدينة ذات الخصوصية والتفرّد، فيشير إلى أن طرقها وشوارعها جميعاً ستكون خاصة بالمشاة فقط. وخلوّ المدينة من حركة السيارات والعربات يتفق مع شعارها الأساسي الذي يركّز على الصداقة التامة مع البيئة. وبمجرّد انتهاء أعمال بنائها، سوف تتحول إلى أول «مدينة خضراء» في العالم من دون منازع. ولن يكون هناك بعد ذلك ثمّة مجال لبناء بيوت أو منشآت جديدة لأن ذلك سوف يكسر القاعدة الأساسية التي بنيت على أساسها والتي تقضي بأن تكون خالية من مصادر التلوّث على الدوام ومن دون أي استثناءات. وبالرغم من أن المدينة ستكون خالية تماماً من السيارات إلا أنها ستتمتع بـ»نظام فردي سريع للنقل» يتألف من عربات قطار تسير تحت الأرض وتمثل أرقى ما توصلت إليه تكنولوجيا النقل في هولندا. ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن المدينة سوف تضم أرقى الأسواق والمراكز الثقافية والمكاتب التجارية والمساجد.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©