الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

«القاطرة البشرية» يقتل خصومه ويخطف الإعجاب

«القاطرة البشرية» يقتل خصومه ويخطف الإعجاب
19 يوليو 2016 20:54
نيقوسيا (أ ف ب) اندلعت حرب كوريا في 25 يونيو 1950 فهبت الرياح الساخنة للحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية، معلنة نزاعاً سيمتد عقوداً ويغير أوجها كثيرة منها الرياضة، وبعد عامين أقيمت ألعاب الأولمبياد الخامس عشر من 19 يوليو إلى 3 أغسطس في هلسنكي، المدينة التي كان مقرراً أن تستضيف دورة 1940 التي تنازلت عنها طوكيو. وعلى إيقاع مشاهد هي خليط من السياسة والرياضة، شارك الاتحاد السوفييتي للمرة الأولى، وتعود المشاركة الأخيرة لروسيا إلى دورة عام 1912، الوافد الجديد الذي دق ناقوس الخطر في وجه «الهيمنة» الأميركية. ويعتبر مراقبون كثر سباق 5 آلاف م في دورة هلسنكي عام 1952، هو الأفضل على هذه المسافة في تاريخ الألعاب الأولمبية، لا بل يعدونه من «كلاسيكياتها الخالدة»، وسيطر الأميركيون على ألعاب القوى والسباحة، وضربت «القاطرة البشرية» التشيكوسلوفاكية أميل زاتوبيك بقوة، ففاز بذهبيات سباقات 5 و10 آلاف م والماراثون، وهو سباق حضره 70 ألف متفرج، وجمعت «قاطرة العصر» التشيكوسلوفاكي أميل زاتوبيك والفرنسي آلن ميمون والبلجيكي جاستون ريف، قاهر زاتوبيك في سباق دورة لندن 1948، والإنجليزي الخطير كريستوفر شاتاواي والألماني هيربرت شاد. يتذكر ميمون السباق ويصفه بالمعركة المفتوحة بقوله: كل منا كان يبذل طاقته ويتقدم ليتصدر حين تسنح له الفرصة، وليس كما يحصل حالياً حيث يركض العداؤون خلف «الأرنب» في المقدمة ويتحينون الفرصة للانقضاض بواسطة السرعة النهائية في الأمتار الأخيرة. وأضاف: «بدايةً، تصدَّر الإنجليزي جوردون بيري ثم زاتوبيك بعدما تجاوز ريف وشاد، وحاولتُ قدر الإمكان أن أبقى قريباً منه طمعاً في ميدالية أولمبية ثانية، رأيته في منتصف السباق وقد فتح فمه ومد لسانه وتدلَّت رقبته وهي العلامات التي تشير إلى وهنه المتصاعد بينما يكون في كامل قوته، وفي اللفة الأخيرة كان لا يزال في الصدارة، وكل منا يراقب الآخر ليدركه في السرعة النهائية، أعتقد أنني ارتكبت خطأً كبيراً بعدم المبادرة إلى ذلك إذ لربما كنت أنا الفائز، وترددت حين لاحظت اقتراب شاد خلفي.. كان ريف أصبح بعيداً قليلاً وشاتاواي خلفنا، لم ينتظر زاتوبيك طويلاً فشن هجومه في الـ200 متر الأخيرة، وعند المنعطف الأخير تعثر شاتاواي ووقع أرضاً (قبل 80 متراً من خط النهاية) ولحق بحلوله خامساً، في حين كان زاتوبيك يمضي إلى حصد الذهبية التي أهدرها في دورة لندن، وبقيت خلفه حتى النهاية». وقد اعترف ميمون لاحقاً: «تحقيقي المركز الثاني إنجاز، لأن زاتوبيك لا يُمسّ، إنه من عالم آخر». سجل زاتوبيك 14:06:6 د، وميمون 14:07:4 د، وشاد 14:08:6 د. لكن سقوط شاتاواي جعل منه نجماً، علماً بأنه اعترف لزملائه بعدها بأنه كان متعباً جداً ولم يقوَ على المثابرة حتى النهاية، وبعد عودته إلى بريطانيا حظي بفضل «حظه العاثر» بشعبية كبيرة، ما أسهم في انتخابه نائباً ثم تعيينه وزيراً. ولولا ذلك السقوط لتمكن أربعة عدائين من تسجيل زمن دون الـ14:10 دقيقة. واحتفظ زاتوبيك بعدها بلقبه في سباق 10 آلاف متر معززاً رقمه الأولمبي (29:17:00 د) وتلاه الفرنسي ميمون، وقرر خوض الماراثون للمرة الأولى من أجل تثبيت هيمنته أكثر فأكثر، وفي منتصف السباق، ظهر في المقدمة السويدي جوستاف يانسون لكن لفترة قصيرة، إذ تفاعل زاتوبيك سريعاً مع الأمر وأخذ زمام المبادرة ليقود الصدارة وحيداً وبعيداً في ما يشبه المهرجان والاستعراض الخاص، كأنه يخوض سباق 10 آلاف متر واجتاز خط النهاية مسجلاً 2:23:03:2 ساعة، بفارق نحو 2:5 دقيقة عن الأرجنتيني رينالدو جورنو الثاني (2:25:35:00 س)، وجاء يانسون ثالثاً (2:26:07 س). دخل زاتوبيك الاستاد المكتظة مدرجاته بحشد كان يهتف بصوت واحد باسمه، وكان احتفال «القاطرة» مزدوجاً، إذ أحرزت زوجته دانا أنجروفا زاتوبيكوفا في الوقت عينه ذهبية رمي الرمح (50?47 متر)، وهما ببساطة متناهية حصدا لتشيكوسلوفاكيا أربع ذهبيات. سجل زاتوبيك انتصاراته الثلاثة في غضون أسبوع، مقدماً تراجيديا مفعمة بكل ما ينتاب ويختلج الصدور من مشاعر، أداء يلخص صراع الإرادة والتصميم، كان «يقتل» خصومه، يقضي عليهم واحداً تلو الآخر، إذ يضع سيناريو الانقضاض محدداً البداية ومقرراً النهاية. ويتلذذ في معاناته حتى الفوز المشبع. خلال سباق الماراثون في هلسنكي، لم ينسَ زاتوبيك الابتسام وهو يرد التحية للجمهور المحتشد على طول المسار. تبادل أحياناً كلمات مع ركاب السيارات المرافقة، المندهشين من سطوته. لاحظوا هدوءه وثقته. فلم ينقصه حينها إلا أن يتوقف ويوقّع أوتوجرافات أو يبدي رأيه بالمناظر الجميلة. في الاستاد، كان المتفرجون متلهفين لوصوله خصوصاً أنه بات يُعرف من حركة جسده وانقباضات وجهه. عبر خط النهاية ورفض أن يلتفّ ببطانية تقيه من الهواء حملها إليه مسعف، واعتذر إليه بلباقة قائلاً: «شكراً لا حاجة لي بها، أنا أنهيت هرولتي اليومية». ورُقّي زاتوبيك إلى رتبة نقيب في الجيش، ولاحقاً رُفع إلى رتبة عقيد وشغل منصب مدرب المنتخب، ثم جرّد من كل شيء وكاد يصبح نكرة بعدما حرم من مميزات الإنجاز، إذ دفع ثمناً غالياً لشجاعته ودعمه للحرية ووطنيته في أحداث «ربيع براغ» عام 1968. دار دولاب زاتوبيك «سنوات» إلى الخلف لكنه ظل شجاعاً متفائلاً محباً للحياة، «نُفي» بعيداً عن زوجته يعمل حفاراً للآبار ولا يتمكن من رؤيتها إلا مرة كل أسبوعين، لكن عزاءه ومتنفسه الوحيدين بقيا في أن عمله في الهواء الطلق وسط الغابات والريف، وحزن بعض الشيء لأنه لم يعد في مقدوره الاعتناء بالحديقة الصغيرة بجوار منزله إلى أن رفع الحظر عنه بعد سنوات فنُقل للعمل في قسم التوثيق في اللجنة الأولمبية في براغ، واعترف بأنه بات من الرياضيين القدامى أصحاب الشهرة «لكني لم أتقاعد عن العمل وأنا مستعد دائماً للمساعدة في أي موقع لأبقى مفيداً».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©