الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جماليات السينما الهندية المعاصرة في عرض الشخصيات والرومانسية والتشويق

جماليات السينما الهندية المعاصرة في عرض الشخصيات والرومانسية والتشويق
11 أكتوبر 2009 23:30
ضمن منافسات الأفلام الروائية الطويلة في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي، شاهدنا جماليات السينما الهندية المعاصرة في فيلم يمتلك كل مقومات نجاحه، بدءا من السيناريو والإخراج للأميركي جوزيف ماثيو فارجيس، مرورا بمونتاج بالامي سيجهال وانتهاء بالتمثيل لكل من تايشتا تشاترجي بدور «غيتا» وجانين جوسوامي بدور «مايدان» وسمرت تشاكرابرتي بدور «جايديف». نتحدث عن فيلم «صيف بومباي» الذي أعادنا إلى أجواء الرومانسية من خلال «جيتا» الفتاة الثرية التي تدير شركة للفنون التخطيطية، وتقع في حب المصور والرسام الوسيم «مايدان»، وهي قبل ذلك على علاقة مع صديقها الكاتب «جايديف». باختصار، الفيلم يقدم لنا حكاية فتاة ورجلين، ولعل ذلك يذكرنا ولو بشكل معكوس بفكرة الفيلم العربي «رجل وامرأتان». ربما تكون أهم ميزة في هذا الفيلم هو الصدق الشديد في عرض الشخصيات ما بين قاع المدينة وقمة الثراء، كذلك الصدق في عرض الواقع الاجتماعي وتعقد المصائر البشرية، وخاصة بطل الفيلم المصور الذي نشأ في أسرة فقيرة في المدينة، فاضطر أن يعمل إلى جانب حرفته التي يعشقها كمروج للممنوعات، وحينما يقع في حب البطلة التي تبادله نفس المشاعر «جيتا» تبدأ متاعبه التي لا تنتهي بتعرضه لحادث صدم مجهول يفقد على إثره حياته، لتصبح حياة البطلة من بعده سلسلة من الفراغ والخوف والقلق. ولعل اجمل ما في إخراج الفيلم أنه جعلنا نشاهد الحكاية بسلاسة ومصداقية من خلال السرد السينمائي المليء بتفاصيل المكان والبيئة، والتي تكشف عن اختلالات اجتماعية في مدينة تسحق الفقراء والضعفاء وتحيلهم مع الوقت إلى مجرد أشياء وأرقام لا معنى لها. الحوار والصورة فيلم «صيف بومباي» مشغول بعناية، فعلى مستوى الحوار، فهو مقتصد إلى الحد الذي يفسح للصورة التعبير عن نفسها، وخاصة في تلك المشاهد التي تتضمن لقاءات بين البطلين، لقطات واسعة عريضة وكادر حافل بالتفاصيل وخاصة اللقطات التي تنقل لنا أجواء البحر، وقد تكررت هذه اللقطات عبر الفيلم بموازاة الأحداث التي تجري في الريف، حيث يقوم الأبطال الثلاثة بزيارة بيت والدة «مايدان»، وهناك نتعرف إلى المزيد من التفاصيل عن التراث الهندي وبعض العادات والتقاليد والموسيقى الشعبية، كل ذلك بموازاة مشاهد تتمتع بحركة قوية، حيث تصوير الأبطال في مواقع حركة الشارع والسيارات ومن ثم فكرة التقابل في عرض المشاهد ما بين الأحياء الفقيرة المعدمة في قاع المدينة، حيث يعيش البطل، والمشاهد في الأحياء الثرية، حيث المال والفساد، كل ذلك يأتينا في تقاطعات تنمو معها قصة حب بين فتاة ورجلين في وقت واحد، فيما تصنع البطلة حبكة الفيلم وبدء نقطة الصراع بعد أن تعترف لصديقها الكاتب أنها مارست الحب مع صديقهما المصور، لتتطور الأحداث تطورا سريعا بهذا الموت المروع للبطل الذي بنى أحلاما كثيرة بأن يرسم آثار الهند وبيوتها القديمة وأن يستثمرها كخلفيات في ملصقاته الإعلانية للأفلام التي أصبحت من خلال صوره محط اهتمام الجمهور وشركات الإنتاج. بالطبع لا يمكن أن نغفل أن هذا الفيلم هو من أفلام الموجة الجديدة التي تتخطى بحذر الكثير مما نعرفه عن الأفلام الهندية وتعلقها بعناصر الميلودراما من مفاجآت وأحداث ترتبط كثيرا بالخيال الواسع الذي يخرج أحيانا عن المنطق. والفيلم يقدم لنا بطريقة مثيرة فتاة جريئة خارجة على تقاليد مجتمعها، فهي مستقلة اقتصاديا وتضيق ذرعا بنصائح العائلة، تعشق رجلين في وقت واحد، ومع ذلك تنجح في إبعاد حبيبها عن الاستمرار في تجارة الممنوعات، وحينما تصل إلى هدفها، يتم التخلص منه فتتدمر أحلامها. وبالمقابل، فإن الرسم الدقيق لشخصية البطل مايدان كان متقاربا من ذلك بصورة معكوسة، فهو شاب في مقتبل العمر، يعيش إشكالية الفقر والطموح، وجد في السكن وحيدا بعيدا عن أهله طريقا للتعبير عن أفكاره، وفي هذين العالمين يصنع لنا السيناريو قصة حب لطيفة وعفوية بلا أية بهرجات سينمائية من تلك التي نشاهدها في قصص الحب، فنحن أمام حب ينمو وحده ومن خلال المشاعر الإنسانية العادية ودون سابق تخطيط، ولعل ذلك ما جعلنا نتعاطف مع الأخطاء الجميلة التي ارتكبها البطلان في قصتهما التي انتهت بالفشل الذريع على أرض الجريمة، حيث أصدقاء البطل وهم يعقدون صفقات تجارتهم في الخفاء. موسيقى الفيلم التي وضعها ماثياس دبليسي كانت مشبعة بتلك الإيقاعات التي تجمع ما بين الإيقاع الكلاسيكي والإيقاع المعاصر، ما بين الموسيقى الشعبية وأحيانا التراثية وما بين الموسيقى المتمردة الثائرة باتجاه الموسيقى الأوروبية، ومع ذلك كانت تجسد تلك اللحظات الشفيفة والمواقف المفعمة بحرارة الأداء، بل إنها كانت تتداخل مع أماكن التصوير وربما يكون أجمل ما في موسيقى الفيلم هو استخدامها كمقدمات مع بدء كل مشهد جديد، والأكثر روعة أن الموسيقى كانت مرتبطة إلى حد كبير بالمؤثرات الصوتية. إن هذه التلقائية في تصوير الأماكن وتلك النقلات السريعة المشغولة بلغة سينمائية ناضجة جعلت من الفيلم قطعة مشتعلة من العواطف والإنسانيات حتى أننا لم نشعر كثيرا بتأثيرات بعض الإيحاءات الجنسية بين الفتاة وصديقيها؛ لأن تطور الأحداث التي تجسدت بتلقائية عالية جعل من أجواء الرومانسية هي الشعار الأساس لقصة الحب في فيلم يحمل رسالة خطيرة على بساطة موضوعه. حضور البطلة اختار المخرج بطلة فيلمه بعناية شديدة، لدرجة أنك لا تتخيل أن تستطيع ممثلة أخرى القيام بنفس الدور بكل الجماليات التي حملها وكل الصدق في التعبير والأداء. البطلة كانت ذات بشرة سمراء خفيفة، سريعة الحركة، قوية الذكاء، طبيعية من ذلك الجمال الهندي البسيط الأصيل، فلم يأت تعاملها مع قيمة الفقر اصطناعيا كما نرى في العديد من أفلام الحب بين البطلة الثرية والبطل الفقير، وربما يكون حجمها الضئيل وتركيبها الفيزيقي قد ساعدا إلى حد كبير في تقبلنا لتلك الجرأة التي قدمتها وربما يصفها البعض بالوقاحة، فقد كانت تتعامل مع صداقة الرجال على أنها جزء مهم من الحياة وليس جزءا أساسيا من الرغبة. أما عنصر التمثيل بعامة فكان طبيعيا لكافة المشاركين، وقد نجح المخرج من خلال بضع شخصيات لم تزد على أصابع اليد في إدارة موضوع يبرز لنا تحطم المشاعر الإنسانية وسط زحمة الحياة وسيطرة المال عليها. وكأنه ضمنا يرسل للمجتمع الثري الرأسمالي ورقة إدانة واتهام وتقصير حيال الطبقة الفقيرة المسحوقة في أي مكان في العالم وربما يستحسن أن نذكر بعضا من الحوار الذي جاء على لسان الكاتب حينما يقول: «المدينة في بعض الأحيان لا تفرق بين الإنسان والكلب». الحديث عن مخرج هذا العرض فسيح بمساحة بانوراما اللقطات الكبيرة التي صورت لنا أحياء بومباي الفقيرة، حركة السيارات والدراجات البخارية وحركة الناس وخشونة الحياة، لقطات الغروب، التنقل السريع بين المناظر، لكنها جميعا مناظر حية زاخرة بالحركة وتعطيك ذلك الانطباع عن نوع الناس الذين يقدمهم الفيلم بكامل تفاصيل حياتهم وملابسهم وطريقة تناولهم للطعام، كما هم بلا رتوش او تزويق لانهم لا يريدون الترويج، فالإنتاج مستقل، والهدف هو تقديم فيلم سينمائي بلغة السينما تلعب فيه الكلمة دورها الحقيقي قبل الحوار والكلام الكثير الذي يبطئ الإيقاع الدرامي في أحيان كثيرة. وعن اللقطات فكان معظمها واضحا فلم تتعد اللقطة الواحدة أكثر من ثلاث شخصيات ولم تزد مدة اللقطة عن بضع دقائق، ولهذا وجد الكادر لنفسه مساحة ممتازة لوضع الكثير من التفاصيل وحركة الناس في المشاهد التي لم تهدأ حتى بعد موت البطل مما يعني أن مخرج العرض كان يملك أدواته ومسيطرا تماما على رسم مناظره التي لم تتجاوز أربعة مناظر رئيسية ما بين مكتب الشركة والبحر وبيت والدة مايدان والشارع الرئيسي في المدينة مع تأثيرات قليلة جرت في مرقص للديسكو، ومعبد قديم، وما عدا ذلك كانت الكاميرا هي سيدة الموقف وقد ساعد المونتاج الدقيق والبديع على ترتيب المشاهد دون إخلال يذكر، باستثناء المشاهد التي كانت تجري في بيت جيتا بينها وبين والدها وشقيقها، فقد اعتراها بعض الغموض والضعف. ومن جانب تقنيات الإضاءة ونظرا لعدم استخدام المخرج ديكورات مبنية في تصوير مشاهده ولجوئه للمناظر الطبيعية، جاءت الإضاءة عنصرا مكملا في بناء مشاهد الفيلم، إضاءة ذات إيقاعات لافتة للانتباه ودقيقة في تصويرها لحالة الشخصيات والأحداث، في معالجة درامية أعلنت لنا أنه بالإمكان إنتاج أفلام رائعة بميزانيات قليلة. أفلام تقوم على الصدق في الأداء والتعبير والحوار وطرح الشخصيات بكل ما يعتريها من مشاعر حائرة. لقد رصد لنا هذا الفيلم الجميل والمكثف في أجوائه تحولات الحياة الاجتماعية في بومباي من خلال قصة تتمتع بالبساطة والعمق والجدية والفلسفة والتحليل والأفكار المشبعة والخيال المعتنى به جيدا. وكان الاحتجاج والرفض عند أبطال الفيلم ناعما وهادئا من خلال كاميرا شاعرية تعشق البحر واللقطات الكبيرة وتصوير الحوارات المقتصدة المكثفة، وخاصة حينما يتضمن المشهد لقاء بين جيتا البطلة وبين مايدان البطل، وكلاهما يتمتع بمشاعر تمنى أي متفرج للفيلم أن تكون في داخلة. «صيف بومباي» فيلم مهرجانات بكل المقاييس، وهو أيضا فيلم جماهيري، مما يدحض مقولة بعض النقاد أن أفلام المهرجانات هي للنخبة فقط، فقد اكتظت صالة العرض الرئيسية بجمهور كبير ومتنوع صفق للفيلم في نهايته، ومن المهم الإشارة هنا إلى أن العرض بدأ في وقته المحدد بالتمام والكمال، دون تقديم أو تأخير وهذه ظاهرة تحسب للمهرجان بعد أن اعتدنا مسألة إهمال الوقت وظروف الجمهور في معظم مهرجاناتنا العربية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©