الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

توجه فني وليس مادة إعلامية

توجه فني وليس مادة إعلامية
12 أكتوبر 2009 23:14
المتتبع لتاريخ السينما في العالم يلاحظ أنها بدأت بداية تسجيلية أو توثيقية منذ أن صوَر الأخوان لوميير خروج عمَال من المصنع وصبيين يلتهمان تفاحة في فيلم قصير. وبعد عشرات السنين من هذا الحدث أدرك السينمائيون في العالم أهمية الفيلم التسجيلي إمكانات السينما التعبيرية حينما أيقنوا أنها وسيلة فعالة للتعبير عن وجهة نظرهم وبذلك تحولت السينما من مجرد حرفة إلى فن وارتقت الأفلام التوثيقية إلى التسجيلية، ومنها الطويلة مما نشاهده في الدورة الحالية من مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي تحت مظلة منافسات مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة. لقد تنوعت الأفلام الوثائقية ليس فقط في موضوعاتها، بل في مناهجها وتوجهاتها وفكرها، وعرضت أفلام وصفية وتحليلية، إضافة إلى أفلام عن الإعلام وأخرى عن البيئة والبسطاء والتنمية وأخرى تناولت بالنقد الظواهر الاجتماعية. من ذلك ترسخت لهذه النوعية من الأفلام مفردات وخصائص عامة بداية من منهجها في المعايشة والملاحظة، انتهاء باكتشاف الجنس البشري مرورا بميدانها وهو الحياة الواقعية ومادتها الرئيسية حياة الناس في مواقعهم وهنا يلتقط المخرج فكرة ما ومن ثم يصيغها في نسق من مفردات الواقع ليشكلها في بناء فيلمي يعبر عن وجهة نظره دون أن يغفل مراعاة وحدتي الحدث والمكان بأسلوب فنَي خلاق يلعب فيه التعليق الصوتي أو مزج الأصوات دورا مؤثرا في توصيل الفكرة إلى المشاهد. وفي تقسيمه للأفلام السينمائية يفضل الناقد الأميركي سيكونجليتون وصف الفيلم الوثائقي على أنه يقدم تقريرا عن موضوع ليس قصة أو دراما روائية. مفهوم الفيلم التسجيلي بحسب الاصطلاح الفرنسي FILM DOCUMENTAIRE أن الفيلم وثيقة عن المكان أو الحدث أو الشخص الذي يتناوله، ولهذا يفضل البعض ترجمته إلى الفيلم الوثائقي. أما المفهوم الانجليزي لهذه النوعية من الأفلام Documentary film فلا يكتفي الفيلم بتسجيل الحقيقة وحدها وإنما يضيف إليها الرأي أيضا مثلما نجد مفهوم البعد الرابع الذي يضيفه المخرج المسرحي على عناصر العرض الرئيسية. وقد اصدر الاتحاد الدولي عام 1948 تعريفا شاملا للفيلم التسجيلي جاء فيه: كافة أساليب التسجيل على فيلم لأي مظهر للحقيقة، يعرض إما بوسائل التصوير المباشر أو بإعادة بنائه بصدق وذلك لحفز المشاهد على عمل شيء أو لتوسيع مدارك المعرفة أو الفهم الإنساني أو لوضع حلول واقعية لمختلف المشاكل في عالم الاقتصاد أو الثقافة أو العلاقات الإنسانية. وقد حّد جون جريرسون ثلاث خصائص لابد من توافرها لكي يصبح الفيلم تسجيليا حقيقيا وهي اعتماد الفيلم على التنقل والملاحظة والانتقاء من الحياة نفسها، كما يتم اختيار أشخاص الفيلم من واقع المعاش. كما تختار مادة الفيلم من الطبيعة رأسا دونما تأليف وبذلك تكون موضوعاته أكثر دقة وواقعية من المادة المؤلفة والممثلة. ومن الطبيعي أن يتبع ذلك أن هذه النوعية من الأفلام لا تهدف إلى الربح المادي بقدر ما تهدف إلى تحقيق أهداف خاصة في النواحي التعليمية والثقافية أو حفظ التراث أو التاريخ. ويتسم الفيلم الوثائقي عادة بقصر مدة العرض لا يزيد في أغلبها ما بين 20 إلى 50 دقيقة نظرا لأن هذه الأفلام تكون موجهة إلى فئة معينة من الجماهير. أما شعار هذا الفيلم فهو: السينما رسالة وعلم وفن. من الواضح أن هناك تنويعا في عروض المهرجان وفي خياراته الجيدة من الأفلام العربية الحديثة. وهنا أيضا مجال طيب لمسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة فمعظم الأفلام التي ما زالت تعرض منذ العرض الأول الجمعة الماضية لفيلم «1958» سيناريو وإخراج غسان سلهب، هي ذات مستوى متميز وتوجه فنّي وليس مجرد مادة إعلامية تعرض في التلفزيون كريبورتاج، لأننا حينما نضع فيلما وثائقيا للسينما فهناك اختلاف بينه وبين الوثائقية التي تصنع للتلفزيون فتكون ذات توجه إعلامي وقيمتها الفنية أقل بكثير. هذه المسابقة التي يشارك في لجنة تحكيمها رئيسها جيمس لونغلي وهو من أهم المتعاطفين مع القضية الفلسطينية من خلال فيلمه الوثائقي الطويل بعنوان «قطاع غزة 2002» ويصور من خلاله حياة الفلسطينيين أثناء اندلاع الانتفاضة الثانية، كذلك عضوية الممثلة التونسية هند صبري وهي واحدة من الممثلات العربيات المهمات على صعيد الأدوار الإنسانية، تسجل لنا انطباعات مهمة من خلال الأفلام الأخرى مثل الفيلم الانجليزي «عصر الحمقى» سيناريو وإخراج فراتي آرمسترونغ ومدته 89 دقيقة ويطرح قضية التغير المناخي والاحتباس الحراري. سيتم عرض الفيلم اليوم. أما مخرجة الفيلم فتتمتع بجرأة عالية في طرح موضوعها. نحن أمام مجموعة مهمة من الأفلام مثل الفيلم العراقي «جميع أمهاتي» من سيناريو وإخراج الثنائي إبراهيم سعيدي وزهاوي سنجاوي. وتتضمن المسابقة أيضا الفيلم التونسي «زرزيس» سيناريو وإخراج وإنتاج محمد زرن. كما نتابع فيلما بعنوان «كاريوكا» القادم من مصر ومدته 60 دقيقة من إخراج نبيهة لطفي وهو بمثابة تكريم للفنانة الراحلة تحية كاريوكا. وما بين فيلم «الكهف البحري» وفيلم «اللقطة المزدوجة»، يلفت انتباهنا فيلم بعنوان «غاندي الحدود» (بادشاه خان شعلة من اجل السلام) سيناريو وإخراج وإنتاج الكندية المقيمة في نيويورك تي. سي. تيري وتقدم لنا صاحبة فيلم «صياد الظل» جانبا من حياة بادشاه خان الناشط المناهض للعنف والعنصرية والعرقية، وكيف أصبح هذا المقاتل البشتوني النظير الباكستاني للمهاتما غاندي. من الأفلام المهمة القادمة في الطريق أفلاما مميزة مثل: «مع السلامة كيف حالك»، وفيلم «في برلين» و»جيران» و»في الطريق إلى المدرسة» و»ميناء الذاكرة» و»مبدأ الصدمة» و»شيوعيون كنَا» والأخير من إخراج ماهر أبي سمرا والفيلم إنتاج لبناني فرنسي مشترك ومدته 40 دقيقة وسيتم عرضه للجمهور مساء الخميس القادم 15 أكتوبر الجاري. ويصور الفيلم المصائر المتقاطعة لعدد من الأصدقاء على خلفية الحرب الأهلية اللبنانية. المعالجة جريئة فنيا وسياسيا على مستوى التناول والفكر المطروح. أخيرا بالنظر إلى جملة هذه الأفلام والاحتفاليات التي تضمنت عرض الافتتاح «المسافر» بجانب أفلام عديدة منها: «محيطات» و»الرجال الذين يحدقون في الماعز» و»أزرق» و»الرأسمالية: قصة حب» و»المخبر» و»احك يا شهرزاد» لمنى زكي و»قصيرون» الفيلم الإماراتي الذي عرض يوم السبت الماضي من إخراج وسيناريو ومونتاج روبرت رودريغز. هذا إلى جانب برنامج بعنوان «الضحك حتى الألم» ويتضمن جملة من العروض الكوميدية من الأفلام الصامتة بنسخها الأصلية المؤرشفة ذات الجودة العالية المصحوبة بعزف موسيقي ومنها تسجيلان مبكران لاثنين من عمالقة السينما الصامتة وهما تشارلي شابلن بعنوان «المهاجر» 1920 وباستر كيتون بعنوان «أسبوع واحد» 1920. وهناك أيضا الكثير من عروض الأفلام القصيرة وغيرها من البرامج التي تركز على قيمة السينمائي العربي مما يسجل الريادة لهذه التظاهرة السينمائية الدولية التي تحظى بتقدير العالم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©