الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القوات الأميركية في العراق··· مطلوب انسحاب تدريجي

القوات الأميركية في العراق··· مطلوب انسحاب تدريجي
5 أغسطس 2008 23:13
على الرغم من اتفاق الجميع تقريباً على أن تقدماً كبيراً قد تحقق في العراق، لا يزال هناك سؤال يتردد بينهم مؤداه: كيف يمكن استثمار ذلك التقدم؟ هناك رؤى مختلفة في هذا الشأن· فـ''الديمقراطيون'' بقيادة ''أوباما'' يريدون جني ثمار التقدم الذي حدث، وسحب جميع الألوية المقاتلة بحلول مايو ،2010 في حين أن ''الجمهوريين'' مثل ''ماكين'' يرون أن تلك القوات يجب أن تبقى في العراق، حتى تتوافر الظروف المناسبة لسحبها· أما رئيس الوزراء العراقي ''نوري المالكي''، فيقترح من جانبه جدولاً زمنياً للانسحاب، وإنْ كان من الواضح أنه يريده أن يتم بإيقـــاع أبطأ مما يقترحـــه ''الديمقراطيون''· إذا ما أرادت منا الحكومة العراقية الرحيل، فيجب أن نرحل· لا خلاف على ذلك، ولكن ذلك لن يكون في صالح العراقيين ولا في صالحنا· فبعد أن عدنا من جولتنا التفقدية التي أجريناها مؤخرًا في العراق، أصبحنا أكثر اقتناعا بأن أي خفض كبير للقوات المقاتلة في المستقبل القريب سيكون غير حكيم· فمنسوب العنف في العراق انخفض إما بسبب هزيمة المقاتلين الذين كانوا يشنون تمرداً ضدنا، أو موافقتهم على وقف إطلاق النار· وتلك الإيقافات كانت في جوهرها استجابة منهجية للمشهد الاستراتيجي الجديد السائد في العراق بعد نزيف الدم الطائفي الذي حدث عام ،2006 وبعد ضخ أعداد إضافية من القوات الأميركية في صيف العام الماضي، وهزيمة ''القاعدة'' في محافظة الأنبار، والاقتناع الذي انتهى إليه السنة والشيعة الذي أنهكتهم المعارك بأن الاستمرار في القتال لن يكون في مصلحتهم· وعلى الرغم من أن الأسباب التي أدت إلى تغير المشهد الاستراتيجي حقيقية، ودائمة، وليست مؤقتة، إلا أنها لا تضمن استقرار السلام مع ذلك· لماذا؟ لأن الطوائف المتنازعة التي تتشكك كل واحدة منها في الأخرى، ستكون مستعدة لتفسير أي إشارة- سواء كانت حقيقية أو وهمية- على أنها تعني أن الطوائف الأخرى تحاول تحقيق استفادة ما على حسابها· هناك سبب آخر وهو تعدد اتفاقيات وقف إطلاق النار، وهو ما يبدو واضحاً، إذا عرفنا أن هناك 200 مجموعة عشائرية أو إقليمية قد توصلت إلى اتفاقيات مع الولايات المتحدة تتعهد بموجبها بالتخلي عن العنف والقتال، وأن هذه الجماعات- أو بعضها على الأقل- سيحاول بعد فترة من الوقت جس النبض، أو معرفة اتجاه الريح لمعرفة ما يمكن الحصول عليه، وستقوم بالتالي بتفسير أي سلوك- قد يكون بريئاً- من قبل الجيران بأنه يحمل في طياته تهديداً لهم، وقد تقرر الانتقام بناء على ذلك· في الوقت الراهن تلعب القوات الأميركية المقاتلة الموجـــودة في العراق دوراً حيويـــاً في فرض الالتزام باتفاقيات وقف إطلاق النار، وكبح جماع الميول التصعيدية لدى بعض الجماعات، وهو دور لا تستطيع قوات الأمن العراقية القيـــام به حتى الآن· يرجــع السبـــب في ذلـــك إلى أن تلــــك القــــوات لا تحظى بثقة كافـــة الأطراف الموقعة على اتفاقـــات وقف إطلاق النار، وخصوصاً السُنية منها، نظراً لأن غالبية أفرادها من الشيعة، يعني ذلك أن تحقيق المصالحة الكاملة بين الأطراف المتنازعة في العراق سوف يستغرق بعض الوقت· وخلال رحلتنا الأخيرة في العراق، استمعنا إلى العديد من زعماء السنة، الذين قالوا لنا إنهم يعيدون الآن النظر في رأيهم في رئيس الوزراء نوري المالكي، وإن كانوا قد أكدوا أن ذلك لا ينطبق على باقي الزعماء الشيعة، وأنهم جميعـــاً يثقون في الولايات المتحدة- وإنْ كان ذلك لا يعني بالضرورة أنهم يحبونها· وولاء القوات العراقية ليس هو الشاغل الوحيد· فهذه القوات ليســـت قادرة حتى الآن على العمل بكفــــاءة دون إسنـــاد من قبل القوات الجويـــة الأميركية، ودون الحصول على مشورة من المستشارين، وعلى مساعدات لوجستية واستخباراتية· لكن هذا الاحتياج للقوات الأميركية لن يستمر للأبد بالطبـــع، إذ من المتوقع أن يخف تدريجياً مع تحقيق المزيد من التقليص للعنـــف، وزيادة ثقـــة العراقيين في بعضهم البعض بسبب استقرار حالات وقف إطـــلاق النار، وزيادة الثقة من جانب الجماعات السنية في الحكومة العراقية، وزيادة الكفاءة الفنية والقتالية لتلك القوات بما يؤدي إلى تقليص اعتمادها على الأميركيين· من المأمول كذلك، تحقيق تقدم في عدد من المسائل الحيوية من أهمها إعادة توطين 4 ملايين مواطن عراقي خرجوا من ديارهم بسبب العنف، والتوزيع العادل لعوائد النفط، وحل الخلافات الحدودية على بعض المناطق المتنازع بشأنها مثل مدينة كركوك الغنية بالنفط· إذا ما استمرت الاتجاهات الحالية في العراق، فقد يكون ممكناً تحقيق خفض ملموس في أعداد القوات الأميركية العاملة، أما إجراء انسحابات واسعة النطاق، ناهيك عن استكمالها قبل منتصف 2010 (أي بعد انتهاء الانتخابات التي ستجرى على مستوى المناطق في خريف هذا العام وعلى المستوى الوطني العام القادم) فقد يعرض العراق إلى مخاطر جسيمة· ما الذي يتعين عمله إذن؟ تقدم محافظة الأنبار نموذجاً لما يمكن لنا عمله، وذلك من خلال تنفيذ انسحابات جزئية ومتدرجة من مختلف المناطق، على غرار ما حدث في تلك المحافظة بعد هدوء الأوضاع واستقرارها هناك· هناك أيضا دروس يمكن لنا استمدادها من تجاربنا في البوسنة وكوسوفو، وأهمها أن المفتاح لتحقيق الاستقرار في مناطق الحروب والنزاعات، هو وجود قوات أجنبية لحفظ السلام من ناحية وإجبار الأطراف المتنازعة على الالتزام ببنود اتفاقيات وقف إطلاق النار التي تم التوصل إليها· طالما أن الأمر كذلك، فما الذي يدعو رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى المطالبة بالتبكير في انسحاب القوات الأميركية المقاتلة؟ ربما يكون ذلك نابعاً من ازدياد ثقته في نفسه، أو من طبيعة العملية السياسية في العراق· فمع اقتراب الانتخابات، قد يرغب ''المالكي''، وغيره من أعضاء الحكومة الحالية، أن يظهروا للعراقيين أنهم قد تمكنوا من تحقيق هدف إنهاء الاحتلال الأميركي للعراق، وإعادة الأمور إلى حالتها الطبيعية وفقاً لشروطهم· إذا ما سمحنا للانتهازية من جانب الزعماء العراقيين والرغبة في الانسحاب المتعجل من قبل بعض الساسة الأميركيين، بتقويض فرصة حقيقية لتحقيق سلام طويل الأمد في العراق تلوح لنا الآن، فإن ذلك سيكون أمراً مأساوياً· في الحقيقة هناك العديد من الأشياء الأكثر أهمية التي يتعين إنجازها في العراق، وإذا ما اعتقدنا للحظة واحدة، أن إنجاز مثل هذه الأمور يمكن أن يتم دون وجود عدد كاف من القوات الأميركية المقاتلة فإن ذلك سوف يكون بمثابة تفاؤل غير حقيقي، وسابق لأوانه بأن المهمة قد أنجزت تماماً مثلما كان ذلك الإعلان عن ''إنجاز المهمة'' الذي جاء على لسان بوش عام ·2003 ستيفن بيدل زميل رئيسي في مجلس العلاقات الخارجية مايكل أوهانلون وكينيث إم بولاك زميلا معهد بروكنجز ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©