الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مشاهدات عائدة من «وادي سوات»

مشاهدات عائدة من «وادي سوات»
13 أكتوبر 2009 00:26
يُظهر الرسم ثلاثة أولاد باللباس الباكستاني التقليدي يبكون حاملين لافتة مكتوب عليها «نريد السلام، وليس أشلاء الجثث البشرية»، وباللغة البشتونية «أمان» التي تعني «السلام» بالعربية. وإلى يسارهم، رجلان يعتمران القلنسوة (وهما من «طالبان»، على ما يفترض) يحمل كل منهما سيفاً؛ وعلى يمينهم، شخصان بالبدلة العسكرية يقبضان على شخص يتوسل إليهما: «رجاءً دعوني أذهب، لديَّ أطفال صغار». هذا الرسم أبدعته تلميذة تدعى «شيمة» وشاركت به في مسابقة نُظمت بمناسبة انقضاء شهر رمضان في مينجورا، وهي المدينة الرئيسية في منطقة وادي سوات الباكستانية بالإقليم الحدودي الشمالي- الغربي من البلاد. ويُظهر المشهد الذي يصور مدينتها هذا الربيع -حيث يجد المدنيون أنفسهم عالقين بين المقاتلين والجيش- الآثار البشرية الباهظة للعملية العسكرية التي قام بها الجيش الباكستاني ضد متمردي «طالبان». وبعد أسبوع من الحوارات مع أشخاص يسكنون في وادي سوات، أو نزحوا عنه، أو يعملون فيه، أستطيع أن أشهد على أن «شيمة» أفلحت في توصيف الوضع الذي يسود منطقتها. قد تكون مأساة ما يربو على مليوني شخص نزحوا عن ديارهم في أقل من شهرين قد اختفت من عناوين الصحف، ولكن معاناة المدنيين ما زالت متواصلة. وإذا كان ثمة اهتمام أقل باحتياجاتهم اليوم، فإن ذلك يعزى في جزء منه إلى حقيقة أنه ما زال من الصعب على أي شخص غير القوات المسلحة أو أحد أبناء وادي سوات الوصول إلى معظم مناطق الإقليم الواقعة إلى الشمال من مدينة مينجورا. صحيح أن الجيش يأخذ الصحافيين الأجانب في زيارات دورية إلى المناطق «المنظَّفة» في الجنوب، ولكن هذه الزيارات نادراً ما تكون إلى الشمال حيث الأوضاع ما زالت غير مستقرة. وبالتالي، فإن الشيء الوحيد الواضح هو أن منطقة وادي سوات ما زالت منطقة غير آمنة، باستثناء مينجورا. وعلاوة على ذلك، فإن الباكستانيين يعانون كثيراً بسبب الخسائر الجانبية المترتبة على الحملة العسكرية. وخلال الأسبوع الماضي، أفادت صحيفة «دون» الباكستانية وصحف أخرى بظهور شريط فيديو على شبكة الإنترنت يظهر فيه جنود باكستانيون على ما يبدو وهم يسيئون معاملة رجال معتقلين في عملية ضد المقاتلين. وقد فتح الجيش تحقيقاً بشأن هذا الموضوع. وإذا كانت القيود والتضييقات التي تسببت فيها العملية العسكرية ضد التمرد -من قبيل حظر التجوال ونقاط التفتيش- تمثل مصدر إزعاج للسكان وتزيد من المخاطر المحدقة بالمدنيين، فإن الغضب من المتمردين أنفسهم يزداد أيضاً بشكل كبير. وفي بعض الأحيان يعود النازحون إلى مناطق قيل لهم إنها «نُظفت» من المتمردين، ليجدوا أنها ليست كذلك، تماماً. كما أن السكان يخافون من أنهم إذا شوهدوا خلال النهار (من المرتفعات حيث يميل المتمردون إلى الاختباء) يتحدثون مع أحد من موظفي الجيش أو الحكومة، فإن أفراد «طالبان» قد ينزلون في الليل ويحملونهم على دفع ثمن باهظ. وفي مدينة ماردان، بالقرب من بيشاور، التقيتُ مع بعض النازحين الذين وجدوا ملاذاً مؤقتاً هناك -عددهم يفوق الألف- وأكدوا أنهم حاولوا العودة إلى ديارهم ولكنهم وجدوا أنه من المستحيل العيش هناك. والواقع أن ما روته لي سلمى، التي تبلغ 35 عاماً، كان يتكرر على ألسنة الكثيرين: فقبل أن يبدأ الجيش حملته العسكرية ضد المقاتلين، لم تكن بناتها يستطعن الذهاب إلى المدرسة بسبب المضايقات التي تقترفها «طالبان»؛ كما أن رجال هذه الأخيرة دمروا متجر أحد إخوانها بدعوى أنه مناف للتعاليم الدينية -لأنه يبيع ملابس نسائية. ولكنها اليوم أيضاً لا تستطيع إرسال بناتها إلى المدرسة بسبب حظر التجوال الذي يفرضــه الجيش، كما أن هذا الأخير طلب من إخوانها تفكيك منازل لأشخاص يشتبه في أنهم مقاتلون، وهو ما قد يجعلهم أهدافاً لأعمال انتقامية. وهكذا، وبعد شهر قضته عائلة سلمى في شارباج، وهي معقل سابق لـ«طالبان»، اختارت الفرار مرة أخرى. على أن الوضع في أجزاء أخرى من الوادي في الحدود الشمالية- الغربية ما زال غير مستقر أيضاً. ففي خبر حول هجوم استهدف سوقاً في مدينة كوهات الشهر الماضي، أفادت صحيفة باكستانية بأن «فرقة المتفجرات لم تسمح لها حشود غاضبة بدخول السوق» لساعات عديدة بعد التفجير. ولنا أن نتصور مدى حزن الناس وحسرتهم، وغضبهم من الأشخاص المسؤولين عن الفوضى والاضطراب حتى يطردوا المنقذين الذين جاءوا لإغاثة أحبتهم وذويهم. والواقع أن الرسالة التي ينطوي عليها رسم «شيمة» تتكرر كثيراً عبر أرجاء الإقليم المضطرب، حيث يتم الإعداد لهجوم كبير آخر للجيش ضد متمردي «طالبان»، من المنتظر أن يستهدف هذه المرة جنوب وزيرستان التي تعد معقلا آخر للمتمردين، وهو ما يعني أن مئات الآلاف من المدنيين الآخرين قد يضطرون للفرار ويعلقون بين الجيش و«طالبان». ومع ذلك، ففي مينجورا والمناطق الواقعة إلى الجنوب منها، حيث تنتشر نقاط التفتيش ودوريات الجيش، يتمنى الكثيرون قدوم إدارة مدنية -وهو مؤشر على أن الاستقرار يمكن أن يعود بالفعل. والواقع أن الجيش شرع في الانسحاب من مينجورا وتسليم المهام الأمنية للشرطة. وهناك، وجدتُ مدير مدرسة خاصة للبنات، يدعى ضياء الدين يوسف زاي، وقد استقبلني بابتسامة عريضة، وبدا متفائلا بشأن «تطهير» مينجورا؛ على أن تلميذته «شيمة» أيضاً لديها رسومات أخرى مفعمة أكثر بالأمل حيث تظهر مدرستها الثانوية وقد أعيد فتحها، والأولاد والبنات أيديهم في أيدي البعض وهم يبتسمون. آنا هوسارسكا المستشارة السياسية للجنة الإغاثة الدولية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©