الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مكافأة مسبقة لـ«سلام أوباما»

13 أكتوبر 2009 00:27
جائزة نوبل للسلام منحت لباراك أوباما. لاشك أنها كانت مفاجأة. ولابد أن الرئيس الأميركي كان أكثر المتفاجئين بالخبر. فهذه المرة الأولى التي تخرج فيها اللجنة النرويجية عن التقليد المتبع بأن تؤول الجائزة إلى من فعل، وليس إلى من قال. غير أن المبررات التي ساقتها تبدو مقبولة، على رغم أنها حرمت عشرات المرشحين الذين ينتظرون منذ سنوات طويلة أن تكافأ تضحياتهم وأتعابهم من أجل تحصيل رمق من سلام في مكان ما في العالم. «نوبل للسلام» فقدت الكثير من سلطتها المعنوية في العقدين الأخيرين، تحديداً منذ منحت للكاتب إيلي فيزيل الذي وعد نفسه بـ «نوبل الأدب» لكنه لم يستحقها فإذا به يعوض بـ «نوبل السلام» التي لا يستحقها أبداً. ولا يُنسى لهذا الرجل مثلا أنه، في لقاء تلفزيوني، وبعدما عرضت صور جنود إسرائيليين وهم يكسّرون عظام شبان فلسطينيين بأوامر وزير الدفاع آنذاك إسحاق رابين، علق حامل نوبل للسلام هذا بقوله إنه يشفق على هؤلاء الجنود لأنهم مضطرون لأن يفعلوا ما يفعلون. واندهشت المذيعة من إجابة فيزيل، وكلاهما يهودي، فكررت السؤال، وكرر جواب الإشفاق. وإذ تبقى جائزة «نوبل» مؤشراً سنوياً رفيع المستوى لقياس القيم والكفاءة والتقدم البشري، إلا أن «نوبل السلام» تعتبر مرآة للضمير الإنساني، ولذا، تكون هفواتها وتسرُّعاتها فاقعة ومؤلمة إذا وقعت. وهناك حالات، مثل شيمون بيريز، استوجبت البحث في سحب الجائزة ولو معنوياً لئلا يعود صاحبها الذي ابتعد كثيراً عن أهدافها الطيبة متمتعاً بلقب «حامل نوبل للسلام»، فمن يرتكب مجزرة قانا في جنوب لبنان بعد ثلاثة أعوام على نيل الجائزة لا يمكن أن يكون رجل سلام. إذن، هي المرة الأولى التي يجازف فيها المانحون بمكافأة مجرد «رهان على السلام» يمثله أوباما. وهو خيار يتأرجح بين الذكاء والغباء. فمن جهة يحشر أوباما في زاوية المبادئ التي تلفظ بها ولم يحقق أياً منها بعد. ومن جهة أخرى يغامر بمكافأة رئيس ورث حربي أفغانستان والعراق، وها هو يؤكد التزامه إرث الانحياز الأميركي الأسود في الانحياز لمجرمي الحرب الإسرائيليين وحمايتهم. ففي الأسبوع الذي توّج خلاله رجل سلام كان قد سمح لتوّه بممارسة أسوأ وأغلظ الضغط على الجانب الفلسطيني كي يسحب دعمه لـ «تقرير جولدستون» عن جرائم الحرب الإسرائيلية في حرب غزة. ولو توقفت اللجنة النرويجية عند هذه الواقعة وحدها، لربما فكرت في منح جائزتها للقاضي جولدستون وليس للرئيس الأميركي الذي احتقر تحقيقه وتقريره. ومع ذلك فلنعترف للجنة نوبل بفضيلة بُعد النظر، ومن الواضح أنها عانت كثيراً خلال عهد جورج بوش، ربما لأنها تقيس تقدم السلام أو تراجعه وفقاً لقرب الإدارة الأميركية من هذا الهدف السامي أو بعدها عنه. بل لعل معاناتها تلك هي التي دفعتها إلى مكافأة جيمي كارتر في عام 2002 حين كانت حرب أفغانستان في أوج بشاعتها، وحين كان بوش اتخذ عملياً قرار الحرب على العراق. ثم قدّر للرئيس الأميركي السابق أن يرى، قبيل نهاية ولايته الثانية، خصمه الأول آل جور وهو يتوّج رجل سلام، فيما كان هو نفسه غارقاً في وحول اللقب الذي فاخر به كـ «رجل حرب». أما أن ينال رئيس أميركي شرف «نوبل للسلام» وهو لا يزال في بداية ولايته الأولى، التي قد تكون الأخيرة، فهذا جديد، وربما يكون واعداً، ولكن لابد من الكثير من الحذر في هذه المراهنة. أوباما ليس رجل حرب. هذا صحيح، حتى الآن. لكن ماذا عن إدارة الحروب التي تسلم مقاليدها. ولو استخدم المقياس نفسه لبدا بيل كلينتون أكثر استحقاقاً، خصوصاً أنه تسلم رئاسته في ظروف دقيقة غداة انتهاء الحرب الباردة. وإذا استخدمت قضية الشرق الأوسط للحكم على كلينتون، لأمكن القول إنه ناور ثمانية أعوام ليستقر في النقطة التي انتهى إليها أوباما خلال ثمانية شهور فقط. ثم إنه ليس معروفاً بعد كيف ستتقلب الأحوال بالرئيس الحالي، وكيف سيتقلب به طاقمه، سواء في أفغانستان أو في العراق أو في الشرق الأوسط. قد يحسب لمصلحته عزمه على الانسحاب من العراق، ولكن الأهم من الانسحاب، أو بالأحرى الأخطر منه، التنصل من الحال التي سيترك العراق عليها كأنها لم تكن مسؤولية الاحتلال الذي ارتكب أخطاء فادحة ولا يرى ما يوجب تصحيحها قبل الانسحاب. كانت حركتا «حماس» و«طالبان» الأكثر سلبية في نقد منح أوباما جائزة نوبل للسلام. لكن كان لافتاً أن إيران و«منظمة مانديلا» عزفتا على الوتر نفسه متمنيتين أن يدعم فوزه جهوده من أجل السلام. وهذا في أي حال ما أراده مانحو الجائزة، أي أن يشجعوه على أن يقرن القول بالفعل. إذ يجب ألا يغيب عن بال أحد أن أوباما ربما يكون الرئيس الأميركي الوحيد الذي سجل أخيراً أولى خطواته نحو خفض التسلح النووي، ولكن بقي عليه أن يبرهن كيف، أي كيف ستطبق أميركا، وهي الأقوى نووياً، مثل هذه الاستحقاقات؟ وهل تستطيع أن تكون نموذجاً يحتذى به في هذا المجال. وطالما أن النية أعلنت، فلا بأس في دعم أوباما، ولابد من وضعه تحت المجهر، إذ أنه مؤهل لتشريف لقب «رجل السلام» الذي خلع عليه باكراً، لكنه قد يخذله أيضاً. عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي - لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©