الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«التسامح».. الطريق إلى الحياة السعيدة

«التسامح».. الطريق إلى الحياة السعيدة
5 يونيو 2017 18:42
أحمد السعداوي (أبوظبي) التسامح قيمة عظيمة أمرنا بها ديننا الحنيف لما فيه من منافع للفرد والمجتمع، وهو ما اجتمعت عليه آراء الكثيرين من خلال خبراتهم الحياتية والمواقف التي مروا بها. وبحلول شهر رمضان المبارك تعلو قيمة التسامح، ويتنافس المسلمون في بقاع العالم في حصد جزيل الأجر والثواب من وراء التحلي بالتسامح الذي يعتبر من السلوكيات الإيجابية التي تكتسب بالتعود والتدريب، مع التأكيد على أن تعريف التسامح هو القدرة على غفران خطأ الآخرين أو أي أفعال سلبية قد يكونون ارتكبوها تجاهنا، وهذا مبدأ إنساني حميد، معاكس تماماً للضغينة والحقد، وهذه السمات السلوكية أو تلك تعد جزءاً من تربية الأشخاص وثقافاتهم. نسيان الماضي ويقول أحمد عتيق المحيربي، مدير العلاقات الحكومية بشركة أدنوك: «إن التسامح أحد المبادئ الإنسانية والأخلاقية والتسامح في دين الإسلام يعني نسيان الماضي المؤلم بكامل إرادتنا، والتخلي عن رغبة إيذاء الآخرين، وهو رغبة قوية لمعرفة صفات ومزايا الناس بدلاً من أن نحكم عليهم». ولفت إلى أن الإنسان يعود نفسه على التسامح، حين يدرك المعنى الحقيقي لقيمة الصبر في ديننا الإسلامي، ويعود نفسه على التسامح من خلال الاقتداء بسنة الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، النموذج الأسمى والأسوة الطيبة والقدوة الحسنة في التسامح. وذكر أن الشخصية المتسامحة لها سمات إيجابية نكتسبها من خلال تعويد الإنسان نفسه على الأسلوب الحسن في التعامل مع الناس، التربية الصحيحة منذ الصغر، اليقين بأن التسامح من سمات المؤمن القوي والعفو عند المقدرة، اعتبار التسامح من الصفات النبيلة، والعمل على نشر المحبة بين الناس، وتعزيز أواصر التعاون بين المجتمعات. وبذكر بعض المواقف التي تسامح فيها عن خطأ ما في حقه يقول: «تعرضت لأحد المواقف المؤلمة أثرت على نفسي كثيراً؛ لأنه جاء من أقرب الناس إلي، ولكن أنا أثبت حقي في الموضوع، وبعد تفكير بعمق في الموضوع اقتنعت بأن التسامح هو مفتاح السعادة وراحة البال، حيث قمت بكامل إرادتي بالتسامح». تقبل الآخر عبدالله محمد الشحي، الحاصل على ماجستير المجتمعات الإسلامية برسالة عنوانها «الجماعات الثقافية والتعايش السلمي»، وله عديد من المبادرات الخاصة بالتسامح، ومنها اليوم الإماراتي في النمسا، التي أقيمت في العامين الماضيين، يقول إن التسامح بالنسبة له، يعني أن يقبلني الآخر كما أنا وأتقبله كما هو سواء من الجانب الديني أو الثقافي أو غيره من المجالات التي يمكن أن يصنف بعض الناس على أساسها. ويؤكد أنه لا بد أن يتعود الإنسان على مفهوم التسامح، وأن يعمل به؛ وذلك من خلال أساليب رئيسة عدة أولها المنزل، أي لا بد أن يقوم الوالدان بتربية أبنائهما على التسامح وحب واحترام الآخر، ثانياً، المدرسة، التي عليها دور كبير في هذا الموضوع، خاصة أن هناك الكثير من الثقافات تجتمع تحت سقف واحد، ثالثاً، التعليم الذاتي، بمعنى أنه لا بد أن يحرص الشخص على القراءة وحضور المحاضرات والندوات والفعاليات والمهرجانات ذات الثقافات المختلفة، وهذا كله يفتح للشخص آفاقاً جديدة في التعامل مع الآخرين وفي رؤيته إلى العالم، رابعاً، المشاركة في الأعمال التطوعية سواء داخل أو خارج الدولة، ومهما كانت صغيرة ومحدودة، ولكن مردودها سيكون كبيراً جداً بالنسبة للآخرين وبالنسبة للشخص الذي قدمها أيضاً. سمات إيجابية ويورد الشحي أن أهم السمات الإيجابية للشخصية المتسامحة، عدم التذمر من الآخرين، وقبولهم على ما هو عليه، إضافة إلى إشاعة جو من التفاؤل والإيجابية أينما حل، ويروي أحد المواقف التي مر بها وظهرت خلالها قيمة التسامح، بأنه تعرض في إحدى الدول لمضايقة البعض من جنسية الدولة نفسها، ومن الطبيعي في مثل هذه المواقف أن نحكم العقل ولا نتسرع في الرد، وبعد فترة عاد الأشخاص أنفسهم للاعتذار بعد أن علموا بأنني قمت بعمل لصالح مجتمعهم خاصة الأطفال، مما كان له الأثر الكبير في نفوسهم، وعليه فقد تقدموا بالاعتذار، وكنت حريصاً جداً على تقبل اعتذارهم بكل سرور. من ناحيتها، تقول وفاء الكثيري، موظفة بجهة حكومية، إن التسامح يعتبر أحد المبادئ الإنسانية، وما نعنيه هنا هو مبدأ التسامح الإنساني، كما أن التسامح في دين الإسلام يعني نسيان الماضي المؤلم، وهو أيضاً التخلي عن رغبتنا في إيذاء الآخرين لأي سبب قد حدث في الماضي، وهو رغبة قوية في أن نفتح أعيننا لرؤية مزايا الناس بدلاً من أن نحكم عليهم ونحاكمهم أو ندين أحداً منهم. وقد أُمرنا أن نتغاضى ونسامح؛ لأنه يعتبر أول خطوة للصفح عن أنفسنا، ويمكننا أن نتسامح مع الآخر حينما نتخلى عن اعتقادنا بأننا ضحايا لأن النفوس الكبيرة وحدها تعرف كيف تسامح. شخصية منفتحة وتوضح الكثيري أن أفضل طريقة هي تعريف الفرد على القدوات الصالحة بذكر قصصهم وأخبارهم، وبدعوته إلى الاقتداء بالأنبياء والصالحين. والطريقة الثانية هي إيجاد حالة التنافس الاجتماعي بين أفراد المجتمع، حيث يحث الإسلام على أداء بعض العبادات بصورة جماعية مثل الصلاة في جماعة، وأداء الزكاة والصدقات والحج وغير ذلك، لكي يكون تنافساً في الخير. وبشكل عام يجب، أن ندرك أن الحياة أقصر من أن نقضيها في تسجيل الأخطاء التي يرتكبها غيرنا في حقنا أو في تغذية روح العداء بين الناس. وترى أن أهم سمات الشخص المتسامح، يكون منتجاً في مجالات الحياة كافة حسب القدرة والإمكانات. وهي الشخصية المنفتحة على الحياة ومع الناس حسب نوع العلاقة. وهي الشخصية التي توازن بين الحقوق والواجبات «أي ما لها وما عليها»، ونكتسب هذه السمة الجميلة بأن يمتلك الشخص أساسيات الصحة والتعامل النفسي مثل التعامل الجيد مع الذات، التكيف مع الواقع، ضبط النفس في المواقف الحرجة، الهدوء في حالات الإزعاج، والصبر في حالات الغضب، السيطرة على النفس عند الصدمات «أي القدرة على التحكم». دور التربية يُعرّف الدكتور أحمد الألمعي استشاري، ورئيس قسم الطب النفسي للأطفال في مدينة الشيخ خليفة الطبية، إحدى منشآت شركة أبوظبي للخدمات الصحية «صحة»، التسامح بأنه القدرة على غفران خطأ الغير أو أي أفعال سلبية قد يكونون ارتكبوها تجاهنا، وهذا مبدأ إنساني حميد، معاكس تماماً للضغينة والحقد، وهذه السمات السلوكية أو تلك تعد جزءاً من تربية بعض الأشخاص أو الثقافات، بحيث ينشأ البعض على التسامح ومعاملة الآخر بطريقة متسامحة، بينما البعض الآخر ينشأ على العكس تماماً. وأوضح أن تعمد الإيذاء وإضمار الضغينة للأشخاص يعتبر مشكلة كبيرة ينبغي على صاحبها تعويد نفسه على التخلي عنها، خاصة حين يدرك حجم الأخطار النفسية والصحية التي تصيبه جراء هذا السلوك، وهنا لا نقول إن الإنسان المتسامح يجب أن ينسى ما حدث له من خطأ من الآخرين، وإنما عليه فقط تعلم التجاوز عنه؛ لأن في عدم نسيانه فائدة ملموسة تتمثل في تجنب تكرار هذا الضرر أو الإيذاء من الشخص ذاته أو الموقف. وأشار إلى أن التسامح فضيلة عظيمة يحثنا عليها ديننا الحنيف، وجميعنا يعرف الحديث الشريف: «لا يحل لرجل أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» رواه البخاري (5727) ومسلم (2560)، كما أن الرسول الكريم ضرب لنا أروع الأمثلة في التسامح والعفو، وأثر ذلك في تأليف القلوب، حين دخل مكة فاتحاً، وقال يا معشر قريش ويا أهل مكة ما ترون أني فاعل بكم قالوا خيراً أخ كريم وابن أخ كريم ثم قال اذهبوا فأنتم الطلقاء فأعتقهم رسول الله. وهو موقف يجعلنا نتعلم منه الكثير مع علمنا بالأذى الكبير الذي لحقه من أهل قريش إلى حد أنهم أخرجوه وأصحابه منها. نفسية وجسدية ومن الناحيتين النفسية والجسدية، فإن الشخص الذي تعود إضمار الضغينة أو الحقد تجاه شخص ما رأى منه فعلاً أو كلمة لم تعجبه، فإن هذا الشخص يكون ضحية لسلوكه السلبي من حيث تركيز طاقته وجهده في الحاق الأذى بالآخر تحت دوافع تكون واهية في كثير من الأحيان، ما يسبب له ضغطاً وتوتراً نفسياً، وعلى المدى الطويل يتحول ذلك إلى مشاكل في النوم وصداع وتوتر العضلات وغيرها من الأعراض الجسدية ناتجة عن قلق وتفكير مستمر يؤدي إلى خلل في هرمونات الجسم تترك أثراً سلبياً على حياة الشخص. ويؤكد استشاري ورئيس قسم الطب النفسي للأطفال في مدينة الشيخ خليفة الطبية، أن الشخص الذي يمتلك القدرة على التسامح مع الآخرين يحرر نفسه من قيود كثيرة تشجعه على الاستمرار في حياته بشكل سوي وتحقيق رغباته الإيجابية لأصدقائه ومحبيه ونفسه بدلاً من توجيه طاقته السلبية وإيذاء الآخرين الذين ربما أساءوا له، وهنا يمكننا القول بشكل قاطع: «إن التسامح مع الآخرين هو الطريق إلى السعادة النفسية والجسدية والحياتية لكونه يحررنا من كثير من القيود والأفكار السلبية، فلا يكون في بالنا إلا كل ما هو إيجابي وخيّر لنا وللمحيطي. وعلى سبيل المثال، حين يسيء لنا شخص بقصد أو دون قصد نبدأ التفكير بشكل سلبي والدخول في حلقة مفرغة للبدء في إيذاء الآخرين ثم يقومون بدورهم بإيذائنا، وهكذا تمضي الحياة في مصاعب خلقناها بأنفسنا عبر هذا الأسلوب السيئ في التعاطي مع الحياة».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©