الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ناقضة الغزل.. حمقاء مختلة العقل

5 يونيو 2017 18:48
محمد أحمد (القاهرة) ناقضة الغزل، ريطة بنت عمرو بن سعد، لم يرد اسمها صراحة في القرآن الكريم، لكن الله سبحانه وتعالى جعلها مثالاً وعظة، فقد كانت امرأة حمقاء معروفة في مكة، سميت جعرانة لحماقتها، يقال إن فيها وسوسة، قال ابن عاشور كانت معروفة عند المخاطبين، بوصفها ولم يكن لها نظير في فعلها ذلك، وذكر أنها خرقاء مختلة العقل، كانت تغزل هي وجواريها، اتخذت مغزلا، وكن يغزلن من الصباح، حتى إذا كان المساء وأتقن الغزل أمرتهن فنقض غزلها، فكان هذا دأبها لا تكف عن الغَزل، ولا تبقي ما غزلت. ورد ذكرها في قوله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)، «سورة النحل: الآية 92». يقول العلماء: إن بعض القبائل عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوا قريشاً أكثر عدداً، وأكثر عدة وأقوى جمعاً، ندموا على عهدهم، فنقضوا عهدهم مع الرسول، وتفاوضوا مع قريش، وانضموا إليها، لذلك نهى سبحانه عن ذلك، أي لا ترجعوا في عهودكم، فيكون مَثَلكم مثل امرأة غزلت غَزْلا وأحكمته، ثم نقضته، تجعلون أيمانكم التي حلفتموها عند التعاهد خديعة لمن عاهدتموه، وتنقضون عهدكم إذا وجدتم جماعة أكثر مالا ومنفعة من الذين عاهدتموهم، إنما يختبركم الله بما أمركم به من الوفاء بالعهود وما نهاكم عنه مِن نقضها، وليبيِّن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون في الدنيا من الإيمان بالله ونبوة محمد، قال سعيد بن جبير‏، ولا تكونوا في نقض العهد بمنزلة التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا، يعني بعد ما أبرمته «تتخذون أيمانكم»‏ يعني العهد ‏«دخلا بينكم‏»، يعني مكراً أو خديعة ليدخل‏ العلة فيستحل به نقض العهد، فكان تشبيه نقض العهود بأسوأ الأمثال وأقبحها وأدلها على صفة متعاطيها، وذلك كالتي غزلت غزلاً قوياً، فإذا استحكم نقضت غزلها فجعلته أنكاثاً، فتعبت على الغزل، ثم على النقض، ولم تستفد سوى الخيبة والعناء، وسفاهة العقل ونقض الرأي، فكذلك من نقض ما عاهد عليه، فهو ظالم جاهل سفيه، ناقض الدين والمروءة. ضرب الله مثلاً للذين ينقضون العهد والأيمان، ولا يوفون بها، بهذه المرأة القرشية الحمقاء، قال الإمام الشعراوي، الآية ذكرت المرأة في هذا العمل لأنه خاص بالنساء في هذا الوقت دون الرجال، فكانت المرأة تمارس في بيتها هذه الصناعة البسيطة وتكوِّن منها أثاث بيتها من فرش وملابس، وهذا العمل يحتاج إلى جهد ووقت في الغزل، ويحتاج إلى أكثر منه في نقضه وفكِّه، فهذه عملية شاقة، وربما أمرت الجواري بفك الغزل والنسيج أيضاً، لذلك أطلقوا عليها حمقاء قريش. ويدل قوله «من بعد قوة»، على المراحل التي تمر بها عملية الغزل الشاقة، فكأن القرآن شبه الذي يعطي العهد ويوثقه بالأيمان المؤكدة، ويجعل الله وكيلا وشاهدا على ما يقول بالتي غزلت هذا الغزل، وتحملت مشقته ثم راحت فنقضت ما أنجزته وفكت ما غزلت. فبهذا المثل المشاهد يحذرنا الحق تبارك وتعالى من إخلاف العهد ونقضه، لأنه سبحانه يريد أن يصون مصالح الخلق، لأنها قائمة على التعاقد والتعاهد والأيمان التي تبرم بينهم، فمن خان العهد أو نقض الأيمان لا يوثق فيه، ويسقطه المجتمع من نظره ويعزله عن حركة التعامل التي تقوم على الثقة المتبادلة بين الناس.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©