الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جاك لانغ لـ«الاتحاد الثقافي»: الإرهاب خصم المعرفة الأكبر

جاك لانغ لـ«الاتحاد الثقافي»: الإرهاب خصم المعرفة الأكبر
20 يوليو 2016 20:24
جبريل جالو - باريس (الاتحاد الثقافي) أصدرت الرئاسة الفرنسية بياناً بتاريخ 5 يوليو الجاري، أكدت فيه أن دولة الإمارات العربية المتحدة ستحتضن مؤتمراً دولياً حول التراث الإنساني المهدَّد بالخطر، وذلك برعاية الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة. وأضاف البيان أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، كلّف السيد جاك لانغ رئيس معهد «العالم العربي» بتنظيم هذا المؤتمر، بمناسبة افتتاح متحف لوفر أبوظبي في ديسمبر المقبل. وقال بيان الرئاسة الفرنسي إن الهدف من هذا المؤتمر هو أن يتحمل المجتمع الدولي والمتاحف الكبيرة حول العالم كامل المسؤولية تجاه الإرث الإنساني المعرَّض للخطر، كما سيصدر هذا المؤتمر القرارات والتوصيات اللازمة لذلك. كان الرئيس فرانسوا هولاند قد دعا في قمة G7 في اليابان بتاريخ 26 مايو الماضي إلى عقد مثل هذا المؤتمر لحماية التراث الإنساني من خطر الإرهاب. وأضاف الرئيس هولاند أن هذا المؤتمر يعبّر عن تحالف ثقافي دولي من أجل السلام والحوار، لأن الحرب على التطرف تقوم على جبهات سياسية وفكرية وأخلاقية وإنسانية. ويأتي بيان الرئاسة الفرنسية ليعبر عن القلق الكبير تجاه ما تعرضت له المعالم الأثرية في سوريا والعراق وأفغانستان على أيدي تنظيم داعش الإرهابي. فمن هو جاك لانغ؟ ارتبط جاك لانغ بالعالم العربي منذ كان طالباً، حيث عشق تراجم الأدب العربي وتاريخ الخليج وموسيقى الشرق وعبق النيل وأمواج المتوسط، ومزارع الزيتون. يقول عن نفسه إنه أحد أكبر المعجبين بشخصية المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وتجربته الفريدة في بناء الوحدة في دولة الإمارات العربية المتحدة: «بوصفي أستاذاً للقانون الدولي، فإني أعتبر أن الاتحاد الذي شيده الشيخ زايد تجربة فريدة من نوعها تستحق الدراسة في كل أنحاء العالم». يجلس جاك لانغ ذو الـ76 خريفاً، ساعات طويلة في مكتبه المُطل على نهر السين؛ القلب النابض لباريس. وهو يراقبُ عاصمة الأنوار، مركزاً جهوده على خدمة الثقافة العربية في فرنسا خاصة وفي أوروبا على وجه العموم. ويدير جاك لانغ معهد «العالم العربي» في باريس مع فريق من الأدباء والكتاب والدبلوماسيين والمترجمين، إنهم يمثلون عائلة ثقافية تربطها وشائج قوية تتجاوز الجوانب المهنية، لأن رئيس المعهد ليس شخصية محبوبة لدى فريق العمل فقط؛ لكنه الشخصية السياسية والثقافية الأكثر جاذبية وقبولاً في فرنسا خصوصاً لدى شريحة الشباب. هذا الشغف بهذه الشخصية الكاريزمية المتواضعة لا يأتي من فراغ، إنه حصاد سنوات طويلة من العمل والإنجازات والعطاء التي لا تزال ثمارها ملموسة لدى نشطاء الساحة الثقافية في فرنسا والعالم العربي والعالم. كما يُعرفُ جاك لانغ بمواقفه القوية المؤيدة للقضايا الإنسانية في أوروبا والعالم العربي وإفريقيا. شغل جاك لانغ منصب وزير في عدة حكومات فرنسية، وأسس قبل 35 سنة «عيد الموسيقى» الذي أصبح تظاهرة دولية. كما يعود له الفضل في فرض الثمن الموحد للكتاب في كل المكتبات الفرنسية في معركة خاض غمارها ضد سياسيين ومؤسسات إعلامية ودور النشر، لكنه سعيد اليوم بأن تحقق له الانتصار لمصلحة القراء و«الكتاب» حيث أخرج الأخير من دوامة المضاربة في السوق. كما خاض جاك لانغ معركة ثقافية ضد جهات فرنسية اعترضت على بناء متحف «اللوفر» في أبوظبي، حيث نشر مقالاً حاسماً في جريدة «لوموند»، أسكت تلك الأصوات، فقد عبّر عن رفضه لوضع قيود عمياء على الثقافة، مطالباً بالانفتاح والتآلف وتوسيع التعاون والتبادل الثقافي بين مختلف الثقافات والأمم، معتبراً أن الثقافة هي إرث إنساني مشترك يستمدُ ألقه من النقاط المضيئة لدى كل ثقافة ولدى كل مجتمع. في مكتبه في باريس، جرى هذا الحوار فماذا قال لـ«الاتحاد الثقافي»؟ * بداية، ما الأسباب التي قادتكم إلى قبول منصب رئيس معهد «العالم العربي» في باريس؟ ** قادتني الحياة إلى هذه المهمة. إنه قدري الذي أعتز به. بعد علاقات وطيدة بالعالم العربي من الشرق إلى الغرب، عبر التاريخ والأدب، ومن خلال علاقات قديمة وطويلة بقادة ومثقفين عرب من مختلف المشارب و أساتذة القانون الدولي وفنانين ومثقفين وطلاب. لقد حظيت بالإشراف على رسائل تخرج عدد من الطلاب العرب في القانون الدولي، كل هؤلاء طبعوا حياتي ولا يزالون حاضرين فيها بقوة. وقد عرفت العالم العربي مبكراً، يوم كنت طالباً عبر زياراتي لبيروت وبلدان المغرب العربي كما ربطتني علاقات وطيدة برجالات السياسة والفكر في دول الخليج: الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ودولة قطر، والكويت، وباقي الدول. وقد طلب مني رئيس الجمهورية تفعيل أداء معهد «العالم العربي» في باريس، بعد أن كانت المؤسسة تمر بظروف صعبة. قبلتُ هذا التكليف لأني أحب التحدي.. ولأني على يقين بأن الثقافة هي الجسر الوثيق الذي يربط العالم العربي بأوروبا عموماً وبفرنسا على وجه الخصوص. وهذا ما يمثله معهد «العالم العربي» اليوم، بل هو دوره وسبب وجوده. زايد.. الأسطورة * ما الإضافة التي قدمتموها للمعهد منذ توليكم رئاسته؟ ** لقد طورتُ برنامج المعهد وأضفتُ إليه روحاً ونشاطات مكثفة خلال السنوات الأخيرة، حتى أصبح قبلة للفرنسيين والسياح نحو الثقافة العربية، حيث إن سكان العاصمة باريس يأتون اليوم أفواجاً لحضور أنشطة المعهد الثقافية المختلفة حول الإمارات العربية المتحدة مثلاً، والتي أصبحت حاضرة بقوة في أنشطة المعهد، فقد عرضنا الفيلم الوثائقي «الشيخ زايد بن سلطان.. أسطورة عربية»، وقد لقي هذا الفيلم الوثائقي الذي أعده «أفريديك ميتران» نجاحاً كبيراً وكان حضور الجمهور لافتاً، لأن شخصية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وتجربته في بناء الوحدة عمل جبار، علينا جميعاً المشاركة في التعريف بهذا المنجز العظيم لهذا الرمز الذي خلّد اسمه في التاريخ من خلال البناء والعطاء. كما استقبلتُ طلاباً إماراتيين في عدة دورات تدريبية. ومرحلة بعد أخرى تتلقى نشاطات المعهد حول فلسطين ومصر وحدائق الشرق وموسم «الحج» نجاحاً كبيراً. وفي مرات عديدة أصبح مبنى المعهد وقاعاته الكبيرة يضيق بالأنشطة والزوار الذين يأتون من كل مكان، فنستعير بعض القاعات من الجامعة المجاورة لمبنى المعهد. وهذا يدلُ على تطور في أداء معهد «العالم العربي» ونجاح أنشطته واتساع جمهوره. وفي نفس الإطار قمت بعدة زيارات لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ التقيت خلالها الشخصيات السياسية والفكرية والأدبية. كما أحضر معرض أبوظبي للفنون «آرت فير» بانتظام. أريد أن أذكّر بدعمنا الكبير لإمارة دبي خلال ترشحها «لأكسبو 2020» والذي سيكون حدثاً عالمياً بكل المقاييس. وكان آخر نشاط لدعم ترشح «دبي» قد نظّم هنا في مقر معهد العالم العربي في باريس. بحضور مدير «مصدر» وعدد من الشخصيات الوازنة على المستوى الثقافي في دولة الإمارات العربية المتحدة وفي فرنسا. لقد زرت دولة الإمارات أكثر من مرة والتقيت صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وأخيه الشيخ حمدان بن زايد، والشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير الثقافة وتنمية المعرفة، ومعالي الوزير أنور محمد قرشاش. وكان لي شرف منح وسام الاستحقاق للسيد زكي نسيبة، تكريماً للجهود الكبيرة التي قدمها خدمة للتواصل الثقافي بين دولة الإمارات ومختلف دول العالم. علاقتي بدولة الإمارات علاقة كبيرة ومتنوعة فقد أسهمت في دعم فكرة افتتاح جامعة «السوربون أبوظبي» وكذلك متحف «لوفر أبوظبي». كل هذا يأتي ترجمة لعلاقة قوية وطويلة خدمة للثقافة. * ما الدور الذي يلعبه المعهد في مكافحة التطرف؟ ** معهد العالم العربي في باريس هو مؤسسة إشعاع فكري، تعنى بالثقافة العربية وجمالياتها وتنوعها وبتاريخها؛ لذلك فإن للمعهد دوراً رئيسياً في محاربة التطرف، والعنصرية والظلامية والجهل. نعم، فالمعهد يُعرِّفُ في ندوات أسبوعية مستمرة بالإسلام والوسطية والاعتدال. وهنا أريد أن أقول إن الذين يمارسون العنف ويقتلون باسم الدين هؤلاء لا علاقة لهم بالإسلام ولا علاقة لهم بالعالم العربي؛ إنهم مجرمون ومجرمون فقط، يشوهون الإسلام ويسيؤون إلى العالم العربي. هنا أريد أن أشيد برؤية دولة الإمارات العربية المتحدة لمكافحة الإرهاب والتطرف لأنها رؤية صارمة وذكية ومحددة وهي رؤية تمثلني. الأدب العربي.. ثريّ * ما تقييمكم لواقع الترجمة من وإلى اللغة العربية؟ ** واقع الترجمة من وإلى العربية ليس على المستوى المطلوب، وهو جهد جبار يجب أن تشارك فيه جهات مختلفة، خصوصاً أن الأدب العربي ثري وغني بالجماليات، كما أن الشعر العربي يتمتع بمكانة متميزة وبإنتاج غزير يعكس ثراء اللغة العربية ويعبر عن هذه الثقافة، إن الشعر العربي بمثابة كنز أدبي ومتحف ثقافي عابر للحدود والأزمان. ونحن في معهد «العالم العربي» نولِي عناية كبيرة للرواية العربية وللشعر العربي، وستكون الترجمة في هذا المجال من المهام التي سيشرف عليها الناقد معجب الزهراني الذي عيِّن مديراً للمعهد، ويتسلم مهامه خلال الأشهر القليلة القادمة. كما يضم المعهد كبار المترجمين وقدماء الدبلوماسيين الذي عرفوا العالم العربي وخبروه عبر مجهودهم الثقافي والفكري في مجال التعاون بين العالم العربي وفرنسا. أنشطة معهد العالم العربي الثقافية تخدم الحوار والتواصل، فهذه المؤسسة هي جسر ثقافي، لكننا، بدأنا في تنظيم أيام تتناول التعاون بين العالم العربي وفرنسا، ومن بين هذه الأنشطة الأيام الاقتصادية الإماراتية الفرنسية التي تستضيف المستثمرين من الطرفيين لدراسة وتنمية أوجه التعاون. * زار سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات، مقر معهد «العالم العربي».. في أي إطار كانت هذه الزيارة؟ ** نعم كان لي شرف استقبال سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، رفقة وفد رفيع من مساعديه، وكما تعلمون فإن دولة الإمارات تولِي معهد «العالم العربي» في باريس عناية خاصة، وعكست هذه الزيارة اهتمام سمو الشيخ عبد الله بن زايد شخصياً بالمعهد وبالدور المحوري الذي يلعبه في مجال التبادل الثقافي. وقد ناقشنا عدة مواضيع في هذا السياق، وأهم ما تناولناه هو تنظيم يوم حول «حياة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: شخصيته وتجربته»، ومن المقرر أن يكون هذا النشاط كبيراً يتزامن مع العيد الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، وهو عمل يتطلب تحضيراً كبيراً يتناسب مع هذه الشخصية العالمية الكبيرة، فالشيخ زايد هو مثال للبناء والسلام والوحدة حول العالم. لذلك فنحن في معهد العالم العربي فخورون بأن نعرّف كل أوروبا بهذه الشخصية وببصمات هذا الراحل الكبير، هذه البصمات التي تُظِلُ دولة الإمارات التي تمثلُ مثالاً للاستقرار والاهتمام بالثقافة والتعايش بين مختلف الجنسيات من كل جهات العالم. ونحن طبعاً بحاجة إلى جريدة «الاتحاد» للمساهمة في إنجاز هذا اليوم حول الشيخ زايد. هذا الحديث يقودني إلى «جامع الشيخ زايد الكبير» في أبوظبي الذي يمثل فضاءً حضارياً منقطع النظير من حيث التصميم ومستوى الإقبال، ليس بحوزتي أرقام محددة عن الزيارات التي يحظى بها هذا الجامع لكن العين المجردة تؤكد أنه يستقبل ملايين الزائرين سنوياً. * قبل خمسة وثلاثين عاماً أنشأتم مبادرة «عيد الموسيقى» التي أصبحت اليوم تظاهرة دولية.. كيف تنظرون إلى هذا الحدث ولماذا اخترتم بيروت لتخليده هذا العام؟ ** نعم بيروت، لأن لبنان اليوم يعيش مرحلة صعبة في منطقة متأزمة، فاختيار بيروت هو دعم للبنان واستقراره، ودعوة للعمل على استقرار بلدان المنطقة التي تمر بظروف صعبة في العراق وسوريا واليمن. وهذا الحدثُ هو تظاهرة شبابية لدعم السلم والإبداع حول العالم، وقد بدأ عيد الموسيقى ينتشر في أرجاء الكرة الأرضية من هون كونغ إلى الرباط ومن نيويورك إلى دبي. * يعرفُ «الثمن الموحد للكتاب» في المكتبات الفرنسية بقانون «لانغ» لقد كان معركة كبيرة كسبت رهانها، ما شعورك اليوم؟ ** أشعر بسعادة كبيرة بهذا الإنجاز، لكنه لم يكن سهلاً، فقد كان معركة طويلة مع عدة أطراف كثيرة، فدُور النشر كانت معترضة وبعض المكتبات وأطراف صحفية وسياسية. لكن الهدف كان إخراج الكتاب من المضاربة ووضعه في متناول القراء بنفس السعر في جميع المكتبات الفرنسية. وأعتقد أن الجميع سعيد بهذه النتيجة اليوم. جنون يجب أن يتوقف يَعتبر جاك لانغ أن الإرهاب والعنصرية أكبر خصمين للإنسانية والمعرفة. فالنسبة له فإن الهوية الفرنسية هي التنوع الفرنسي: هناك فرنسيون من أصول غير فرنسية أكثر مني ومن غيري ولاءً وإيماناً وعطاءً لفرنسا، لقد تم تحميل مصطلح «الهوية» أكثر من طاقته حتى أصبح مرادفاً لرفض الآخر وإلغائه بالنظر إلى أصله أو عرقه أو دينه، هذا الجنون يجب أن يتوقف لأنه لا يخدم إلا جهات تحاربُ التعددية وتضع العوائق أمام المستقبل وأمام التعايش». لانغ ومانديلا وميتران جاك لانغ إضافة إلى كونه مهندساً للمؤسسات الثقافية فهو كاتب صدرت له عدة كتب، حيث خصص كتاباً للزعيم الإفريقي «نلسون منديلا»، وكتاباً آخر عن الرئيس الفرنسي الأسبق «فرانسوا ميتران». كما كتب عن التعليم في فرنسا، وخصص كتاباً عن الطفولة في المجتمع الدولي في ظل الأزمات والأوبئة والحروب. لا يخلو يوم من حياة جاك لانغ من مقابلة أو تصريح لكبريات وسائل الإعلام حول العالم، فهو يعبر عن صوت الوسطية والاعتدال ويقف صامداً في وجه «الإسلاموفوبيا» ويدافع عن الأقليات في فرنسا. مركز العرب في أوروبا تأسس معهد العالم العربي في باريس العام 1981م وفتح أبوابه للزوار العام 1989م. ويقع المعهد على ضفاف نهر السين، بجانب كاتدرائية نوتردام في وسط العاصمة الفرنسية باريس، وهو من تصميم المهندس الفرنسي جان نوفال «Jean Nouvel». كان لبناء المعهد أهمية ودور على الصعيد الثقافي، فالمشروع عبارة عن محصلة تضافر الجهود العربية لافتتاح مركز ثقافي عربي في أوروبا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©