الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ممالُك «البراجيلِ» وترانيمُ الصَّحَارى

ممالُك «البراجيلِ» وترانيمُ الصَّحَارى
20 يوليو 2016 20:37
د. منصور جاسم الشامسي بَدْء.. «سُئلَ الفيلسوفُ الأَلْمَانيّ شلنغ: كيفَ استطاعَ العقلُ اليونانيُّ تَحَمُّلَ المأساةِ اليونانيّةِ في تناقُضاتِها الْمُتعدِّدةِ؟ عُثرَ على الجوابِ في حَقْلِ الأنا الإنسانيةِ المشدودةِ إلى الحريَّةِ». هذا الانْشدادُ والانْجذابُ والانْحيازُ نحوَ «الحريَّةِ» يَخْلُقُ هذهِ القُدرةَ الفِعليَّةَ (?the action?) الإنسانِيَّةَ على التَغييرِ، والتجديدِ، وصُنعِ الأثرِ الجماليِّ، الإبداعِيِّ. هكذا تَأتي «البَراجيلُ» مُعبّرةً عن هذا التَّطلعِ للْحُرّيَّةِ، ضرورةً حياتيّةً، تُقاومُ بذلك «التراجيديا» الْمُحِيطةَ، وتحدّي غيابِ نظامٍ مؤسّسيٍّ ذاتيٍّ مُستقلٍّ، ضمنَ سياقِ كفاحٍ حياتيٍّ، وتعبيرٍ عنْ توحُّدٍ بينَ الإنسانِ والطبيعةِ، حينَ تتصلُ البيوتُ الشاطئِيَّةُ الوادعةُ، بالبحرِ، بالفضاءاتِ، بالسَّماءِ المفتوحةِ، بالأنظمةِ الهوائيّةِ الطبيعيّةِ، تصنعُ نسائمَ باردةً، تنسابُ إلى جوفِ المنزلِ، تنشُرُ دَيْمومةَ الرّبيعِ، وهذا هو فحوى «هَندَسةِ البراجيلِ»، التي تَصنعُ فرحاً باطنياً، كطاقةٍ غَيْرِ مَرْئيّةٍ، يَخلقُ جمالاً في الحياة. «التراجيديا» تغدو باعثاً للإنسانِ يتأمَّلُ زمنَهُ مُنتهياً إلى «القلقِ الفاعلِ» و»الْمَنهجِ النقديِّ» أدواتِهِ لِمُعالجةِ «التراجيديا» بإيمانٍ، واحْترافيةٍ، وعِلمٍ، وحُبٍّ، وثقةٍ، صانعاً مراكزَ قُوّةٍ جديدةٍ، تَمْنَحُهُ الحيويّةَ، والقُدرةَ على العملِ الْمُستَمِرِّ، وتَخلُقُ لديهِ بواعثَ للرومانسيةِ، وتحقيقِ الحياةِ العاطفيّةِ الْمتَدَفّقةِ، والصداقَةِ الْمِثاليّةِ، التي تَتوَحَّدُ وتندمجُ في كينونةٍ اجتماعيّةٍ وأُسريّةٍ وعائليّةٍ مُتَماسكَةٍ، متعاونةٍ، تَبحثُ عن الجميلِ، بشكلٍ دائمٍ. المعنى «البَراجيلُ» في صيغَةِ الجمعِ، و«البارجيلُ» في صيغةِ الْمُفردِ، هي «مَساربُ هوائيَّةٌ»، أو «مُكيّفاتٌ» باللغةِ المعاصرةِ، ونظامُ تهويةٍ وتلطيفٍ وتبريدٍ هندسيٍّ طبيعيٍّ، للتخفيفِ من درجاتِ الحرارةِ المرتفعةِ، عَرَفتهُ منازلُ البيئَةِ الساحليّةِ الإماراتيّةِ والخليجيّةِ، قديماً. «البارجيلُ» هو بُرجٌ هوائيٌّ مستطيلُ الشكلِ، مُتعامدُ القُطرين، مفتوحٌ من جهاتهِ الأربعِ، على ارتفاعٍ من أربعةِ أمتارٍ إلى خمسةٍ، تقريباً، يعلو سطحَ المنزل، وينحدرُ عَمودياً إلى داخلِ غُرفةٍ سفليةٍ واسعةٍ تُسمّى «الدّهريز». «البارجيلُ» بِناءٌ من أحجارٍ مُرجانيةٍ، عازلةٍ للحرارةِ، وأحجارٍ صدفيةٍ، تُستَخرجُ من البحرِ، وحجرٍ جِصِيّ، يمنعُ تسريبَ المياهِ والرّطوبةَ، كما تَدخلُ جذوعُ النّخلِ، وخشبُ «الْجَنْدَلِ» الصَّلْدِ، والْجِبْسُ أو الكِلْسُ، وأسياخُ الحديدِ، في عمليةِ البِناء. «البارجيلُ» يستقبلُ الهواءَ الخارجيَّ، ويُمسكُ النَّسائمَ في الأجواءِ، عَبرَ مَنافِذِهِ، وينْفُثُها منْ خِلالِ قَنَواتِهِ إلى داخلِ الْمَنزلِ، مُحْدثاً تبريداً داخلياً. كما تحتوي «البراجيلُ» على نقوشٍ وزخارفَ وأشكالٍ محفورةٍ ومنحوتةٍ فيها. والناظرُ إلى «البراجيلِ» ناظرٌ إلى أبراجِ مُربّعاتٍ مِعْماريّةٍ بُنّيةٍ، بيضاءَ مُتواشجةٍ معَ ألوانٍ تُرابيّةٍ وصَحراويّةٍ، أبراجٍ لمدينةٍ قديمةٍ، وهذا يُذكّرُنا بِمُدنِ أوروبّا القديمةِ حيثُ تعلو مبانِيها القرميديّةَ أبراجُ الأجراسِ. و»البراجيلُ» بذلك تكونُ ابْتكاراً، وإبداعاً، وتعبيراً عن رؤيةِ الإماراتيين القدماءِ الجماليّةِ، وتلمُّسِهمْ لتحقيقِ الْجَمالِ والسّعادةِ في حياتِهم. ... هكذا، نَدخُلُ مَمالكَ «البَراجِيلِ» وتَرانِيْمَ الصّحَارى، لِنشدوَ معاً. (?1?) هذي «البراجيلُ» وَجْدٌ ومَجْدٌ أرْضٌ وبَحرٌ بُيوتٌ وتَراتيلُ عَهدُ حُبٍ عربيٌّ؟ دُنيا؟ لَوحةٌ رسَمَتْها رِيشةُ فَنَانٍ أَشكالٌ غَارقَةٌ في السُّكونِ، شُجُونٌ /‏ تَقْرأُ الرُّوحَ /‏ والسّماءَ مُتُونٌ تَدخُلُ التّباريْحَ تَجْعَلُها في إغفاءةٍ كُلُّ العِتابِ رَجاءٌ أنْ تَبقى، ما مِنْ حبيبٍ يَرحَلُ ترحَلُ «البَراجيلُ» عن جُفونِ الصّحارى تغدو أمانيَّ تقتربُ من عُيونِ الشّواطئِ مُستَسلمةً للفضاءاتِ، مداراتٌ تَرقَى المنازلَ وتبُثُّ الْمَواويلَ تحرسُ مدائنَ اليابسةِ تنظرُ آفاقَ البُحورِ وترقُبُ مَسيرَ السَّفينِ تُغازلُ الشمسَ حينَ تقومُ لِمِيعادِها الصَّباحيِّ، وتَرتَقي في ملكوتِ البَذْلِ والنُّوار، وتبلغُ الأوجَ، ثم تصحَبُها في رَحِيْلِها الأُرجُوانيِّ نَحْوَ الْمَغيبِ، تحكي لَها عنِ الْحُبِّ عند جيرانِ البَحْرِ، كيفَ يَصيرُ؟ (?2?) .. ورأيتُها، أزاهيرَ مُتَّقِدةً بالبَهاءِ ساكنةً فوقَ بُيوتٍ منْ طينٍ أَفياءَ مُستغرقةً في قراءةِ أحلامٍ تَعْبُرُ في الامتداداتِ تُداعِبُها وتجذِبُها لأرضِ الشوقِ تَسيرُ فِيها تهاليلَ  تَحكي عنْ بُلدانٍ بعيدةٍ قدْ سارتْ في الغِبطةِ حيثُ الحبُّ تباشيرُ يوميةٌ تدخلُ كلَّ البُيوتِ، في كُلِّ موضِعٍ غرامٍ، ونُعْمى ساحرةٍ تهبِطُ عندَ الشُّطآنِ تُرسلُ بُرودتَها إلى تواشِيحِ صَبْرِ السِّنينَ تَغدو نوافيرَ وطُيورُ الفَجرِ تَمُرُّ بالبراجيلِ تدنُو منها تجلِسُ على شُرُفاتِها تَقْفِزُ مِنْ حَولِها ترفرفُ بأَجْنِحَتِها تذهبُ عنها تعودُ إليها في الفُصولِ النّاعِمَةِ تَظلُّ تَحكي عن اللّحظاتِ العِطْرِيّةِ قدْ رَأتْها في الطريقِ، قوافي الحُبِّ وقوافلُهُ في الحضارات تأتي هي الأُخرى، تَطيبُ النفوسُ بها، ترى البُعدَ الآخرَ من الهوى، تعاليمَ شوقٍ لاتشبَعُ الروحُ منها، لاتَمَلُّ (?3?) تنسابُ «البراجيل» نسائمَ باردةً والهةً وحُسنى تومضُ خَلاصاً لأقوامٍ من شظايا الصحارى قدْ رحلوا عنها حتى جاؤوا إلى يقينِ الضّفافِ أطيافاً أطيافاً تأتي إلى رمالِ البَحرِ تَبني الأبراجَ الْمُذَهَّبَةَ دهشةً فالوقتُ ليسَ وقتَ الصحراءِ هذا زمنُ مدائنِ البحرِ لآلِئُ ولونٌ أزرقُ مَوَانِئُ وحبٌّ يتدفقُ وعبورٌ للحبّ الآخَرِ حفلاتُ عُرسِ المدائنِ تباركُها «البراجيلُ» تعزفُ أوتارَ أحلامِ الأصدقاءِ آلاءً باقونَ في جِهاتِها الأربعِ سلسبيلاً لايَبْرَحونَ الوطنَ الجميلَ هكذا هيَ نوافذُ  كوكبيّةٌ تختالُ بها الأقمارُ تسألُ عن السبيلِ عن امرأةٍ قدْ تَسربلتْ بالحبِّ الوَضِيءِ سافرَ عنها رفيقُ النّهارِ قد أخذتْهُ البحارُ ظلتْ ترقبُهُ عندَ «البَراجيلِ» تتوارى عن المدينةِ والتاريخِ والذّكرى والأنظارِ تَمضي للعبيرِ عبقِ الحريرِ والجلوسِ الأثيرِ مشغولةً بالعِطرِ العَربيّ «دُهنِ العُودِ» ليسَ كأيِّ عِطرٍ تضعُهُ في أكنافِها يَمضي لِنبْضِها يَلمَسُ أعطافَها الياسمينُ مأخوذةً باللقاءِ الجديدِ بعيداً مازالَ ليسَ مُحالاً يقتربُ كالوردةِ حينَ تَميلُ للنوافذِ المفتوحَةِ يدخلُ شَذاها الغرفَ القَمَريّةَ ثم تَرسُمُ قصيدةً تُخبرُ عن حُبٍّ أنيقٍ   (?4?) عندَ «البَراجيل» الليالي تخرُجُ مِنْ صحاراها وتَستقيلُ تَغتسلُ بماءِ الورودِ  وتَسيلُ  ترسُمُ أحلاماً تَفِرُّ من قلوبٍ تخفِقُ، تسيرُ في الأشعارِ والأسرارِ والأوتارِ، كلُّ الصمتِ كلماتٍ تَتَهجّاها، تقرأُها، تَحْشُدُها في كُتُبِ حُبٍّ تنثرُها في طُرُقاتٍ منْ تَعَبٍ وحنينٍ، تَرنو إلى الماءِ، والموجَةِ الزّرقاءِ الجديدةِ، والسَّفينِ العائدِ يحمِلُ القصيدةَ،  بَدْءُ المساءِ يغدو شكلاً آخرَ رَفيقانِ في الطّريقِ كوكبانِ سائرانِ يتوقّفانِ حيناً يتحدثانِ عنْ ساحاتِ الْمَدائِنِ، وشوارعِها الخلْفِيّةِ، أرصفَتِها والطرقاتِ، ومقاهي الزّوايا، في أَفْنِيَتِها تَحْلو لقاءاتُ العاشقينَ، ما السِرُّ الدفينُ، لتأتيَ غنائِمُ الروحِ، ليأتيَ السِرُّ هذا؟ إلى عَهْدِ وجدٍ عربيٍّ سائرٍ في الأكوانِ يبحثُ عن تَرَفِهِ الذي كانَ تَهَامَسَ بِهِ الرَّفيقانِ العربيّانِ السَّائرانِ في الوَجْدِ الْمُتَعدّدِ مُفتَّحةٌ لهما أبوابُ منازلَ تَعلوها «براجيلُ» تَلْمَسُ الغُروبَ البَهِيَّ تتداخلُ الألوانُ صفراءَ، حمراءَ،   ذهبيَّةً، يدخُلانِها، يَجْلسانِ في الأروقةِ الْمُشِعَّةِ كلُّ البيتِ صديقٌ يَسْألُهُما البيْتُ عن الصَّداقة الْمُثْلى  كيفَ تَتَشَكَّلُ وتَتَجَمَّلُ؟ كيفَ تتشابكُ الأيادي وتَمِيلُ؟ كلُّ الهمسِ لَذيذٌ تختلطُ الأصواتُ نَبضٌ فُرَاتٌ كلُّ التفاصيلِ قِصصُ دَهشةٍ منْ فِضَّةٍ ولُؤلُؤٍ  وبِلَّوْرٍ تستحيلُ قلائِدَ ترقُدُ على صدرِ الْحَبيبةِ تَحْكي عن قصائدَ من شَهْدٍ   (?5?) هكذا «البراجيل» تسيرُ في الصَّحارى تَهَبُها هدوءَ الرياحين تَبُثُّها رسالةَ سُرورِ الأَحياءِ الْحَالِمَةِ  وتُخْبِرُها عنْ مَيْلِ مَصابيحِها الليليةِ لِلْحَديثِ الآسِرِ بَيْنَ اثْنَينِ أُغْنِيَّةٌ ودُخُولُهمْ دروبَ الْحُبِّ الشَّاردَةَ يَعْرِفُونَ مَذاهِبُهُ  والابتساماتُ الْخَفِيَّةُ سَلْوى حتى حينٍ ونَجْوى هناكَ في الظِّلالِ الْمُتَناثِرَةِ عندَ صبايا يُمَشِّطنَ غَدائِرَهنَّ يَضَعنَ فيها مِسْكاً وعَنْبراً ويَرتدينَ ذوقَ البَحَّارِ ما بَرِحْنَ يَخْلُدْنَ إلى النَّومِ في الأَشكالِ الهَنْدَسِيَّةِ الْحَجَرِيَّةِ الوارِفَةِ يَحْلُمْنَ بِعَزْفِ التَّداني يَبْعَثُ تَرانيِمَ في الصَّحارى كَيْ تَختارَ الْحُبَّ سنَا لها وميثاقاً رذاذاً يَتِيهُ فيها، أَغلى ساعاتِ الْمُهجِ العَاطِفِيَّةِ تُقبِلُ حِينَ تأتي عاشقاتٌ يصنعنَ الْمَزيدَ منَ الْحُبِّ الفريدِ، مازالَ الزَّمنُ مَعهُنَّ تقترِبُ قِصصُ الحبِّ العربيةُ أكثرَ تَتداعى تغْدو التاريِخَ المتكاملَ الكلُّ في احْتراقٍ و لقاءٍ تَنْشَطرُ أشواقُ العاشقينَ مُضمَّخةً بالبَهْجَةِ النَّدِيَّةِ     (?6?) تَجيءُ «البراجيلُ» مُسافرةً شاعرةً حاسرةً، كاشفةً عن قُلوبِها، تَخْفِقُ لعاشِقِينَ يسكنونَ بُيوتاً مِنْ وَلَهٍ مُبْتلةً بأَحلام الوالهينَ تَسْكُبُ شَهْداً في جَوْف البَحّارةِ الرَّاحلينَ تَحْكي عَنْ فِعْلِ العَارفينَ يَجْعَلونَ الدُّموعَ الْمُخْتَبِئَةَ حَبِيسةَ الأَزْمِنَةِ في أوانٍ  فِضِّيَّةٍ ويَضَعُونَها في مَتاحِفَ للذّكْرى   لِتَتَسَلَّلَ اليَقظةُ العاطِفيَّةُ في الدُّورِ الصَّفراءِ   تَتَحَرَّرُ   تواقةً للاخْضرارِ للبدايَةِ عندَ الْمِرآةِ تتعرَّفُ إلى نَفْسِها لا تَحَارُ تَتَلَمَّسُ جُذورَ البَعثِ العَاطَفَيِّ تَتلوَّنُ تَتَشَكَّلُ تَتجاذَبُ الغيومُ الرعْدِيَّةُ، فَرِحةً تُرسلُ أنغاماً مُتَّقِدةً تملأُ الفضاءَ أُصغي إلَيْها مُوسيقى تَعْبُرُ الشبابيكَ تُوقِظُ القلوبَ تَصْنعُ حَراكَ السِّنينَ تَتَكَدَّسُ وَمَضاتُها في البِحارِ ولا تَمُوتُ العلاقاتُ القديِمَةُ تَتَجِّهُ إلى حُلُمٍ أكبرَ     (?6?) في بُيوتِ «البراجيلِ» صلواتٌ من حُبٍّ سَمَاوِيَّةٌ لا تَلينُ تَظلُّ تَخْفِقُ في لَيالٍ فِضِيَّةٍ قَدْ زَيَّنَتها الأقْمَارُ ودارتْ في حَلَقَاتِها أفلاكٌ سُنْدُسِيَّةٌ تَدْخُلُ مَجَالَسَ مِنْ نُورٍ في جَنَبَاتِها وَالِهونَ لا يَغْفَلونَ عنْ مَلكُوتِهِمُ العَاطِفِيِّ عِندَ الشُّطآنِ اللّا مُتناهِيَةِ (?7?) «بَراجيلُ»، «بَراجيلُ» لا تَفْنى في الشرقِ الْمُحْتَشِدِ على جَبهاتِ البَحْرِ، آهاتٍ تَصيرُ إيقاعاتٍ وغِناءَ مَساءاتٍ أنيقةٍ يستريْحُ عندَها البحّارةُ في أكوانِهمُ الْمَنزلِيَّةِ وفي صَباحاتِهِمُ الْمَجيدةِ تُقْبِلُ أمانِيُّهمْ قدْ صارتْ حَقيقةً ها هُم قدْ عجنوا إفطارَهُمُ الصَّباحِيَّ بِسُهْدِهِمْ ودُخانِ قَهْوتِهمْ أشواقاً سَارِيةً تسألُ عن رفاقٍ ابتَعدوا، أضاعوا كتابَ الْحُبِّ تاهَتْ أرواحُهُمْ في هِياجِ «المادّة» وتَبَدَّدتْ تظلُّ «البراجيلُ» تبحثُ عَنهم، كَعاشقةٍ تُريدُ مَنْ يقرأُ  كتابَ الْحُبِّ لها مِنْ جَديدٍ يُدخلُ مقاطعَ أخرى مِنهُ مُمْتدَّةً سَرْمَدِيَّةً ويَخْلُق فُسَحاً مِنْ هَناءٍ وصَفاءٍ ومِزاحاً في العاطفةِ النّبيلةِ لعلَّ حرارةَ القلوبِ تُصْبحُ غَمَاماً تَرُشُّ قَطْرها في الضُّلوعِ شرفات الابتكار حصة الكعبي للمدن القديمة حكاياتها التي ترويها من خلال ما تبقى من حجر وأعمدة ونوافذ وبنيان، والبراجيل شأنها شأن التاريخ المُشيد بسواعد وفكر أجيال ذاك الزمان، فالمباني من الطراز القديم، إلا أن التقنية التي استخدمت لتهويتها كانت مقياساً لتطور الفكر وإعمال العقول للإبداع والابتكار، فها نحن في 2016 نسير على خُطى استراتيجية الإبداع والابتكار الذي مشى على دربها أجدادنا الأوائل، حين شيدوا البراجيل التي كانت تُعتبر وسيلة تبريد الهواء آنذاك. وقد تمكنت دولة الإمارات العربية المتحدة من المحافظة على المعمار القديم، وتمرست إدارة التراث العمراني في ترميم وصيانة البنايات التاريخية، عبر ورشات الصيانة، بحيث منعت بيع البنايات التاريخية التي يمتلكها أصحابها، وعدم السماح بالتصرف بها، وأنشأت من خلالها المتاحف والأماكن التراثية التي أضحت مقصد السُياح والزوار من كل بقاع العالم. وفي أيامنا هذه نجد أن العديد من المعماريين يستخدمون الشكل الهندسي للبراجيل في تصميم الأبنية الحديثة حيث يعتبر عنصراً جمالياً ويُعبر عن التراث الإماراتي المعماري. وتبقى البراجيل عنصراً زخرفياً لتشكيل هندسة البيت سواء من الداخل أو الخارج، وكلوحة فنية بديعة، ففي دبي مثلاً تُشيد أحياء، بل مدن كاملة، على الطراز الحديث مع الاحتفاظ بالطراز المعماري التراثي القديم، المتمثل في البراجيل التي مازالت تجمع القديم والحديث معاً في طرازٍ معماري، تفردت به دولة الإمارات العربية المتحدة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©