الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إبداع الحاجة

إبداع الحاجة
20 يوليو 2016 20:56
خالد مسلط يعد فن العمارة أحد أهم مؤشرات التقدم والرقي لأي من المجتمعات البشرية، وتتأثر السمة الغالبة على العمارة في أي بلد بعوامل جغرافية وديموغرافية ومناخية، وقد تأثرت العمارة الإماراتية بهذه العوامل مجتمعة. فالبيوت القديمة تم بناؤها وفق عاداتنا وتقاليدنا الإسلامية، وذلك لتناسب حاجياتنا وظروف المناخ، فكان تصميم فناء المنزل «الحوي» يتناسب واحتياجات الأسر، وليوفر للغرف منفذاً خاصاً شديد الخصوصية، حيث يتم تحديد الفناء ببناء يشيد على أطراف قطعة الأرض، وهو ما يسمى بالجدار الخارجي للبيت، وتقام على هذا الجدار الخارجي مجموعة من الغرف تطل على الفناء من جهة الداخل، وليس لها أي فتحات خارجية، وإنما فتحاتها تقع على الفناء الداخلي، ويوجد أمام الغرف الليوان لتوفير الظل أمام الغرف. تم إنشاء البيوت القديمة بالاعتماد على مواد البناء المتوفرة محلياً في ذلك الوقت، وكانت مواد البناء عبارة عن أحجار مرجانية تسحب من الخور بكميات كبيرة، ثم تترك فترة من الزمن لتجف وتزول ملوحتها، أما الملاط المستخدم كفرشة للحجارة المرجانية فكان يتم توفيره من الحجارة الجيرية المتوفرة بعيداً عن مياه البحر، بعد خلطها بأصداف البحر، كما يستخدم الجص الذي يتم الحصول عليه من الحجارة التي يتم جلبها من الجبال. وكان الجص المستخدم في صناعة الأفاريز يصنع محلياً، فيتم خلطه مع الطين الأحمر لتصنيع العجينة المخلوطة بالماء، وتترك منشورة على الأرض لتجففها الشمس، ثم تحرق العجينة في النار وتطحن وتخلط في ما بعد بالماء، لتعطي مادة قوية التماسك، كما تم استعمال الحبال والأخشاب المستوردة من الهند في أماكن مختلفة من البناء. شيدت جدران البيت من الحجارة المرجانية والجيرية، حيث توضع الأحجار كطبقات يوضع بينها الملاط ويتم تسليحها بجذوع النخيل والأعمدة الخشبية، أما أعمدة البيت فهي أربعة مبنية من الحجارة التي يتم طلاؤها بطبقة من الجص، وتوجد بين أعمدة البناء فتحات التهوية والكوّات والأبواب والشبابيك. كانت البيوت قديماً متنوعة، فمنها البيوت التي تتكون من طابقين، وهي مبنية من الصخور المرجانية والجص والساروج، وأسقفها من أعمدة الشندة أو جذوع النخيل، ومغطاة بسعف النخيل والطين، وفي الوسط يوجد الفناء «الحوي» وحوله توجد الليوانات ثم الغرف، وتعلو هذه البيوت البراجيل التي كانت تغلق في فصل الشتاء من الأسفل لمنع تسرب مياه الأمطار إلى الداخل، ويحتوي الحوي على بعض الأشجار مثل اللوز والنخيل. أما البيوت المكونة من طابق واحد فهي مبنية من الحجارة والطين والساروج، حيث يتم حفر قاعدة في الأرض بعمق قدم، ثم ترص فيها الصخور، بالإضافة إلى الساروج الذي يعمل على تثبيت وتماسك هذه الصخور، وبعد ارتفاع البناء إلى ثلاثة أقدام توضع قوالب الطين لتكون جدار المنزل، ثم يتم عمل السقف بوساطة استخدام جذوع النخيل. أما بيوت العريش فيتم بناؤها بوساطة جريد وسعف النخيل، حيث يتم تجفيف جريد النخل، ثم يرص إلى جوار بعضه، ويتم ربطه بالحبال لتكوّن الدعون، وهي التي تستخدم في الجدران والسقف، أما أعمدة الزوايا فيتم فيها استخدام الشندل. كانت البيوت القديمة موزعة على الفرجان، ولا تختلف من فريج إلى آخر، فكلها ذات طبيعة وخصائص واحدة، وتكون متقاربة بعضها من بعض، وتفصل بينها سكة صغيرة لا يتجاوز عرضها المترين، وكان هذا التقارب يقلل من أشعة الشمس الساقطة على السكك الموجودة بين البيوت، ويجعلها مظللة، كما أن ضيق السكك يساعد على تبريد الهواء القادم إلى الفريج، ويزيد من سرعته، الأمر الذي يؤدي إلى امتصاص الحرارة وتخفيف حدة الجو والرطوبة. وقد اهتمت العمارة الإماراتية بالتواؤم والتعامل، بما يتناسب مع الصيف وقساوة حرارته وارتفاع معدلات الرطوبة، وبذل الإماراتيون في السابق جهوداً كبيرة في البحث عن أفضل الوسائل الطبيعية المتوافرة للوقاية من وطأة تلك الحرارة والظروف المناخية الصعبة، ما دفعهم إلى ابتكار عدة أساليب للتهوية الطبيعية، فنجد في تصميمات البيوت العديد من الفتحات العلوية في جميع الواجهات، وظيفتها تحريك الهواء الخفيف الصاعد إلى سقف المبنى، ودفعه إلى الخارج والمساعدة في عملية التهوية والتبريد الطبيعية، إضافة إلى فسحات كبيرة لبناء البراجيل حتى تسحب الهواء ويدور في تلك الفسحات الكبيرة، ومن ثم يتم توفير تهوية مناسبة لجميع غرف وأقسام البيت. وتعتبر البراجيل من أبرز ملامح العمارة التقليدية الإماراتية، من حيث اختيار مواقعها والشكل المعماري المميز لها، وتتميز بأنها مفتوحة من الجهات الأربع لتسيطر على الرياح من كل الاتجاهات، ومصنوعة من عدة مواد متنوعة أهمها الجص والطين وسعف النخيل، وكذلك من القماش والكتان. وتتعدد البراجيل في أنواعها، فهناك براجيل توفر التهوية لغرف الطابق الأرضي، وأخرى مخصصة للطابق الأول، إذا كان البيت يتكون من طابقين، ويختلف البرجيل في غرفة النوم الرئيسية عنه في صالة المعيشة، حيث يكون في غرفة النوم أكثر ارتفاعاً ومزيّناً ببعض النقوش الجصية الإضافية، أما الغرف الأخرى فيكون أقل ارتفاعاً ونقوشاً. وكانت البراجيل قديماً ذات وظيفة مهمة، لدخول الهواء وتهوية المنازل، أما في الوقت الحالي فاقتصرت فقط على الناحية الجمالية، وتجلت فيها جوانب من الفنون الإسلامية في العمارة، عبر التركيز على عناصر معمارية متعددة كأشكال وارتفاعات الفتحات، والزخرفة التي تنوعت أشكالها، لتعكس الطابع المعماري للمنطقة، كأحد الأنماط المعمارية المميزة التي أبدع فيها أهل الإمارات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©