الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عاشت العولمة.. ماتت الجغرافيا

عاشت العولمة.. ماتت الجغرافيا
3 ابريل 2013 20:02
ينطوي عنوان كتاب «جغرافيات العولمة/ قراءة في تحديات العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية» للباحث الدكتور ورويك موراي (ترجمة د. سعيد منتاق) على تناقض نابع من علاقة التضاد القائمة بين مفهوم العولمة العابرة للحدود الجغرافية، ومفهوم الجغرافيا الدال على أمكنة محددة أو كيان ذي سيادة، ما دفع بالكثيرين مع ظهور العولمة إلى القول بموت الجغرافيا. إن العولمة التي جاءت نتيجة طبيعة للتطور التكنولوجي الواسع لاسيما في وسائل الاتصال والميديا قد ولدت الكثير من ردود الأفعال السلبية بسبب الفجوة الكبيرة التي خلفتها بين دول الشمال ودول الجنوب، والتهديد الذي باتت تواجهه ثقافات شعوب بلدان العالم النامي وهوياتها، لكنها بالمقابل زادت من عمليات الترابط بين اقتصادات العالم وثقافاته. في هذا الإطار يسعى الباحث موراي إلى استكشاف مفهوم العولمة وعملياتها من منظور جغرافي، إضافة إلى آثارها الجغرافية، اقتصاديا وثقافيا وسياسيا. مناهضة العولمة كان من الطبيعي ظهور حركات احتجاج عالمية ضد العولمة بعد سيطرة الشركات الكبرى العابرة للحدود على اقتصاديات العالم وتحكمها به، لكن ثمة مفارقة كشفت عنها تلك الحركات تمثلت في استخدامها لتكنولوجيا العولمة ممثلة بالإنترنت لاستقطاب تأييد الكثيرين حول العالم والتعريف بمخاطر العولمة. يعود بتاريخ تلك الحركات إلى ما قبل تظاهرات سياتل 1999 بعقود وهي حركة ذات خطابات متعددة، يكشف عنها من خلال ردود أفعال الحركات المناهضة لها، الأمر الذي يدفعه إلى محاولة اختزال الملامح العريضة لخطاباتها على الرغم من تداخلها وهي: التهديد الذي تمثله العولمة للمجتمع والمحيط المحليين بطريقة تستحضر معها طرق الاستعمار في الماضي، والتي تثقل كاهل المجموعات التي همشت سابقا لاسيما في البلدان الفقيرة ما يؤدي إلى اتساع في فجوة التطور وإدامة الظلم بطريقة لا رحمة فيها. وإذا كان مؤيدو العولمة يعتبرونها قدرا حتميا فإن الكتاب يؤكد خطل هذا القول طالما أن العولمة هي نتاج فعل بشري واختيار سياسي محدد، لأن للدول القومية وللمواطنين دورا في مقاومة العولمة وضبطها، وطالما أن العولمات البديلة والتقدمية ممكنة التحقق بحيث تغدو العولمة مفيدة كما يرى أصحاب الفكر المؤمنون بالتحول من خلال الدور الذي يمكن أن تؤديه. من هنا يكون الأساس هو تغيير طبيعة العولمة وليس هدمها. بالمقابل يجد الباحث صعوبة في تعريف العولمة بسبب تعدد خطابات العولمة وتداخلها خاصة وأن مصطلح العولمة متنازع عليه ويرتبط بتحولات العلاقات المكانية التي تشمل تغييرا في العلاقة بين المكان والاقتصاد والمجتمع. الجغرافيا والعولمة يؤكد الباحث أن مصطلح العولمة قد استخدم في مطلع ستينيات القرن العشرين واستعمل شعبيا في السبعينيات ولذلك كثرت الدراسات والمقالات التي تتناول العولمة دون أن يكون هاك اهتمام بالجغرافيا البشرية رغم ارتباطها الوثيق بالنقاش حول العولمة، الأمر الذي يدفعه إلى دراسة وضعية الجغرافيا البشرية ودورها حتى الآن من حيث علاقتها بالعولمة ودورها في تتبع معاني ومقاييس العولمة ودور الجغرافيا في مقاومة العولمة وتوضيح طبيعتها وجذورها وتأثيراتها. في ضوء ما تقدم يحاول الباحث الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المهمة والأساسية المتعلقة بتعريف العولمة وتاريخ ظهورها والدوافع الكامنة وراء ظهورها ومدى إسهامها في تحقيق التجانس على مستوى العالم ودورها في تغيير مفاهيمنا، وفي مفهوم الدولة القومية ومدى القدرة على إصلاحها كنظام، إضافة إلى معرفة الدور الذي يمكن للجغرافيا البشرية أن تمارسه في تحقيق عولمة تقدمية بديلة. يعود الكتاب للكشف عن الإرث الطويل لفكرة العولمة في العلوم الاجتماعية والأطروحات المختلفة للمنظرين المؤيدين للعولمة والمشككين أو المناهضين للعولمة، إلى جانب المقاييس الحاسمة لقياس العولمة وتأويلها، وهي اتساع شبكات العولمة وكثافة ترابط العولمة وسرعة تدفقها وتأثرات ترابط العولمة، ما يستدعي حسب رأيه من الجغرافيا البشرية أن تقوم أولا بالمساهمة في قاعدة المعرفة التي تتناول القواعد الأربعة السابقة من خلال التركيز على العالمي/ المحلي والانخراط في نقد المفاهيم التي تستخدمها العولمة مثل مفاهيم العالمي والمحلي والفضاء والقياس وطريقة تفاعل كل منها داخل تلك المنظومة. الجغرافيا والفضاء يوضح الباحث كيفية نشوء مفهوم الفضاء داخل نقاشات العولمة وهو ما تهتم به الجغرافيا البشرية بطبيعتها وإن كان بطرق مغايرة. ويقدم في البداية ثلاثة آراء حول الفضاء هي: المفهوم النسبي للفضاء، والمفهوم المطلق، والمفهوم المجازي، الذي لا يحيل على أي وحدة إقليمية كما يتناول علاقة الجغرافيا البشرية بالقياس الذي يعد مفهوما مركزيا فيها وعلاقة التفاعل الممكنة بين العالمي والمحلي في ضوء دراسة المكان من حيث أهميته نظرا لاختلافه من مكان لآخر أو أهميته المعيارية أو أهميته المعرفية. على مستوى آخر يتناول بالبحث مفهوم العولمة المحلية من خلال دراسة العلاقة القائمة مع التدفقات العليا للعولمة العالمية وقد صاغ الجغرافي سوينغيدو هذا المفهوم للإشارة إلى علاقة ذات اتجاهين بين العالمي والمحلي بغية إدراك ترابط المقاييس الجغرافية لاسيما الفكرة القائلة بوجود المحلي ضمن العالمي. ويربط البحث بين فهم العولمة وتاريخها إذ إن هناك اختلافا حول تاريخها واختلافا حول الموقف منها، ولذلك يستعرض أولا رأي المتحمسين لها والقائلين بفكرة عالم بلا حدود أي بعالم ذي جغرافيا جديدة، ثم يقوم بنقد أطروحاتهم وعرض آراء المشككين بالعولمة ونقدها أيضا، إلى جانب عرض آراء المؤمنين بالتحول مع نقض الطابع المادي للعولمة والتركيز على ثلاثة أنواع من التبادل هي: التبادل المادي الذي يشمل التجارة، والعمل المأجور والخدمات، وتراكم رأس المال وتبادل القوة الذي يشمل الأحزاب والانتخابات والقيادة والتحكم الاجتماعي والعلاقات الدولية، وأخيرا التبادل الرمزي مثل التواصل الشفاهي والمنشورات والأداء والتدريس والطقوس والدعاية والعرض والبحث والإشهار. مجالات متحولة في هذا الفصل الذي يتناول فيه الجغرافيات الاقتصادية الجديدة من حيث التقسيم الفضائي للعمل أو الخصوصية الفضائية للاقتصاد. ومنذ البداية يؤكد حاجة الباحث إلى ستار خلفي تاريخي صلب لدراسة العولمة الاقتصادية المعاصرة. وبعد أن يوضح مفهومي تقسيم العمل يدرس مفهوم دوائر رأس المال المتأثر بالماركسية من أجل فهم العولمة حيث تقوم تلك الفكرة على الضرورة الرأسمالية القائلة بأن رأس المال عند نهاية كل دائرة يجب أن يكون أكبر من رأس المال عند بدايتها. إن رأسمال المال هذا يقسم إلى نوعين هما رأسمال السلع ورأسمال المال. ويؤكد الباحث أن البحث في التقسيمات الفضائية وتأثيرها في دوائر رأس المال والفضاء تاريخيا يمكن أن يساعد على فهم أفضل للأنماط والقضايا التي تحدد اقتصاد العالم المعاصر، وهوما يتبعه في دراسته لتطور الاقتصاد العالمي وصولا إلى الاقتصاد العالمي الجديد والطريقتين اللتين يراهما مفيدتين للتفكير الجغرافي في تنظيم الاقتصاد المعولم وهما سلاسل السلع والشبكات وسلاسل المنتج في الصناعات، والتي تتحكم بها الشركات العابرة للقوميات ثم السلاسل التي يحركها المشتري. وفي النهاية يرى أن الاقتصاد يتكون من علاقات تلك الشبكة من السلاسل مع بعضها البعض، وأن فائض رأس المال يعود إلى المركز عن طريق تلك الشركات العابرة للقوميات، بينما تعمل الشركات المحتكرة التي يملكها القلة على الانتشار في مناطق الهامش. ويختم الباحث بالحديث عن دور الليبرالية الجديدة ممثلة في منظمة التجارة العالمية في إصلاح التجارة الحرة ما جعل خطابها موجها ضد الإمبريالية الجديدة وسياساتها الاقتصادية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©