الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الطبيب المريض

الطبيب المريض
7 ابريل 2011 20:36
نورا محمد (القاهرة) - بعد تخرجي في الجامعة والتحاقي بوظيفة عامة في الحكومة تقدم لي شاب يعمل طبيبا وقد احدث هذا الطلب زلزالا في العائلة فقد رفضت أنا المبدأ كله برمته لأنني أصغر أخوتي البنين والبنات وقد تزوجوا جميعا واستقلوا بحياتهم، ولم يبق لأبي وأمي احد غيري فأنا أقوم بتلبية كل مطالبهما واحتياجاتهما ما صغر منها وما كبر، ولأنهما مسنان فإن قلبي لن يطاوعني على أن أتركهما وحدهما وأؤمن أن دوري واجب حتمي نحوهما لا يجب أن أتخلى عنه أو أتقاعس في بعضه حتى أنني أعلنت موقفي وقراري صراحة بأنني لن أتزوج أبداً في سبيل هذا الواجب المقدس. وبلا مزايدة فإنني اشعر بأنني لن أكون سعيدة ومستقرة في حياتي وأنا مشغولة بهما وبأحوالهما وارى انه من الأفضل أن أظل معهما وفي نفس الوقت لا اعتقد ان هذه تضحية مني ولا خسائر من ورائها فالهدف أسمى من ذلك بكثير وحياتي كلها فداء لأنال رضاهما ورضا الله سبحانه وتعالى ولم اكن اهتم بمزاح اخوتي وهم يعتبرونني ولدا أتحمل هذه المسؤولية عنهم بل كنت أبادلهم الضحكات والتعليقات. لذا لم يكن رفضي للشاب نفسه ولا لملاحظات عليه فقد كان قراري رفضا للمبدأ ومن أجل حساباتي تلك وقد رفضت غيره من قبله لنفس السبب وإن كانت الأسرة شاركت في القرارات السابقة لأنني لم اكن حينها قد انتهيت من دراستي وكان الخطاب يتعجلون الزواج وهذا يجعلني أهمل الدراسة وقد اضطر لتركها تماما. أما أفراد العائلة ومعهم معظم إخوتي فقد كانوا رافضين هذه الزيجة لأسباب اخرى مغايرة تماما فهم ينظرون إلى الفوارق الاجتماعية الشاسعة بيننا فنحن أبناء عائلة حسيبة نسيبة كبيرة العدد نتمتع بثراء واسع، وعندنا رجالات في مواقع مهمة ووظائف عالية، أما هو فمن أسرة متواضعة وأبوه مجرد عامل بسيط لكنه استطاع بجهده وعرقه وكده أن يعلم أبناءه، وهذا العريس تخرج في كلية الطب بعد تفوقه وأصبح طبيبا وهذا يجعله في مركز جيد لكن لا يشفع له عند عائلتي ليكون من أصهارها ورأوا انه لا يصح أن تختلط الأنساب بهذا الشكل المهين ورفضوا مناقشة الأمر من الأصل واعلنوا ذلك صراحة وربما يكونون بالغوا في التحقير من شأنه ومن شأن أسرته وأقاربه وظهرت النعرة الفوقية والفوارق الطبقية والاستعلاء في وجهة نظرهم لدرجة أنني أضفت هذه الأسباب لأسبابي في الرفض. الفريق الثالث كان يضم أمي وأبي وباقي أخواتي وهؤلاء كانوا موافقين لحسابات مختلفة. أولا أمي مثل كل أم تود أن تطمئن على ابنتها وتزوجها في اقرب فرصة من دون أن تفكر في الأمر من كل جوانبه فالهدف الوحيد عندها هو أن أتزوج أما أبي فيرى أن تفكير عائلتي قد عفى عليه الزمن وأكل عليه الدهر وشرب ولم يعد له وجود في هذه الأيام ولا داعي للتفاخر والتباهي بالماضي والتمسك بعادات بالية كما يجب ان نحكم على الشخص نفسه وأخلاقه والتزامه وموقعه الاجتماعي ووظيفته ولا يهم ما دون ذلك خاصة انه لا توجد في أسرته نقيصة يمكن التوقف عندها وان الغنى نسبي والفقر نسبي فليس الفقر عيبا ولا الثراء ميزة للتفرقة بين الناس وإن كانا سببا في الفوارق بين البشر. وتنضم أخواتي لفريق المؤيدين بفكر جديد بأن المهم في الزوج أن يحافظ على زوجته ويحترمها ويستطيع أن يوفر لها سبل الحياة والضروريات من الاحتياجات ويرين أيضا أن هذا العريس ومن خلال مهنته يمكنه ان يحقق لي ذلك واكثر منه خاصة وانه يضع كل إمكاناته تحت تصرفي كما صرح بذلك وهو يبدي رغبته في طلب يدي وانضمت أخواتي إلى رأي أبي بأن الدنيا تغيرت وكثيرات غيري من بنات العائلات تزوجن من شباب من الطبقة المتوسطة وعشن سعيدات. استمر رفض العائلة بلا نقاش بينما بدأت أسرتي الصغيرة تناقش الأمر وقرروا في النهاية انه إذا كان رفضي أنا لعدم ارتياحي للعريس ولعدم رغبتي فيه او لمآخذ عليه فإن هذا لن يكون محل جدل وهذا شأني وأنا صاحبة الرأي، واما إذا كان الرفض من اجل أسبابي لرعاية أبي وأمي فقط فهذا غير مقبول وغير صحيح لأن راحتهما وسعادتهما في أن أتزوج واستقر وعندما علم الجميع وتأكدوا أنني لم أرفض إلا لذلك أعلنوا الموافقة على الخطبة وحددوا موعدا لقراءة الفاتحة والتقاء الأسرتين ولم تبد العائلة أي مرونة في موقفها وتخلفوا جميعا عن اللقاء الأول بحجج واهية معلنة بينما نحن نعرف السبب. عند شراء الشبكة فوجئت بأن خطيبي يختار عينات خفيفة رخيصة وتحفظت على هذه التصرفات وان كان أبي قد لاحظ على وجهي تغيرا وأنني سأكون عرضة للمقارنة بين ما سيقدم لي وما تم تقديمه لأخواتي فقام أبي متطوعا بتعويضي في التو واللحظة وشراء كميات ترضيني من المجوهرات حتى لا أشعر بأي فارق بيني وبين أي فتاة من بنات العائلة ووجهة نظر أبي أن تلك هدية لي. وبدأنا تأثيث عش الزوجية وأيضا ساهم أبي بالنصيب الأكبر ولم يشترط على خطيبي اي شروط ولم تكن له أي مطالب منه وإنما قدم لنا المال بسخاء شديد وهو يدفعنا لاختيار افضل وأجود الأجهزة والمفروشات وأغلاها ثمنا وتكفل بها ومع هذا كله فوجئت بخطيبي يبدي استياءه من قطعة سجاد صغيرة زائدة عن الحاجة ويوجه لأسرتي انتقادات حادة ويتساءل مستنكرا كيف تم اختيارها بهذا الذوق المتدني وشعرت أن تلك إهانات لا يمكن قبولها ولا يصح ان يصدر منه هذا الكلام ويتناسى كل ما فعله ابي وتحمله وعندما علم اخي الأكبر بذلك تحول الأمر إلى مشكلة حقيقية فإذا بخطيبي يعتذر ويبدي الأسف والندم بأنه لم يكن يقصد ما فهمناه وتراجع تماما عن كل ما قاله بينما طلبت أنا فسخ الخطبة فعاد ليكرر اسفه وندمه ويعترف انه اخطأ بلا قصد. من عاداتنا عقد القران في نفس يوم الزفاف وفي ذلك اليوم الذي كنت استعد فيه لليلة العمر وارتداء الفستان الأبيض والانتقال إلى بيتي حدثت المشكلة الثانية عندما رفض خطيبي التوقيع على قائمة المنقولات الزوجية وهو يقدم مبررات واهية وغير معقولة ولا معتادة ويريد ان يخالف كل الأعراف السائدة والمستقرة ولأول مرة يتحول أبي إلى صفوف المعارضين ويقف في وجهه معلنا تمسكه بالمبلغ الذي حدده كمؤخر صداق وبتلك القائمة وكاد الأمر يتحول إلى معركة بعد الخلاف الشديد ووصل إلى منتهاه فتدخل بعض الأجاويد وقاموا بإقناعه بصعوبة بالتوقيع على القائمة وقبول المبلغ الذي تم تحديده كمؤخر وتحولت فرحتي الى نكد وحزن وهم خاصة وان جميع افراد عائلتي كانوا يتغامزون من حولنا ويؤكدون ان رأيهم في العريس وتلك الزيجة كان على صواب. عدت إلى عملي بعد شهر العسل واكتشف زوجي أن راتبي ضعف راتبه فجن جنونه ولا أدري ما السبب وأمرني ان اسلمه له في بداية كل شهر كاملا غير منقوص وعندما احتاج إلى شيء فإنني أطلبه منه ورغم عدم اقتناعي فعلت ما أراد ولم يف بوعده وكان كأنه يمن علي عندما أطلب منه اي مبلغ حتى لو كان تافها وقد يرفض بحجة عدم أهمية مطلبي وتحملت من أجل تجنب شماتة الشامتين خاصة من أفراد عائلتي الذين كانوا رافضين وينتظرون نهاية زيجتي ليثبتوا انهم كانوا على حق وأخفيت كل ذلك حتى عن أمي واخواتي وادعيت أن زوجي كريم معي إلى حد الإسراف. بدأ زوجي يجرني للحديث عن ثراء أسرتي وتمتعها بالكثير من الأملاك والأموال ويلمح إلى الفارق بين حياتنا وحياتهم ثم يصرح مازحا بأنهم يجب أن يساعدونا لنعيش مثلهم وتدرج بعد ذلك ليرسلني إلى أبي اطلب منه بعض الأموال وعندما أذهب أخجل فلا استطيع فعل ذلك لأنه طلب غير مبرر وخاصة أننا لسنا في حاجة إليها فأعود مرة اخرى خالية الوفاض فيثور في وجهي ويكيل لي الاتهامات بالسلبية وعدم تقدير المسؤولية وتعبيرات اخرى لا محل لها من الأعراب وأوصاف خارجة عن الموضوع فلا أجد غير البكاء والدموع ويعلن قطيعته لي ويخاصمني لأيام عديدة قد يصل به الأمر خلالها لعدم تناول الطعام في البيت والعزلة في غرفة اخرى فاضطر للجوء إلى أمي وبدورها تطلب مبلغا من ابي او تمدني بما لديها دون علمه وهنا تنفرج أسارير زوجي ويعاملني بالحسنى إلى أن يتجدد مطلبه ويعاود الكرة من جديد. رزقت بطفلتين جميلتين كانتا كل اهتمامي وتحملت من أجلهما تجاوزات أبيهما اللامعقولة إلي أن جاء مطلبه الذي فاق الحدود وتعدى الثوابت والأصول عندما فكر في افتتاح عيادة خاصة به لكنه ليس لديه من الإمكانيات ما يمكنه من ذلك فطلب مني أن أحصل على ميراثي من ابي فكان مطلبه مثل الصاعقة واستنكرت كيف أطالب بالميراث وابي مازال على قيد الحياة متعه الله بالصحة والعافية. وأصر زوجي على ذلك وتمسكت برفضي وهذه المرة لم تكن بيننا نقطة التقاء واشتد الخلاف وبلغ ذروته، وعاد إلى إهاناته لي ولم اعد أتحملها وزاد عليها فقد صفعني على وجهي ولأول مرة في حياتي أتلقى ضربة فعدت إلى بيت أبي باكية شاكية من هذا الطبيب المريض بالبخل والطمع والنظر إلى ما في أيدي الناس ويطلب ما لاحق له فيه ببجاحة شديدة. اصبح الجميع الآن في جبهة الرفض وأنا بين الشماتة والاستهزاء من عائلتي وبين حزني على الطفلتين لا أريد لهما اليتم مبكرا ولا استطيع الاستمرار مع زوج بهذه المواصفات فأصبحت بين المطرقة والسندان عاجزة عن الاختيار فكلا الخيارين مر وحتى لو وافق أبي على مطلب زوجي فإنني لن أوافق عليه خاصة أنني لا اعرف ماذا ستكون مطالبة بعد ذلك فهو صاحب نفس لا تشبع وخيب ظنوني في كل الرجال وجعلني أندم حيث لا ينفع الندم وظهر وجه الذئب الذي كان يخفيه بقناع الحمل. إذا كانت مهمة الطبيب هي علاج المرض فمن يعالج الطبيب من أمراضه تلك؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©