الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

برلسكوني وغرائب المشهد السياسي الإيطالي

برلسكوني وغرائب المشهد السياسي الإيطالي
13 أكتوبر 2009 23:57
عبر حياته السياسية، كان الرئيس الإيطالي «برلسكوني» عرضة لتهم عديدة من بينها التهرب الضريبي، والفساد، وتخريب الصحافة. وبرلسكوني إلى ذلك يطلق النكات البذيئة ثم يعيد روايتها فيما بعد بين معارفه - كتلك النكتة عن سُمرة أوباما - كما يختفي أياما من وقت لآخر لإجراء المزيد من عمليات التجميل. وهو أيضا في حرب مستمرة مع المؤسسة القضائية الإيطالية، ومع معظم الصحفيين تقريباً باستثناء هؤلاء الذين لا يعملون في خدمته، ومع الكنيسة الكاثوليكية. وفي الأسبوع الماضي رفعت المحكمة الدستورية العليا في إيطاليا الحصانة التي كان يتمتع بها، وهو ما يعني أن الإيطاليين سيشاهدون سلسلة جديدة من القضايا والفضائح المتعلقة ببرلسكوني. بيد أن الشيء الأكثر إثارة حول رئيس الوزراء الإيطالي، أنه على الرغم من كل تلك الأشياء، فإن الإيطاليين لا يكفون عن التصويت له. فالتحالف المهلهل إلى حد ما الذي يقوده والمسمى «تحالف شعب الحرية» حقق نصراً حاسماً في الانتخابات الإيطالية العامة 2008 كما هزم المعارضة في الانتخابات البرلمانية الأوروبية في يونيو من العام 2008. وسواء اختلفنا أو اتفقنا مع ابنته التي تقول إن والدها» سيُخلد اسمه في سجلات التاريخ باعتباره أكثر رؤساء الوزراء بقاءً في الحكم، وأكثر وجوه الطبقة السياسية الإيطالية شعبية على الإطلاق»، فإننا لا نستطيع أن نجادل مع حقيقة أن الرجل قد مثل القوة المهيمنة في السياسة الإيطالية منذ أول مرة تولى فيها منصب رئاسة الوزارة عام 1994.والسؤال هنا: لماذا تمتع برلسكوني بهذه الوضعية؟ هناك عدة إجابات على هذا السؤال فيما يبدو، البعض منها متعلق بالمأزق السياسي الذي جاء به للحكم في المرة الأولى. ففي بدايات التسعينيات بدا النظام السياسي الإيطالي وكأنه تفكك، عقب سلسلة من التحقيقات القضائية التي كشفت عن فساد عميق، ومتغلغل في كافة جوانب الطبقة السياسية الإيطالية الحاكمة. وكنتيجة لذلك اختفى كبار الساسة الإيطاليون، وكبرى الأحزاب السياسية من على المسرح السياسي في البلد بين عشية وضحاها. بل ووصل الحال إلى درجة أن «بيتينو كراكسي» زعيم الحزب الاشتراكي الإيطالي لما يزيد عن عشرين عاماً، هرب إلى تونس خوفاً من السجن وفي النهاية قضى نحبه في المنفى. في هذا الفراغ السياسي الشامل، قفز «برلسكوني» حاملا وعود الصراحة والشفافية، واعداً بالحديث في أمور لم يتطرق إليها أحد من قبل، ولم يجرؤ على لمسها، وعلى وجه الخصوص مسألة الهجرة من شمال أفريقيا.. كما وعد بالتعامل مع المشكلات التي لم يتمكن أحد من حلها مثل قوانين الضرائب المعقدة، والبيروقراطية الإيطالية سيئة السمعة. ولكن عندما ننظر إلى الأمر من النقطة التي نقف فيها الآن فسوف نجد أن سجل إنجازات برلسكوني في حل تلك المشكلات التي وعد بحلها ضعيف للغاية، وأن الرجل بدلا من أن يحل تلك المشكلات أحدث ثورة مضادة. فالرجل قد صنع حياته السياسية تحت النظام القديم مثله مثل غيره من الساسة في إيطاليا، ولذلك بدأ بالوعود. وعندما تولى الحكم بالفعل تناسى تلك الوعود بل وضع نهاية لعملية التطهير القضائية التي كانت تجري على قدم وساق في الطبقة السياسية الإيطالية. كان الإيطاليون كما أخبرني ذات مرة الصحفي» بيبي سيفرجنيني» خائفين من شجاعتهم» ولكنهم كانوا في ذات الوقت أكثر خوفاً من الفوضى في دولة اعتادت أن تغير وزاراتها مرة واحدة في العام في المتوسط خلال العقود الستة الماضية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى الآن. وبالتالي فإن برلسكوني الذي أصبح وجها مألوفاً على مدى سنين عديدة أصبح يمثل رمزاً للاستقرار. فاليسار الإيطالي كان غير منظم، ويمين الوسط كان مشلولا، وكان الكثير من الناس يفضلون التعامل مع الشيطان الذي يعرفونه عن التعامل مع أي وجه سياسي لا يعرفونه. لا شك أن جزءاً كبيراً من الشعبية التي يحظى بها برلسكوني ترجع إلى ميزة تتوافر له دون الآخرين وهي امتلاكه لمحطة تلفزيون رائجة.فهو يسيطر على ثلاث محطات تلفزيون عامة وعلى عدة قنوات رقمية يمتلكها جميعا. وهو أيضاً بحكم منصبه يسيطر على التلفزيون الحكومي. هذه الميزة لا تكفي في حد ذاتها لحسم نتيجة الانتخابات ولكنها تساعد على تحقيق ذلك إلى جانب عوامل أخرى بالطبع. فلابد أن تكون هناك عوامل جذب أخرى تتعلق ببرلسكوني نفسه، فـ«سفيرجنيني» أطلق عليه ذات مرة «مرآة إيطاليا الحديثة» ورجلا يمكن للمرء أن يفهم ما يعنيه فهو في النهاية: أحد محدثي النعمة (الإيطاليون جميعا تقريبا من محدثي النعمة) ولا يخاف من التباهي بها، وعاشق لكرة القدم (يمتلك فريق إي سي ميلان)، ورجل مخلص لأصدقائه (بل على استعداد لحمايتهم من القانون عند الضرورة)، وغالبا ما يمتع نفسه بصحبتهم في تلك الحفلات الباذخة التي يقيمها على ظهر يخته الفاخر. ويمكن القول إن برلسكوني يعيش نسخة كاريكاتيرية من الحياة الإيطالية النموذجية وبسبب هذه الطبيعة الكاريكاتيرية لحياته فإنه كثيراً ما يرتكب أشياء، وينجو من المخالفة في حين لا يستطيع إناس آخرون ذلك. وهناك نقطة أخرى وهي أنه عندما يكون رئيس دولتك شخصية مثل برلسكوني فإنك لا تسطيع أن تأخذ نفسك على محمل الجد. فأنت لست في حاجة حينئذ لإزعاج نفسك بالتفكير في العوامل الجيوبوليتيكية أو حالة الكوكب أو الفقر، أو الدول الفاشلة. يمكنك أن تبقى في البيت، وتظل غير جاد، وتسلي نفسك بالحديث عن آخر الفضائح القضائية. وربما أن ذلك أيضا يمثل جزءا من الجاذبية التي يتمتع بها رئيس الوزراء الإيطالي. آن أبلباوم محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©