الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البيزرة أو الصقارة عند العرب·· هوية وهواية

البيزرة أو الصقارة عند العرب·· هوية وهواية
7 أغسطس 2008 00:50
تكاد تكون الصقارة وهي عملية تدريب الطيور الجوارح كالبازي والصقر والشاهين وغيرها من أكثر الظواهر الحضارية تغلغلاً في حياتنا العربية على مر الزمن، سواء ذلك في الشعر أوالرسم أوالأمثال والحكايات والقصص الشعبي· وكانت ومازالت لها مكانة خاصة متميزة في منطقة الجزيرة العربية والخليج، وفي دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل كبير، ولشدة تعلق الناس هنا وعلى مختلف المستويات والأعمار بهذا النوع من الرياضة الذي تطور من ''هواية'' مارسها وشجع على ممارستها مؤسس دولة الإمارات المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ''رحمه الله''، وكان أحد أبرز أساتذتها وخبرائها، ترضي طلاب الرياضة والمتعة إلى علم ذي قواعد وأصول يتناول كيفية تدريب الطيور في الإرسال والدعاء، وكيفية تغذيتها ومراعاتها في فترة القرنصة، وعلاجها إذا ألم بها مرض في أي جزء من أجزاء الجسم، وغدا لهذا العلم الذي يسمى ''البيزرة'' مصطلحاته الخاصة به، وله خبراؤه وعلماؤه الذين يعرفون كل مايهمهم في هذا الميدان على المستويين النظري والعلمي· ولفظة بيزرة مأخوذة من لفظ ''البازيار'' وهو الذي يعنى بالبازي، لأنه أعظم الطيور الجوارح، ثم توسع مدلولها لتعم الصيد بسائر الطيور وبالكلاب أيضا وبالفهود، الا أن الصائدين بالكلاب والفهود يعرفون باسم ''الكلابزة'' و''الفهادين'' أيضاً· تدعى عملية تربية الطيور الجارحة وتدريبها والاهتمام بها واستخدامها في الصيد بالصقارة Falconry أو ''البيزرة'' وهي كلمة أعجمية بينما ''الصقارة'' هي الكلمة العربية· والبيزرة او البزرة كلمتان لا وجود لهما في كتب اللغة، وإنما الموجود في هذه الكتب ''البيزار'' و''البازيار'' ومعناهما حامل البازي والجمع بيازرة، وهما من الدخيل· أما الشخص الذي يهتم بالطيور الجارحة ويرعاها ويصيد بها فيدعى بالصقار Falconer أو Hawker أو ''البازيار''· مثلما يسمى مربي الكلاب (كلاّب) ومربي الفهود (فهّاد) ومربي الفيلة (فياّل) وفي عهد الأمويين سمي (صاحب الصيد)· ظاهرة مقدسة أظهرت الحضارات القديمة والتي وجدت في مناطق مختلفة من العالم اهتماماً خاصاً بالطيور الجارحة، حيث وصل بعضها منزلة مقدسة، ففي شمال بورنيو Borneo كان يعتقد أن الصقر هو رسول ويعامل معاملة التقديس ويطلب منه المعونة قبل الدخول في الحروب والقتال، وفي أوقات العمل، ويصنعون له تمثالاً من الخشب ليبعد الأرواح الشريرة أما قبائل شافانت Shavant الأمازون وقبائل جيفارو Jivaro في الأكوادور فيصنعون سهامهم من عظام الصقر كي تذهب نحو الهدف بسرعة، ورجال الطب في القبائل البدائية كانوا يصنعون من ريش البوم والصقور والنسور أغطية لرؤوسهم، وهناك أساطير تنتشر بين القبائل في البرازيل، وسكان جزر كول Coole في أستراليا، وقبائل كارين Karen في تلال بورما، وقبائل بيجوانا Bechuana وباسوتا Basuta في أفريقيا، تتحدث عن طير مخيف يشبه الصقر بعيون براقة وأجنحة رعدية يجلب لهم المطر· (Mary Louise : 42) إن تماثيل ونقوش الصقور والعقبان والنسور المتبقية من الحضارات القديمة تدل على إعجاب الإنسان بها منذ القدم وإدراكه لقوة تلك الطيور وشجاعتها، أما متى وكيف بدأ الانسان يدجن الطيور الجارحة ويستخدمها في الصيد فغير معروف على وجه التحديد، واختلفت المصادر بهذا الخصوص، فقد عرفها الصينيون قبل 2000 سنة قبل الميلاد (Derek Ratcliffe : 24)، وأقدم الصيادين المعروفين هو (ون وانغ) ملك مقاطعة تسو، والمصريون القدماء عرفوه بنفس التاريخ تقريباً، أما الآشوريون فقد تركوا ما يدل على معرفتهم بهذا النوع من الصيد، حيث وجد نحت ناتئ في جدار ارتفاعه 1,27 م يمثل صياداً يحمل على يده صقراً في رحلة صيد، في التنقيبات التي جرت في دور شروكين (خرسباد) Khorsabad الواقعة على بعد 15 ميلا شمالي شرقي مدينة الموصل، تعود لعهد سرجون الثني (القرن الثامن قبل الميلاد) (اندري بارو: 78) والتي قامت بها البعثة الفرنسية في (1843 - 4481 م) بقيادة بول اميل بوتا Paul Emilo Botta 2081 0781 أيام كان قنصل فرنسا في مدينة الموصل، وهي الآن محفوظة في متحف اللوفر (مرغريت روثن: 11)· ويذكر عن ارسطوطاليس أنه قال: أول الصناعات الضرورية الصيد ثم البناء ثم الفلاحة، ولعل سبب ذلك هو أن الصيد الصق الصناعات بحياة الإنسان الأول الذي لم يكن له طريق في سبيل بقائه إلا أن يسطو على ماهو أضعف منه من الحيوان ويأكل لحمه· حتى إذا تقدم في تطوره، وانتظمت معيشته بتربية الماشية في حالة البداوة، ظل الصيد ألصق الصناعات به، لأنه كان أيسر السبل على اكتساب الرزق في مثل بيئته البدائية القاسية، فقد كان يضن بماشيته التي دجنها واعتمد في غذائه على لبنها، فلم يذبحها ليأكل لحمها إلا إذا كان مضطراً، واذا لم يكن لديه موارد للعيش جاهزة غيرها ظل يتطلع إلى الحيوانات والطيور غير الداجنة كمورد رزق له، وظل يصطنع الصيد سبيلاً لبلوغ ذلك المورد· متعة صحراوية ثم إن الصقارة فوق ذاك متعة هي بدورها الصق المتع بحياة الصحراء التي الف البدو فيها قديماً ان يغزو على جيرانهم ويغزى عليهم قبل نشوء الدول الحديثة وتقنينها القوانين وانتشار الامن في ربوعها، خاصة في الجزيرة العربية موطن القبائل العربية المعروفة، وكان قديماً من هؤلاء البدو يبرز العداؤون والشجعان والرماة والفرسان، وهذه المتعة تدربه على أن يكون من الأبطال أو الفرسان، وبالفعل كان الصقارون عند العرب من أشهر الرماة والفرسان سواء أكانوا أمراء أم صعاليك· وقد شابهوا بذلك جدهم الأكبر إسماعيل الذي تذهب الأخبار إلى أنه كان من أمهر الرماة مولعاً بالقنص· (جبور: 284)· وكانت الصقارة كما يذكر الكولونيل ديسكون H. Dickson في كتابه ''عرب الصحراء بالكويت والمملكة العربية السعودية'' The Arab of the desert in Kuwait and Saudi Arabia ,9491، رياضة الملوك منذ أقدم العصور، ومن المحتمل أن تكون هذه الرياضة قد دخلت أوروبا عن طريق شبه الجزيرة العربية مع بدايات الحروب الصليبية، لكن من المؤكد أنها دخلت إسبانيا مع الفاتحين العرب· (H. Dickson : 043). وكان ديسكون هو المعتمد السياسي البريطاني في منطقة الخليج ومقيماً في الكويت منذ عام ،1929 وتجول في الجزيرة العربية وكتب عن حياته في الصحراء، ووصف حياة البداوة ونظام البدو الاجتماعي، ومفهوم الشرف العربي، وتقاليد الزواج، وملابس البدو، وطعامهم وكل ما يتعلق بحياتهم في الصحراء· معلومات المسعودي يذكر الجغرافي العربي أبو الحسن علي بن حسين المسعودي (896 ـ 957 م) الكثير من المعلومات القيمة عن رياضة الصقارة ويقدم وصفاً تفصيلياً لأنواع الطيور الجارحة التي كانت تستخدم في هذا النوع من الرياضة في مصنفه مروج الذهب ومعادن الجوهر، وهو عبارة عن موسوعة جغرافية تاريخية، لم يكتف المسعودي فيها من أخذ معلوماته التي دونها في مصنفه هذا من بطون المجلدات المغبرة التي كانت متاحة في عصره فقط، بل سعى إلى دراسة العالم الذي عاش فيه، فقد كان كما يذكر المستشرق الروسي د· ف· ميكولسكي فضوله النبيل دافعاً له للقيام باسفار كانت تمتد سنوات عديدة في بعض الأحيان، فزار بنفسه ووصف قسماً كبيراً من الامصار التي كانت معروفة للعرب المسلمين، وترك توصيفات للشعوب التي قدر له أن يعيش بين ظهرانيها، وجمع معلومات صحيحة عن البلدان التي لم تتح له زيارتها· وغدت أخباره عن العديد من الامصار والشعوب القاطنة فيها مرجعاً مهماً للمؤرخين والجغرافيين والاثنوغرافيين· وقد درس بتمحص ما رآه بأم عينه، أو سمعه من أناس ثقاة، ودأب على فرز الصحيح عما يناقض الحقيقة حسب رأيه، وقد حل المسعودي مسألة من مسائل علم الجغرافيا المهمة في عصره واكتسب بذلك للابد شهرة جغرافي علم ورحالة بارز· (ميكولسكي: ،6 7)· يقول المسعودي في وصفه البزاة: وصفت الحكماء والملوك البزاة، وأغربت في الوصف، وأطنبت في المدح، فقال خاقان ملك الترك: البازي شجاع مريد، وقال كسرى انوشروان: البازي ملك كريم إن احتاج أخذ وإن استغنى ترك، وقالت الفلاسفة: حسبك من البازي سرعة في الطلب وقوة على الرزق وفي السمو إذا طالت قوادمه وبعد ما بين منكبيه فذلك أبعد لغايته وأخف لسرعته، الا ترى الى الصقور لاتزداد في غاياتها الا بعدا وسرعة وقوة على التكرار، وذلك لطول قوادمها مع كثافة اجسامها، وانما قصرت غاية البازي لقصر جناحيه ورقة جسمه، فاذا طالت به الغاية أخره ذلك حتى تشتد نفسه، ولاتؤتى الجوارح الا من قصر القوادم، الا ترى أن الدراج والسمان والحجل وأشباهها حين قصرت قوادمها، كيف قصرت غاياتها؟· وقال ارستجانس: البازي طير عاري الحجاب، وما يفوته في كسوره يزيده في اخمصه ورجليه، وهو أضعف الطير جسماً، واقواها قلباً وأشجعها وذلك لفضله على جميع الطير بالجزء الذي فيه من الحرارة التي في شيء منها، ووجدنا صدورها منسوجة بالعصب لا لحم عليها· وقال جالينوس مؤيداً لما ذهب اليه ارستجانس: إن البازي لا يتخذ وكرا إلا في شجرة كفاء مشتبكة بالشوك مختلفة الحجوم بين شجر عسى طلباً للكن ودفعاً لألم الحر والبرد، فإذا أراد أن يفرخ بنى لنفسه بيتاً وسقفه تسقيفاً لا يصل إليه منه مطر ولاثلج إشفاقاً على نفسه وفراخه من البرد والضر· (المسعودي: ج،1 145)· حكايات الصيد والقنص وقد ورد الصقارة واستخدام الصقور في التاريخ العربي منذ أقدم العصور، وهناك العديد من القصص والحكايات التي تدور حول الصقارة وذكاء الطيور الجارحة مثل الصقور· وكيف أن الحكام القدماء كانوا يربونها ويعتنون بها، وقد أورد تقي الدين ابي العباس حمزة بن عبدالله الناشري (ت: 926) في كتابه ''انتهاز الفرص في الصيد والقنص'' العديد من هذه القصص، منها قصة السلطان ابي الفتح ملك شاه بن الب ارسلان محمد بن داود بن سلجوق الملقب جلال الدولة السلجوقي الذي ملك ما لم يملكه احد من ملوك المسلمين بعد الخلفاء المتقدمين، فانه ملك كاشغر مدينة في أقصى بلاد الترك (تقع اليوم داخل حدود الصين في مقاطعة سينكيانغ Sin-kiang وهي عاصمة تركستان Turkistan الشرقية تاريخياً) إلى بيت المقدس طولاً، ومن القسطنطينية (استنبول) إلى بلاد الخزر (هي عدة بلدان محيطة اليوم بهذا البحر وهو بحر قزوين ومنها جنوب إيران وأذربيجان وتركمانستان وداغستان) من الهند عرضاً، وقد أورد الناشري هذه القصة عن ابن خلكان صاحب وفيات الاعيان قال: وكان لهجا بالصيد حتى قيل انه ضبط ما اصطاده بيده فكان عشرة آلاف صيد فتصدق بعشرة آلاف دينار بعد ان تصدق بشيء كثير· وقال: إني خائف من الله سبحانه من إزهاق الأرواح من غير مأكلة، وصار بعد ذلك كلما اصطاد صيداً تصدق بدينار، وخرج من الكوفة لتوديع الحاج فجاوز العذيب (تصغير العذب وهو الماء الطيب) وهو ماء بين القادسية والمغيثة بينه وبين القادسية أربعة أميال وإلى المغيثة اثنان وثلاثون ميلاً· وقيل: هو وادٍ لبني تميم وهو من منازل حاج الكوفة وقيل هو حد السواد· (ياقوت: مج ،3 304)· وتزوج الخليفة المقتدر بالله العباسي ابنة السلطان جلال الدولة السلجوقي المذكور، وكان السفير في الخطبة الشيخ ابو اسحاق الشيرازي صاحب ''التنبيه'' و''المهذب'' وأنفذه إلى نيسابور لهذا السبب، وهي مدينة معروفة في خراسان إيران وتلفظ بالفارسية نيشابور او نشاوور ومن اسمائها القديمة أبرشهر وللشاعر المعروف مالك بن الريب قصيدة شهيرة يرثي بها نفسه وقد مرض وساعة حلت منيته وهو مار بهذه المدينة ويوصي بناته قبل موته ويقول: لعمري لئن غالت خراسان هامتي لقد كنت عن بابي خراسان نائيا ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بوادي الغضا أزجي القلاص النواجيا ·· وفي نيسابور ويذكر ياقوت الحموي في معجمه إن أكثر شرب أهل نيسابور من أقنية تجري تحت الأرض ينزل إليها في سراديب مهيأة لذلك· (ياقوت: مج ،4 ،422 ،423 مج ،2 220) وكان أهل نيسابور يأخذون التراب الذي وطأته بغلة الشيخ ابي اسحاق فيتبركون به، ولما أراد أبو اسحاق أن يركب بغلته، أخذ إمام الحرمين عبد الملك الجويني بركاب البغلة لئلا يميل به السرج تعظيماً لأبي اسحاق، وزفت بنت السلطان إلى الخليفة في سنة ثمانين وأربعمائة، وولدت ذكراً اسماه جعفرا، وخرج ملكشاه للصيد من بغداد فاصطاد وحشاً وأكل من لحمه وابتدأت به العلة وافتصد ولم يكثر من إخراج الدم فعاد إلى بغداد مريضاً، وتوفي ثاني يوم دخوله سادس عشر شوال سنة خمس وثمانين وأربعمائة (الناشري: ،276 277)· وحكى السموأل بن يحيى المغربي في كتابه ''نزهة الاصحاب في معاشرة الأحباب'' عن بعض الاعراب قال: بينما أنا قد قنصت خشفاً (صغير الغزال) وأوثقته في حبائلي اذ استقبلني شاب له ضفيرتان، وكأن وجهه الشمس الطالعة، فلما نظر إلى الخشف تنفس الصعداء وأنشأ يقول: وذكرني من لا أبوح بذكره محاجر خشف في حبائل قانص فقلت ودمع العين يجري بجفنه ولحظي الى عينيه لحظ مشاخص خف الله لا تقتله ان شبيهه سباني فقد ارعدت منه فرائصي قال: فأطلقت الخشف وذهب فأتبعه الفتى بعينيه ثم قال: اين المنزل يا قناص؟ فقلت: بموضع كذا فجاءني من الغد يقود عشراً من الابل، فقال لي: خذهن جزاء لاطلاقك الخشف، فأبيت أن أخذها، فحلف علي بأخذها فأخذتها، فسألت عنه فقيل: إنه يعشق فتاة من الحي (الناشري: ،279 280)· ويروي المسعودي في بعض أخبار هارون الرشيد ويقول إن الرشيد خرج ذات يوم وهو ببلاد الموصل، وعلى يده باز أبيض، فاضطرب على يده، فأرسله، فلم يزل يحلق حتى غاب في الهواء، ثم طلع بعد ''الاياس'' منه، وقد علق شيئاً فهوى به يشبه الحية أو السمكة، وله ريش كأجنحة السمك، فأمر الرشيد فوضع في طست، فلما عاد من قنصه أحضر العلماء فسألهم: هل تعلمون للهواء ساكنا؟ فقال مقاتل: يا أمير المؤمنين، روينا عن جدك عبدالله بن عباس أن الهواء معمور بأمم مختلفة الخلق، فيها سكان أقربها منا دواب تبيض في الهواء وتفرخ فيه، يرفعها الهواء الغليظ ويربيها حتى تنشأ في هيئة الحيات أو السمك، لها أجنحة ليست بذات ريش تأخذها بزاة بيض تكون بأرمينية، فأخرج الطست إليهم، فأراهم الدابة، وأجاز مقاتلا يومئذ aalsanjari@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©