الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفن الملكي الأفريقي··· مسروق في الغرب

الفن الملكي الأفريقي··· مسروق في الغرب
7 أغسطس 2008 00:54
هل يصدق أحد أن أكثر من ربع مليون قطعة فنية أفريقية ومعظمها من فن النحت الراقي، موجودة في أكبر متاحف لندن وباريس وبرلين وجامعات أميركية مثل بنسلفانيا؟ وهل يعرف الكثيرون أن معظم هذه الثروة من فنون النحت الأفريقي، هي من التي تشتهر بها منطقة غرب أفريقيا وخاصة مناطق وسط نيجيريا أو غربها، فيما يعرف بممالك بنين، واليوروبا؟ وأن معظم هذه القطع من مادة البرونز والعاج والنحاس وأحياناً الأبنوس؟ هذا ما كشف عنه الجدل الساخن الآن حول سرقة ونقل الآثار الفنية من منحوتات غرب أفريقيا إلى عدد من دول الغرب، بمناسبة إقامة معارض كبرى لهذه الفنون في العامين الأخيرين، وآخرها بين فبراير ومايو الماضي (2008) في برلين، ثم معرض آخر في شيكاجو (يوليو 2008)، وقبلهما كان في متحف بالنمسا في مايو ،2007 مع عقد الندوة الدولية هناك حول فنون القصر الملكي وطقوسه في بنين (نيجيريا) بحضور علماء ونقاد وأثريين أوروبيين وأفارقة، بل وحضور ''أوبا'' بنين نفسه لبعض جلساتها (شيكاجو 2006)· سرقة تاريخية استفاد الباحثون الأفارقة من هذه الأجواء الدولية ليفجروا قضية سرقة الآثار الأفريقية، وضرورة إعادتها لأصحابها، بل واصطحب بعضهم ممثلي ''الأوبا'' ملك بنين الحالي، لإثبات مكانة هذه الآثار لدى أبناء المملكة، ودورها في طقوسهم الملكية في الواقع الحي الآن، وأنها ليست مجرد ''آثار تاريخية''· وهذه نقطة هامة في التعامل مع عناصر الثقافة الأفريقية تختلف فيها عن القيمة التاريخية عند تناول وضع الآثار الفرعونية -المسروقة أيضاً- أو مكانة الآثار العراقية التاريخية التي نهبت وقت غزو العراق·· والاختلاف هنا ليس حول ''شرعية السرقة'' بالطبع، ولكن إزاء الدفوعات التي قدمها عدد من الأثريين وقادة المتاحف الأوروبيين حول الموضوع· فقد اجتمع من قبلُ مديرو ثمانية عشر متحفاً أوروبياً وأميركياً من المعروفين على مستوى عالمي (اللوفر، والمتحف البريطانى وغيرهما) حول بيان وقعوه في العاشر من ديسمبر 2002 تحت عنوان ''بيان حول أهمية وقيمة المتاحف العالمية'' حيث اعتبروا ''متاحفهم'' بوجه خاص متاحف عالمية، يعتنى بها كجزء من تراث الأمم التي أقيمت فيها إزاء الدور ''العالمي'' لهذه المتاحف، وقيامها بعرض محتوياتها أمام ''الجمهور العالمي'' و''في إطار الثقافة العالمية''··· ويشير البيان إلى أنهم يقومون برعاية هذه الآثار الفنية في وقت لا يبدي فيه الأفارقة اهتماماً بها! وقد أثار هذا البيان حفيظة عدد من الكتاب الأفريقيين الذين راحوا يزيحون الستار عن تاريخ النهب الاستعماري الأوروبي لبلادهم، ليس في مجال الثروات التقليدية فحسب، ولكن بنهب التراث الثقافي الإنساني نفسه، مسجلين ما تورده بعض هذه المتاحف نفسها عن واقعة البعثة العسكرية ''الانتقامية'' البريطانية إلى قصر ملك ''أوبا'' مملكة بنين عام 1897 واستيلائهم على 4000 قطعة فنية أشهرها ''قناع الملك'' والملكة الأم، والمحفوظة كلها مع قطع شهيرة من اليوروبا في ''المتحف الإنساني البريطاني''، وهي تمثل قطعاً فنية عالمية مشغولة من البرونز والعاج ومعروف قيمتها فنياً حتى الآن، وما زالت تقاليد ''الأوبا'' في استعمال هذه الأقنعة في قصره موجودة حتى الآن ايضاً· وهذا يعني أننا أمام حادثة سرقة للممتلكات والآثار تمت بالفعل ومعترف بها! ويسجل باحثون آخرون أن بعثة عسكرية أخرى هاجمت قصوراً في كو ماسي (غانا) واستولت على أعداد كبيرة من القطع الفنية المصنوعة من الذهب والموجودة في نفس المتاحف البريطانية· والعارفون بتاريخ فن النحت في أفريقيا، يقدرون آثار هذه المنطقة في غرب القارة (ساحلها الخليجي) وثرواتها من منتج البرونز والعاج والنحاس والأبنوس·· بل ويعرف الجميع الحرفية العالمية والمتخصصة في صناعتها بأفريقيا· وذلك بالطبع غير ما يعرف عن فن ''المعمار الصحراوي''، شمال هذه المنطقة على نحو ما هو موجود في منطقة ''تومبوكتو'' و''جنى'' و''جاو'' في (مالي) وهو ما لم يهتم بتسجيله أو الكتابة عنه الرحالة العرب، بينما كان ذلك من أول الاستكشافات الأوروبية مما تم نقله مع الأسرى والعبيد إلى لشبونة وأمستردام وباريس· إن التاريخ المسجل لبعض هذه القطع الملكية يرجع إلى القرن الثالث عشر والرابع عشر، ولابد أن يذكرنا ذلك بمعنى وجود ''الدولة الأفريقية'' ذات التراث من هذا المستوى في نفس فترة نهوض الدول الأوروبية وما سمي بعصر النهضة كله· الاستغلال الأوروبي الكتّاب الأفارقة يثيرون قضايا عديدة في الرد على بيان مديري المتاحف الأوروبية، فبعد أن يتهموهم ''بالتمركز الأوروبي المعروف حول الذات''- وهي فكرة عنصرية بطبعها بينما يتهمون بها غيرهم- فإنهم يرون ذلك أيضاً استغلالاً أوروبياً مخلاً بأبعاد العولمة الثقافية، أو قصر آلية العولمة على أوروبا فقط، بل والتنظير لتاريخ العالم من الموقع الأوروبي وحده مما جعل هذه الفنون تمثل الثقافة البدائية، كما يقول البيان، بينما الفنون الأوروبية هي نتاج عصر النهضة الحديثة· وهذا مما لا يجعل أوروبا تعترف بإساءة فترة الاستعمار للمفاهيم الإنسانية أو الشراكة في المكون الثقافي والحضاري الإنساني· وأوروبا التي قامت بتجارة الرقيق تطرد الآن العمال الأفارقة والمهاجرين، بينما تريد الاحتفاظ بالتراث الأفريقي من القطع الفنية باسم الثقافة العالمية· ومن باب التسامح الأفريقي، يثير عدد من الكتّاب الأفارقة مبدأ التفاوض حول ''التعويضات'' الممكنة، كما في حالة التعويض عن العبودية، ويرى آخرون دراسة حالة كل مجموعة فنية على حدة وإمكان ترك بعضها واستعادة بعضها الآخر، وفق تكرارها أو تمثيلها لضرورة ملحة، حيث لا تتم بعض الطقوس الملكية وغير الملكية حتى الآن إلا بوجود هذه التماثيل والمنحوتات· وتشير كثير من الكتابات في الرد على الأوروبيين أن المنحوتات لا تمثل قيمة جمالية فقط، تحتفظ بها المتاحف من أجلها، ولكنها ذات أبعاد دينية واجتماعية ما زالت قائمة في بعض المجتمعات مثل بنين· وقد كانت ذكرى غزو بنين عام 1897 ومرور قرن على واقعة النهب الواسعة والمسجلة لآثارها الفنية، فرصة لاحتشاد عدد من المثقفين الأفارقة والأوروبيين، بل وبعض البرلمانيين الإنجليز مثل جورج جالاوي وراء الطلب الرسمي من ملك ''بنين'' إلى مدير المتحف الاسكتلندي لاستعادة اثنين وعشرين قطعة فنية ذات قيمة خاصة في حياة القصر من جهة، وفي الذكرى المئوية للغزو من جهة أخرى، مذكرين بحق الشعوب الصغيرة في تأكيد هويتها مثلما يسعى الأسكتلنديون أنفسهم لتأكيد هويتهم داخل بريطانيا العظمى!· وقد رجع المدافعون إلى أمثلة لمطلبهم تمت الاستجابة لها كانت قد قدمت من قبل السكان الأصليين في استراليا واستعادوا قطعاً أثرية لهم من انجلترا عام ·1992 بل وثمة واقعة بارزة في هذا الصدد، وهي استرجاع إثيوبيا لمئات القطع الأثرية من إيطاليا في ابريل ،2005 كما أن مصر استردت بعض آثارها بالتفاوض أيضاً· وفي الولايات المتحدة نفسها، تقوم بعض الدوائر المعنية بالتفاوض حول ممتلكات الهنود الحمر لدى الولايات الأميركية الأخرى ومتاحفها· كان من أطرف ما كشفته هذه الحملة لاستعادة آثار بنين الفنية المسروقة، أن سلطات المتحف البريطاني باعت بعض هذه القطع لبنين منذ فترة بعد أن تدخلت السلطات النيجيرية نفسها، لترضية أبناء المملكة ذات التاريخ الطويل في قلب نيجيريا الحديثة!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©