الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العمّ خْمَيِّسْ التَّرْنَانْ

العمّ خْمَيِّسْ التَّرْنَانْ
7 أغسطس 2008 01:16
بعد عامين من الزواج فحسب أقْعَدَ المرضُ زوجته ثم اختطفها إلى الأبد· وكانت تلك الحادثة مصابا جللا ظلّ أبو الموسيقى التونسية الحديثة الشيخ خْمَيِّسْ تَرْنَانْ يرزح تحت ثقله حتى سنة 1964 تاريخ وفاته· لكنه تمكّن رغم مصابه من تطوير الموسيقى وحاز لقب شيخ الموسيقيين· لذلك كلما ذكر اسم زرياب أو اسم سيد درويش وغيرهما ممّن لهم على الموسيقى العربية أفضال يتذكر التونسي معتزّ العمّ خْمَيِّسْ تَرْنَانْ وأفضاله· والراجح أن بين حرفة الحياكة والموسيقى أكثر من علاقة سرية· فمهنة الحائك والرسام والموسيقي تقوم كلّها على المحاكاة· وقديما جزم أرسطو في كتاب ''فن الشعر'' بأن المحاكاة، هي القانون الذي يدير العديد من الفنون سواء منها ما يعتمد اللحن والموسيقى كصناعة العزف أو ما يعتمد الأصباغ والألوان كفن الرسم''· لذلك لا يكون الحائك ماهرا إلا إذا حمل بين جنبيه مقدرة فائقة على توزيع خيوطه وألوانه وفق خطّة إيقاعية تسرّ الناظرين وتوقظ في نفس الرائي المتعة، فيما هي تلبّي حاجته إلى الجميل· ولد خْمَيِّسْ تَرْنَانْ في مدينة بنزرت التونسية سنة 1864 بحارة الربع الجديد وسط المدينة القديمة· وكانت عائلته من أصل أندلسي تمتلك ولع الأندلسيين بحرفتيْ الغناء والنسج· وهما حرفتان ميّزا أهل الأندلس الذين ظلوا يفدون إلى شمال أفريقيا منذ بداية تغريبتهم يوم سلّم عبد الله الصغير المفاتيح واستسلم هو وناسه لأحزان لا تطفأ وترحال لا ينتهي· كان والد خْمَيِّسْ ترنان حائكا بارعا ومنشدا فذّا في الفرق الصوفية ذائعة الصيت بالديار التونسية والمغرب· وعلى خطى والده سار الطفل فصار منشدا في العديد من الفرق الصوفية مثل الفرقة المولدية والفرقة العيساوية والفرقة السلامية· لم تكن هذه الفرق مجرد فرق دينية· ولم يكن التصوّف في تونس والمغرب العربي مجرّد ممارسة دينية، بل كان ممارسة سلوكيّة تلبّي حاجة الكائن إلى الجميل والفاتن· كان حربا على البؤس والأحزان· بالمجاهدة والزهد تموت الحاجة· وبالفنّ تقاوم الأحزان· بالموسيقى والرقص، بالغناء والسماع يُطهّر المرء من درن الدنيا حتى ليكاد يغدو روحا محضا· والراجح أن هذه الفرق الصوفية هي التي صقلت مواهب الشيخ ترنان وقادته على درب الموسيقى فحفظ المألوف والموشّحات والأدوار الشرقية والبشارف التركية وجلس إلى شيوخ عصره ولاسيما الشيخ محمد بِلْحَسَنْ وعلي الدرويش الذي علّمه الترقيم الموسيقي· والثابت تاريخيا أن الموسيقى في تونس كانت حكرا على اليهود· ومن أبرزهم الفنانة الشهيرة حبيبة مسيكة والشيخ العفريت ورؤول جورنو· كانت القصائد المغناة أميل إلى الإباحية وأدخل في باب النزق واللهو· لذلك كان التونسيون يعتبرون هذا الفن فنا بغيضا يقود مُتعاطيه إلى مهاوي السقوط ومزالق التهلكة· ههنا بالضبط لعب الشيخ ترنان الدور الأعظم وأنتج أغان تتخلّص من الإباحية وتمجّد الحبّ باعتباره القيمة البشرية الأرقى، وأثبت أن الفن يمكن أن يجمع إلى الجميل الفاتن والمفيد·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©