الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«مرمرة» وتشكيل الخطاب العربي

5 يونيو 2010 21:35
يتكرر الخطاب ذاته عن همجية إسرائيل في كل مرة ترتكب جريمة جديدة تضاف إلى مجلدات جرائمهما التي باتت تشكل منذ زمن المكون الرئيسي للذاكرة الجمعية لأجيال عربية متتالية التي تضخم العجز فيها لدرجة بات النسيان الملجأ المفضل رغم وميض من بطولات فردية أو مجتزئة تتوهج بين الحين والآخر ثم تنقضي بانتظار فعل صهيوني جديد يليه ضجيج مرير. ورغم تغير كل شيء في فن الخطاب وجدواه وغايته وتقنياته، يبقى خطاب مصائبنا متمسكاً بفلسفته وتقاليده وربما بنفس مفرداته حين يكتشف، كما في كل مرة، كيف تضرب إسرائيل بعرض الحائط القوانين والمواثيق والقرارات الدولية. كأن بنا، وبرغبة واعية وتصميم لا يلين، نفضل أيضاً نسيان ألا جديد في كل ذلك، وأن هذا الكيان لم يكن له يوماً أن يقوم ويستمر ويتوسع لولا تعمده استخدام كافة أشكال الرعب والردع والقتل والغطرسة. بالتأكيد، يحتل الشق الإنساني حيزاً مهماًً في قراءة الجريمة الإسرائيلية بحق سفينة مرمرة وأسطول الحرية وأبطاله، وكذا الأمر في قضية حصار غزة وفي القدس وكل فلسطين، لكن هذا الحيز نفسه من الخطاب الإنساني لا يمكن بأي مقياس، أقله في المقياس الحسابي، أن يشغل المساحة كلها وأن يخفي مكونات الشق الوجودي والنفسي والثقافي وحتى السياسي أو الاستراتيجي. وهنا تكمن حقيقة الامتحان أو التحدي الذي يمكن أن يلتقي مع أسطول الحرية. وهنا أهمية انتشال الخطاب العربي من تكراره وتناقضاته وحصاره. إن التحدي يكمن في الكف عن التناقض المستشري في صميم الخطاب العربي، كأن يقول العرب إن إسرائيل لا تقيم وزناً للمعاهدات والقوانين ثم يرتبطون معها بمعاهدات وتطبيع ويعاهدونها على السلام. والتحدي لا يكمن في التصفيق لأبطال الحرية بقدر ما يكمن في عدم المشاركة في محاصرتها وتجاهل مأساة واستيطان الضفة وتهويد القدس والصمت عن التنكيل بمن بقي من المقاومين. والتحدي هو ألا يتناسوا خطابهم حين حذروا في ختام قمتهم قبل عامين من أنه سيكون لهم “حديث” آخر إذا لم تستجب إسرائيل لمبادرة السلام العربية، أو أن يظهروا متخلفين عن تركيا في حرصها على محاسبة إسرائيل. أما أهم تحد يواجهه العرب وخطابهم فهو الوعي من غيبوبة إقناع شعوبهم وأجيالهم الصاعدة بأنهم، وهم على ما هم عليه من حق وكثرة وثروة، قد تعبوا من القتال والصراع والمقاومة في حين لم تشك إسرائيل يوماً، على ما هي عليه من باطل وقلة، من ممارسة عنجهيتها ومن منازلتها الدائمة لهم شر منازلة. إن انسجام الخطاب العربي مع نفسه شرطٌ لاحترام العالم لهم واحترامهم لبعضهم بعضا أما التناقضات الكامنة فيه فهي تمارس عليه حصاراً تمنع عنه أي مصداقية، وإزالة هذه التناقضات شرط لفعاليته مثلما هي أيضاًً شرط لفك الحصار عن غزة. barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©