الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصادر نمو الاقتصاد الهندي

3 ابريل 2012
الموقع الجغرافي للهند يسمح ببروزها كقوة مؤثرة في موازين القوى على الصعيدين الاقتصادي والجيوسياسي. وهو ما يلاحظ منذ سنوات خلت، حيث سجلت الهند انطلاقة اقتصادية، وتحولت من دولة فقيرة جداً إلى إحدى المناطق الأكثر نشاطاً وحيوية على الصعيد العالمي، فنصيب الفرد من متوسط الثروة تضاعف خمس مرات في العشرين سنة الأخيرة. سبب نمو الاقتصاد الهندي حسب معظم الاقتصاديين، يرتبط بتحرير الاقتصاد، فبعد الأزمة التي عرفتها الهند أوائل تسعينات القرن الماضي (1991)، أقرت حكومة "نراشيمها راو" سلسلة من الإصلاحات الجذرية التي تهدف إلى تحرير الاقتصاد على الصعيدين الداخلي والخارجي. فعلى المستوى الداخلي، تمت إزالة القيود الرئيسية للمنافسة ابتداء من عام 1991، وألغت التراخيص الصناعية والاحتكار في الصناعات الرئيسة. أما على المستوى الخارجي، فتم الرهان على إصلاحات تدريجية تسمح بانفتاح الاقتصاد الهندي. إصلاحات تمثلت في تحرير الواردات بتخفيض معدل الرسوم الجمركية على المنتجات غير الزراعية الذي سجل نسبة قياسية وصلت إلى 355 في المئة سنة 1990، إلى حدود 50 في المئة بعد مرور خمس سنوات (1995)، لتصل إلى نسبة 10 في المئة مع حلول عام 2008. كما تم رفع القيود على الصادرات،حيث انخفض عدد المنتجات التي تخضع لسياسة المنع من التصدير من 185 منتوجاً عام 1991 إلى حدود 16 منتوجاً سنة 1992. كما عملت الحكومة على تحرير قطاع الخدمات بشكل تدريجي، مما سمح للشركات الأجنبية باستثمار رؤوس أموالها. كل هذه الإصلاحات التي اعتمدتها الحكومة، كان لها وقع كبير وواسع النطاق على الاقتصاد الهندي، من خلال تحرير القوى المنتجة والقطيعة مع عشرين سنة من سياسات التخطيط. لكن هذا لم يحل دون بروز بعض الآراء المخالفة، فظهرت في الواجهة بعض الأصوات التي تقف ضد هذا التحليل،وتطرح جملة من الانتقادات، نجملها في رأيين اثنين: الرأي الأول يطرحه كل من "داني رودريك" و"أرفاند سيبراماني" اللذين ينكران كون الإصلاحات التي عرفتها الهند في تسعينات القرن الماضي سبب في نموها الاقتصادي. فالنمو الاقتصادي الهندي بدأ من وجهة نظرهما في فترة الثمانينات، أي قبل تنفيذ السياسات الليبرالية، ما يعني أن هذه السياسات لا يمكن أن تكون أصل الانطلاق الاقتصادي. وتعزى هذه الانطلاقة والازدهار إلى تحسين وضعية المقاولات المحلية، تحت رعاية الحكومات المتوالية لأنديرا غاندي وراجيف غاندي. هذا الادعاء قد يصمد أمام أرقام النمو (متوسط معدل النمو في الثمانيات قريب من معدل نمو التسعينات)، لكنه لا يصمد أمام التحليل. فالنمو الاقتصادي في سنوات الثمانيات تم تمويله من خلال سياسات ضريبية توسيعة، التي تم تمويلها بالاقتراض الأجنبي. أدت السياسة الحكومية التبذيرية إلى مراكمة ديون خارجية لا يمكن تحملها، وإلى أزمة في ميزان الأداءات بدءا من سنة 1991. ومن باب المقارنة فقط، فالنمو الاقتصادي في العشرية الأخيرة من القرن الماضي (1990 إلى 2000)، كانت أكثر استقراراً نتيجة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الرامية إلى تحرير الاقتصاد من احتكار الدولة. أما الرأي الثاني، فهو الذي تقدمه الحركة المناهضة للعولمة، التي بالرغم من أنها تقر بالأثر الإيجابي لهذه الإصلاحات على نمو الناتج المحلي الإجمالي، فهي تدين حصيلتها وتداعياتها على الصعيد الاجتماعي. إلا أنها تعتبر أن الإصلاحات الليبرالية فاقمت، خاصة في المناطق الريفية، معدلات الفقر والهشاشة. بيد أن تحليل لغة الأرقام تدحض هذه المخاوف، فنسبة السكان الذين يعيشون في المناطق الريفية تحت عتبة الفقر انخفضت من 39,1% أواخر 1980 إلى 27,1 في المئة سنة 2000. أما على مستوى مجموع السكان، فسُجل خلال نفس الفترة انخفاض لعدد الفقراء من 320 إلى 260 مليون شخص. بالإضافة إلى تحسن مؤشرات التنمية البشرية، فحسب "أرفاند باناكاريا": "تحققت مشاريع مهمة فيما يتعلق بالزيادة في مستوى التعليم، والقضاء على التفاوت بين الإناث والذكور في ولوج المدرسة". الهند ليست بالنموذج الأمثل في مجال الحرية الاقتصادية: فقطاعات مهمة مثل الزراعة والطاقة لا تزال تحت وصاية الدولة، كما أنها لا تزال محتكراً ومنتجاً غير فعال في عدة قطاعات اجتماعية كالصحة والتعليم. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن بعض الحواجز في مجال التجارة الخارجية لا تزال قائمة. لكن بالرغم مما سبق لا ينبغي التقليل من أهمية التقدم المسجل إلى حدود الوقت الراهن: إنه درس لأفريقيا. جوفروا هيلج محلل سياسي فرنسي ينشر بالتعاون مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©