الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هموم الذات والمكان في صياغات مشهدية متباينة

هموم الذات والمكان في صياغات مشهدية متباينة
14 أكتوبر 2009 23:36
حفلت معظم الأفلام الخليجية الروائية القصيرة التي عرضها مهرجان الشرق الأوسط في دورته الثالثة بملامح سينمائية منحازة للنمط الواقعي، وللصورة الأقرب للأسلوب التسجيلي من أجل إيصال رسائل المخرجين الضمنية المشتملة على النقد والتمرد والاحتجاج، وبدا هذا النهج الفني واضحا أكثر في الأفلام القادمة من البحرين والسعودية، بينما قدم الفيلم العماني نمطا مختلفا من البحث والتجريب لترجمة هواجس النص المكتوب ومنح الفرصة للخيارات والرؤى الشخصية للمخرج، وفي سياق إخراجي مختلف حاول الفيلم الكويتي أن يرصد الأمراض الاجتماعية التي عصفت وما زالت تعصف بالاستقرار الأسري في المجتمعات الخليجية الحديثة. هنا قراءة في الأفلام الخليجية الخمسة التي قدمت صياغات مشهدية متباينة، ولكنها اجتمعت في النهاية على الرغبة والطموح في تقديم صورة الذات والمكان في إطار فن السينما ومفرداتها الخاصة. يتحدث فيلم «ثلاثة رجال وامرأة» للمخرج السعودي عبدالمحسن الضبعان وبأسلوب بصري مبتكر ومن خلال توليفات ملموسة وأخرى افتراضية عن الصعوبات التي يواجهها صناع الفيلم الشبان في ظل الظروف والإملاءات التي تفرضها التقاليد والمخاوف الاجتماعية الضاغطة والمعاكسة لطموحاتهم. يبدأ الفيلم على لقطة لثلاثة شبان في المقهى وهم يتناقشون حول تفاصيل فيلمهم الجديد، وبأسلوب أقرب «للفيلم داخل الفيلم» نكتشف أن الشبان الثلاثة يمثلون المخرج والمؤلف وبطل الفيلم، وتنتابهم حيرة كبرى حول وضع عنوان مناسب لمشروعهم الجديد، فالعنوان المقترح هو «ثلاث نساء ورجل»، ولكن الإشكالية التي تظل تطاردهم تتمثل في صعوبة إيجاد ممثلات في ظل التقاليد الصارمة. ويأتي الاقتراح الآخر بأن يقوم البطل بتمثيل أدوار النساء (الأم والزوجة والعشيقة)، وتتوالى الاقتراحات الأخرى حول الأسلوب الإخراجي المناسب ضمن مدارس عدة مثل الواقعية الإيطالية والواقعية الأميركية، ونرى على الشاشة نماذج من كلاسيكيات السينما الإيطالية والأميركية ومشهد لروبرت دي نيرو في فيلم «الثور الهائج» ولقطات استعادية أخرى لشارلي شابلن وغيرها من اللقطات التي تختزنها الذاكرة الأثيرة للسينما، وبأسلوب تهكمي وجريء في ذات الوقت يقوم المخرج عبدالمحسن الضبعان بإيراد حلول مستحيلة لإنتاج عمل سينمائي متخيل وافتراضي، لا يوجد سوى في أذهان النخبة المثقفة والمتنورة من السينمائيين الذين يملكون الحماس الكافي والمرجعية الفنية الخصبة، ولكنهم يفشلون في تحرير هذه الطاقات والرؤى أمام الكاميرا وأمام كل هذه العراقيل الذهنية والمكانية. تتكرر في ثنايا الفيلم صورة المرأة المنقبة التي تظل تراود لقطات النهاية وكأنها شبح جاثم ومقيم على كامل المشهد، فيتحول عنوان الفيلم ودون وعي من الجميع إلى «ثلاثة رجال وامرأة»، بينما تتبخر الاقتراحات الجمالية والأسلوبية والسردية للشبان الثلاثة في فضاء المقهى، وعندما يفشل الجميع في إيجاد خلاص مناسب لمصير الفيلم يلجأون للكاميرا ويسألون مخرج الفيلم نفسه كي يجيب على هذا السؤال/ المعضلة، وتأتي الإجابة صامتة وداكنة وتهبط تترات النهاية مع خلفية موسيقية من الفيلم التهكمي للأخوين كويين «يا أخي أين أنت»، وكأن الإجابة صارت رهنا للمجهول والمفارقة والتشاؤم أمام هكذا طموحات فنية مغرقة في تفاؤلها الأعمى. لون الأسى يقدم المخرج العماني خالد الكلباني في فيلمه الروائي القصير «بياض» نمطا تعبيريا يعتمد على استجلاب صورة الأسى وأطياف الفقد في إطار تجريبي يستمد من الفنون التشكيلية فضاء متحركا للأقمشة البيضاء الدالة على لون الموت، والملتحفة بهيئة الأكفان، هذا الموت الذي يتحول من خلال حركة الكاميرا واقتراحات المونتاج إلى كائن هلامي شرس يخطف الأحباب والأقرباء في غمضة عين ولا يفرق بين أحد. خلا فيلم «بياض» تماما من الحوارات، وجاءت اللغة البصرية المكثفة التي صاغها الكاتب (قيصر الهنائي) كبديل للإقصاء السردي الذي يمارسه الصمت ويتغلغل من خلاله إلى فضاء مفعم بالتأويل واللمح والإشارة، وهو الفضاء الذي جذب معه الشخصية الرئيسية في الفيلم إلى متاهة روحية معذبة، وإلى أنساق من الذاكرات والاستعادات التراثية لطقوس الدفن ومرافقة الموتى إلى مهجعهم الأخير، نجح مخرج الفيلم في توظيف الإنشاد الشعبي الحزين المتناغم مع البيئة الجبلية والبحرية التي لونت أجواء العمل بسحر الموروث رغم قسوة الحدث. ولكن ما عاب فيلم الكلباني وضع مقدمات شارحة في تتر البداية والنهاية مثل: «عندما يأتيك لون البياض بأحاسيس سوداء» ومثل: «عندما يكون البياض مخيفا ومرعبا، يتناقض مع شموخه الجميل» وهي عبارات تقريرية لا تخدم الدلالات الرمزية التي يمكن إيصالها من خلال الصورة وحدها، ومن دون حاجة لمساندات نصية ودعامات كتابية، عانى الفيلم أيضا من موسيقاه التصويرية المغرقة في الميلودراما التي أقحمتها النوايا البيضاء للمخرج من أجل تعزيز أجواء الحزن، ولكن الموسيقا المبالغة في حضورها تطغى في أحيان كثيرة على براءة وحيادية الصورة وتتحول إلى عبء مضاعف ومرهق لحواس المشاهد. طفولة لاذعة كيف يمكن للطفولة أن تساق إلى مذبحة الحياة بكل قسوتها وجبروتها، وكيف يمكن لابن الأرض أن يتحول إلى خادم للغريب.. وكيف تطمس هوية المكان من أجل حيز مرفه يحتله الآخر، هذه الأسئلة المؤلمة وغيرها حاول فيلم «زهور تحترق» للمخرج البحريني محمد إبراهيم محمد أن يطرحها بكامل عريها وجرأتها على المتفرج، مستندا في ذلك على قصة « كعك على الرصيف «لغسان كنفاني والتي يبدو أنها تحاور هواجس وانشغالات المخرج المنحازة للمستضعفين وللأطفال الذين كبروا قبل الأوان، والذين جرفتهم ظروف الحياة القاسية إلى مصائر عبثية ومعذبة. يتناول الفيلم قصة الطالب أحمد الذي يفقد أمه مبكرا ويفقد بعدها والده الذي يغيب في دهاليز الجنون فلا هو حي ولا هو ميت، بل هو ساقط في هوة الغياب القاحل والوجود المرّ. يضطر أحمد كي يعيل ما تبقى من أسرته إلى العمل كماسح للأحذية، ينظف أحذية الغرباء كي يسيحوا في الأرض التي أنجبته، وتتحول علاقته مع كراسي الدراسة إلى علاقة مبتورة ومتوترة، ويضطر للعيش في البيوت المهجورة، عندما لا يكون لديه ما يكفي لإطعام العائلة، ومن خلال استرجعات نصية بصوت الإعلامي المعروف حسن كمال يطرح المخرج آراءه النقدية من عين الكاميرا التي تجوب البلد وتلتقط التفاصيل المخيفة لحياة باتت تتبدل وتتشوه ملامحها ويتحول فيها الأطفال وكبار السن إلى باعة يقاومون فقرهم بما تبقى لديهم من مقاومة وصبر. ولكن ما قلل من التفاعل الداخلي مع الفيلم تلك الخطابات الوعظية المباشرة والتي مثلها عنوان الفيلم نفسه، وكذلك الموسيقا المصاحبة للمشاهد والتي ازدحمت بالحس الميلودرامي المفرط ـ ذات المشكلة التي عانى منها الفيلم العماني «بياض» ـ وكان الحل الإخراجي الأفضل هنا هو عرض الأصوات الحية والطبيعية للناس وحركة الشارع واستثمار لحظات الصمت التي يمكن أن تبوح بمعان أكثر عمقا إذا ما قورنت بالموسيقا المقحمة والزائدة عن الطاقة الجمالية للقطة أو المشهد. لعنة الشك على عكس النقد العام الذي قدمه الفيلم البحريني زهور تحترق، فإن فيلم المخرج الكويتي عبدالرحمن الخليف «همسات الخطيئة» يقدم نقدا ذاتيا للحياة الأسرية التي غلب عليها الانفتاح والتغريب وتقليد الآخر، وهي وللأسف عناصر غلبت على أسلوب تقديم المخرج لفيلمه، حيث لم ترد كلمة عربية واحدة في عنوان الفيلم وفي أسماء المشاركين لا في تترات البداية ولا النهاية، وهي إشكالية غريبة تطرح تساؤلا مرا حول الخوف من انقراض التعامل مع اللغة العربية لدى الجيل الجديد من المخرجين والدارسين في الجامعات الحديثة والمعاهد التقنية. عموما وبعيدا عن هذا التدخل العرضي، يتناول فيلم: «همسات الخطيئة» من خلال فلاش باك طويل قصة الزوج الذي تسيطر عليه هواجس الغيرة بعد فترة قصيرة من زواجه، وتساهم الظروف والأقدار والتفاصيل المريبة في تضخيم هذه الهواجس، فابن خالة الزوج كان يلومه ويحذره من الزواج من فتاة يتحدث معها من خلال الهاتف، لأنها يمكن أن تتحدث مع غيره في أي وقت، وبعد زواجه بفترة يعثر الزوج مصادفة على صورة زوجته في محفظة ابن خالته، كما تراوده شكوك كثيرة من تصرفات زوجته المريبة، وعندما يخبر زوجته بغيابه طوال اليوم بسبب انشغاله في العمل، يعود فجأة كي يكتشف وجود ابن خالته في المنزل مع زوجته، وفي فورة غضبه يصفع ابن خالته ثم يجهز عليه ويرديه أرضا. وتتكشف حقيقة ما حدث في نهاية الفيلم فابن خالته كان يحضر له مفاجأة الاحتفال بعيد ميلاده، وصورة الزوجة في محفظته كانت مخصصة لكعكة الميلاد. الفيلم ومن خلال نواياه الطيبة حاول الإشارة إلى النتائج المهلكة للشك وللغيرة العمياء التي لا تستند على أدلة واضحة، ولكن المشكلة تمثلت في المعالجة الدرامية التي غاب عنها عنصر الإقناع، وكذلك الضعف الواضح في إدارة الممثلين رغم وجود الممثل الكبير جاسم النبهان في الفيلم، وطغى على الفيلم الجانب الاستعراضي لحركة الكاميرا دون مبررات وكذلك الإفراط في استخدام اللقطات العلوية واستخدام (الكرين) بسبب وبدون سبب، وهي عناصر ساهمت في إضعاف بنية العمل وتفككه على صعيد النص والمعالجة البصرية. التمرد الأخير وفي آخر عروض الأفلام الخليجية يأتي الفيلم البحريني «ياسين» كي يكمل الخطاب النقدي للفيلم البحريني الآخر «زهور تحترق» ولكن من خلال قصة بدت أكثر تركيزا وأكثر ابتعادا عن المباشرة والتصريح، فمن خلال شخصية «ياسين» التي يجسدها الممثل البحريني القدير عبدالله ملك، يقدم كاتب السيناريو عيسى الحمر وصفا متقنا للشخصيات العفوية المتمتعة بطيبة بالغة، حيث يتحول مثل هؤلاء الأشخاص إلى ضحايا لعنف وجشع الآخرين يعاني ياسين من تأخر حصوله على منزل شعبي، كما يعاني من زوجته التي ترفض الإنجاب رغم تعلقه الشديد بالأطفال، وحجتها في ذلك هو صغر حجم المنزل الحالي، وتتأزم مشكلة ياسين عندما تأتي أخته إلى منزله كي تبيت في منزله الضيق بعد أن يطردها زوجها، وعندما يهرب ياسين من كل هذه المشاكل ويلجأ إلى البحر كي يذيب فيه همومه يفاجأ بعامل آسيوي يطرده من المكان بحجة أنه ملك خاص، عندها تثور ثائرته ويتمرد على طيبته المبالغة وينهال بالضرب على العامل، ثم يذهب إلى زوج أخته التي طردتها مرارا طمعا في مال ياسين، وينهال عليه هو الآخر بالضرب، وينتهي المطاف بياسين في مستشفى الأمراض العقلية، وهي النهاية التي أثرت على جو العمل قليلا لأنها لجأت لأبسط الحلول في هكذا قصص يزدحم فيها الضغط النفسي على بطل الفيلم كي يصاب فجأة بالجنون ويختتم على إثرها الفيلم. ورغم هذه النهاية المربكة إلا أن فيلم «ياسين» استطاع أن يقدم احتجاجه الخاص على الأوضاع الاجتماعية الجديدة التي همشت أبناء البلد وحولتهم إلى كائنات تائهة ومعزولة في جحيم التحولات الاقتصادية وسعارها الضاري الذي لا يستبد سوى بالضعفاء والمسالمين. خبراء عالميون في المكياج والأعضاء الاصطناعية خلال مسابقة أفلام من الإمارات ومن أشهر الأعمال المنجزة في هذا المجال ثلاثية بيتر جاكسون، سيد الخواتم the Lord of the Rings، والتي فازت عنها ورشة (ويتا) لصناعة المكياج الخاص والأعضاء الصناعية بجائزة الأوسكار لعامي 2002 و2004 لأفضل مكياج (في عام 2004 عن الجزء الثالث لفيلم «سيد الخواتم» بعنوان: «سيد الخواتم ـ عودة الملك»، وفي عام 2002 عن الجزء الأول بعنوان: «رفقة الخاتم»، بالإضافة إلى جائزة بافتا Bafta لعام 2002 عن أفضل مكياج للجزء الأول من سيد الخواتم «رفقة الخاتم». وتقدم لجنة ابوظبي للأفلام مسابقة «أفلام من الإمارات» لتشجيع الإنتاج السينمائي مع التركيز على الاعمال القصيرة والروائية والوثائقية وأفلام الرسوم المتحركة المنفذة على أيدي صناع سينما اماراتيين، وتساعد هذه المسابقة الطلاب الاماراتيين في المدارس والكليات والجامعات على عرض أفلامهم والتنافس على جوائز قيّمة. وقد تم إطلاق منحة الإمارات السينمائية لدعم صُنّاع الأفلام المحليين في إنتاج الأفلام الروائية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©