الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«محيطات».. مديح بصري للون الأزرق

«محيطات».. مديح بصري للون الأزرق
14 أكتوبر 2009 23:38
«المحيط مرآة كبيرة وعلينا اكتشاف الجانب الآخر من المرآة»، ترد هذه العبارة عل لسان الراوي في الفيلم التسجيلي الاستثنائي «محيطات» كي تفتح مجالا شعريا خصبا أمام المشاهد، وكي تدخل معه في تجربة بصرية عارمة وحافلة بالأحاسيس التي تعلو بالذائقة السينمائية إلى مراتب وأسفار روحية غير مطروقة. عرض الفيلم مساء أمس الأول في قاعة العروض الكبرى بقصر الإمارات واحتفى به مهرجان الشرق الأوسط كسهرة مخصصة لمنتصف أيام المهرجان، وما زاد من ألق المناسبة الحضور الجماهيري الكبير الذي عبر عن عشق خاص لهذه النوعية من الأفلام التسجيلية التي تتجاوز النمط التوثيقي وتذهب إلى مناطق مدهشة تلتقطها الكاميرا بكامل تفاصيلها الأسطورية الفاتنة. فيلم «محيطات» من إنتاج ذات الفريق الذي أدهش المتفرجين حول العالم عندما قدم لهم قبل سنوات فيلم «هجرة مجنحة» عن العالم غير المرئي لأسرار وخفايا هجرة الطيور، وهو من إخراج جاك بيران وجاك كلوزو، حيث يصف بيران فيلم محيطات بأنه: «يمثل تنوعا حياتيا مذهلا ولكن خطورة عرض هذه اللقطات الجميلة تكمن في أنها تعطي الانطباع بأن كل شيء رائع في المحيطات، لذلك كان لزاما علينا أن نقدمها بوفرتها وبهشاشتها أيضا»، ويضيف بيران: «أول درس يجب أن يتعلمه الأطفال من هذا الفيلم هو أن يتأملوا الطبيعة، فلكي يحموها وهم كبار يجب أن يقدروها ويحبوها وهم صغار». يبدأ الفيلم على مشهد مفتوح لأطفال يقتربون من الساحل ويثبت الكادر على وجه أحد الأطفال الذي يتساءل، ما هو البحر، ما هو المحيط؟ ويشرع الفيلم منذ هذه اللحظة التساؤلية في رمي شباكه البصرية نحو المجهول الغائر والمسكون بالغموض والرهبة، وعندما ترافق الكاميرا إحدى الزواحف البرمائية الآيلة للانقراض، يقدم الفيلم ومنذ البداية مضامينه ورسائله المتعلقة بالحفاظ على هذه الكائنات من الملوثات البشرية ومن هجمة الطامعين في ثروات المحيط والمساهمين في اختلال التوازن الطبيعي وبالتالي تهديد كوكب الأرض بكوارث بيئية لا يمكن التنبؤ بحجم دماراتها وتبعاتها المروعة. ومن أجل صياغة هذه الرسائل بشكل مؤثر وعميق يذهب الفيلم إلى موطن هذه الكائنات البحرية الوديعة والمسالمة، ويتمازج كليا مع طقوسها الفطرية وحياتها الاجتماعية المتوفرة على قدر كبير من الإلفة والحميمية والأناقة المفرطة. ويقارن الفيلم بين رغبة العلماء والسياسيين في اكتشاف الفضاء والذهاب بعيداً نحو الكواكب والمجرات الراكزة في ظلمات الكون، وبين المحيطات التي تعتبر هي الأخرى فضاء مائيا لا يخلو من الأسرار ومن المجرات الهائمة في الكون الأزرق الذي يداعب القارات الخمس، ترتحل المشاهد بعد هذه المقارنة الاعتراضية إلى الكواكب المطمورة في المحيطات وتستعرض في مشاهد ـ ربما يراها المتفرج للمرة الأولي بهذا القرب والتداخل ـ طقوس العيش الغريبة لهذه الكائنات التي تبعد عنا آلاف الأميال ولكنها تتقاطع مع دراما الحياة البشرية المطرزة بالفرح والخوف والصداقة والحب وبانكسارات الموت ونشوة الميلاد، إنه المحيط الذي وصفه فرجيل مرة بأنه امتزاج الفضة بالذهب، و تداخل ضوء القمر بالشمس، وهو البحر الذي نعته هوميروس في إحدى قصائده بأنه مظلم مثل الخمر! هذه النعوت والأوصاف التي استند عليها الفيلم بمعاييرها الشعرية والفنية والإيحائية تناغمت مع الجو الاحتفالي للتصوير تحت الماء حيث الدلافين والحيتان والأسماك الزاهية وقناديل البحر والحبار العملاق والطحالب والشعب المرجانية التي تتماوج على إيقاعات أوبرالية راقصة وتقيم مهرجانات وكرنفالات لونية غاية في السحر والتجلي، وساهم التصوير المذهل لصناع الفيلم في إلغاء المسافة الوهمية بين هذه الكائنات الرائعة وبين المشاهد، بحيث تحولت العلاقة بينهما إلى علاقة ود وصحبة واقتران عاطفي لا يمكن الفكاك من خصوصيته واندفاعه المهيب. ووفرت زوايا التصوير واللقطات المقربة في تحويل هذه الكائنات البعيدة في الأعماق إلى شخصيات تمثل أدوارا مميزة على مسرح الماء، هذا المسرح الذي يحتضن كل الألوان والديكورات والموسيقى الضاجة بالتحولات والقفزات الإيقاعية الناعمة. فالاخطبوط مثلا يتحول في هذا الطقس البصري واللون إلى كاهن الماء الذي يرفل في ردائه المخضب بالنور، بينما تتحول اللخمة إلى طائر رشيق يخترق الغيوم الهائلة من قناديل البحر البيضاء، ويصبح حوت العنبر هو ملك الماء المتوج بالزبد في فضاءات اللازورد، وتهبط طيور الخرشنة مثل سهام ملتهبة وسط قافلة الأسماك الفضية الصغيرة، بينما يجوس حيوان الأطوم الأسطوري وسط المياه مثل راهب تقوده التأملات السابحة دون وعي. امتاز فيلم المحيطات أيضا بالتجسيد الموفق للأصوات التي تصدرها كائنات المحيط، بحيث تتحول الحركة المباغتة للسلطعون مثلا إلى صوت حقيقي وملموس، كما أن خروج روبيان الماء العملاق من جحره يتحول إلى ضجة واضحة وآسرة لسمع المتفرج، وهذا التكنيك المبتكر الذي اتبعه صناع الفيلم ساهم في التفاعل الكلي مع سكان الأعماق، كما ساهمت ارتحالات الكاميرا نحو الأدغال والبساتين والحدائق البحرية في جنوح الفيلم نحو مشاهد أسطورية وخرافية، تأخذ المتفرج معها إلى مواطن الحلم والخيالات الصوفية المدوخة. ورغم هذه الرحلات التي تتجاوز العين وتخاطب البصيرة ومكامن الروح، فإن الفيلم لا يتخلى عن رغبته في التحذير من المخاطر التي يمكن لها أن تدمر هذه الأوطان الساحرة، لكائنات معزولة ومحايدة، لا تريد من الإنسان سوى أن يتركها لهيامها الفطري ولبيئاتها الطبيعية الهادئة، لأنه وكما يقول الفيلم فإن صيحات الأجناس البحرية المهددة بالانقراض لن تكون مسموعة إذا أهملها في يوم ما صناع القرار في العالم، وعلى البشر أن يحترموا الطبيعة ويفهموها، وإلا فقدوا كل الجمال وكل هذا السحر، ولن تكون المصالح التجارية الضيقة لبعض البلدان سوى معاول هدم لما بناه الخالق منذ ملايين السنين. يقدم فيلم «محيطات» مديحه البصري للكون الأزرق الكبير، ويحذر في ذات الوقت من سعار الطمع البشري الذي يهدد الجمال في كل بقعة من هذا الكوكب الرائع. فيلمان لبناني وروماني يشهدان ازدحاماً على تذاكر العروض حكايات الناس عن ثورات حالمة ودكتاتوريات طاغية شهدت قاعات سيني ستار في «المارينا مول» إقبالاً كبيراً من قبل أفراد الجمهور الذي اتصفوا بالنخبوية بامتياز عبر اختيار نوعية الأفلام التي يشاهدونها، وقال البعض من هؤلاء «إن المهرجان يقدم أفلاماً تحمل فكرة جديدة وحقيقية عن حياتنا، فالمهرجان فرصة لاكتشاف جديد السينما العالمية والمحلية بلغة عالية وتقنية فنية تعيد إلى الأذهان الماضي الجميل للسينما وتحاكي المجتمع بلغة قريبة إلى قلبه وعقله في آن معاً». من بيروت إلى فيتنام وعرض فيلم «ما هتفت لغيرها» في قاعة سيني ستار في «المارينا المول» في أبوظبي وسط إقبال جماهيري كبير من فئة الشباب والكبار الذين جاؤوا للاستمتاع بفيلم صورت أحداثه بين بيروت وفيتنام ودبي، للمخرج اللبناني محمد سويد، تصوير سينمائي ومونتاج باميلا غنيمة، صوت وموسيقى نديم مشلاوي. ويستعرض محمد سويد في فيلمه الوثائقي الطويل شهادات لرجال عايشوا تجربة الثورات الفلسطينية والفيتنامية وصولاً إلى تجربة الانتقال من الحرب إلى السلام وبناء الذات الداخلية بعد الحرب كما بناء المدن، داحضاً فكرة أن لا خيار أمام لبنانيي وعرب بيروت إلاّ هونج كونج أو هانوي، في رحلة بحث ابن في دفتر ذكريات أبيه ورحلاته عبر صفوف المقاتلين الثوريين في لبنان في سبعينيات القرن العشرين من خلال ملاحظات وخربشات في دفتر ذكريات تركها الوالد. ويستعير محمد سويد عنوان فيلمه الوثائقي الثالث الطويل من أحد أناشيد حركة فتح «ما هتفت لغيرها»، حيث ينقب قليلاً في تجربة لواء الشبيبة الشهير التابع لـ»فتح»، والتي تم تسجيل مقتطفات مقتضبة منها، ليروي حكاية رجال كانوا مرة أبطالاً ملحميين، لكنهم الآن مختفون أو مفقودون أو غيبهم النسيان. بين فرنسا وألمانيا كما عرض فيلم «حكايات من العصر الذهبي» ضمن عرضه الأول في الشرق الأوسط في قاعة سيني ستار 4 في «المارينا مول» بأبوظبي، وقد تم تصوير مشاهده بين فرنسا وألمانيا، وهو الفيلم الروائي الطويل الثالث لمخرجه كريستيان مونجيو، إلى جانب كل من رازفان ماركولسكو، هانو هوفر، إيوانا يوريكارو، وكونستانتين بوبيسكو، سيناريو المخرج نفسه، ومن إنتاجه بشراكة أوليج موتو، تصوير سينمائي ليفيو مارغيدان، أوليغ موتو وألكساندرو ستيريان، مونتاج دانا بونسكو، ثيودورا بنتشيو وإيوانا يوريكارو، موسيقى هانو هوفر ولاتشو جيمي، وتمثيل تانيا بوبا، ليليانا موكانو، ألكساندرو بوتوشن، ثيودور كوريان، إيمانويل برافو، وكالن شيريلا. وكان أول أفلامه «غرب» قد عرض في برنامج «نصف شهر المخرجين» في مهرجان كان 2002. وكان بداية ما عرف في السنوات الخمس الماضية بالموجة الجديدة في السينما الرومانية. أو سينما الحرية.. بعد سقوط نظام تشاوشيسكو الديكتاتوري بأقل من عقدين من الزمان. ويحكي الفيلم خمس قصص متناثرة أخرجتها مجموعة المخرجين الشباب من رومانيا، تروي حكايات الناس العاديين في ظل حكم الدكتاتور تشاوشيسكو لرومانيا، وبهذا الفيلم تبلغ حركة الموجة الجديدة الشهيرة في السينما الرومانية ذروة اشتهارها، فهذا فيلم عن الوطن عندما يتحول إلى سجن كبير بالمعنى المادي والروحي معا، الغرف مثل الزنازين وممرات السجون بين العنابر، والناس في الشوارع والسيارات والفنادق والشقق ما بين الصمت الخانق والثرثرة الفارغة. ويذكر أن المخرج كريستيان مونجو حصل على جائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي لعام 2007، عن فيلمه «أربعة أشهر، ثلاثة أسابيع ويومان».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©