السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشائعات.. كوارث «لفظية» تمشي على عجل

الشائعات.. كوارث «لفظية» تمشي على عجل
15 أكتوبر 2009 22:06
يمتلئ العالم بظواهر اجتماعية تستحق التوقف عندها للتأمل والبحث، وذلك لتأثيرها البالغ على مسار الحياة الطبيعية للعديد من الشرائح الاجتماعية، ومن بين هذه الظواهر التي تغلغلت في مجتمعنا نجد ظاهرة الإشاعة، التي نجم عنها انتشار أخبار ومعلومات غير صحيحة بين الأوساط الشعبية. والحقيقة أن انتشار الإشاعات لم يقتصر على حقل بذاته أو فئات معينة، وإنما طال كافة الفئات والشرائح المجتمعية، وهنالك الكثير من الأشخاص الذين تضرروا بسبب تناقل «الإشاعات» أو الأخبار الكاذبة التي لفقت لهم لأسباب متعددة، يمكن إجمالها بدافع الغيرة والحسد والكراهية، تهدف إلى النيل منهم شخصياً ومحاولة تحطيمهم مادياً ومعنوياً.. وتروي فادية ناصر، حادثة حصلت لها قبل عدة سنوات عندما سافرت إلى بلدها الأم للزيارة، بقولها: «تزوجت في بلدي بين عائلتي وأقربائي وأقمت هنالك مدة عامين أنجبت خلالها ابنتي الكبرى، وخلال إقامتي هنالك كنت سعيدة جداً، وارتبطت بعلاقة صداقة وطيدة مع جاراتي اللواتي كن يزرنني باستمرار ونتبادل معاً المجاملات الاجتماعية، بعدها حصل زوجي على عقد عمل في الإمارات وتبعته بعد أشهر قليلة، وقد انقطعت علاقتي مع هؤلاء الجيران بحكم الغربة، رغم أننا احتفظنا بذات الود والاحترام والمحبة الذي أقمناه عند تعارفنا، وفي إحدى زياراتنا إلى هناك خلال الإجازة أخذ الناس يسألونني عن علاقتي بزوجي كما سألوا زوجي عن علاقته بي، ولما استفسرنا عن السبب، تبين أن إحدى الجارات نشرت خبراً يفيد بانفصالي عن زوجي، وقد حاولنا معرفة السبب الذي دفعها إلى نشر الخبر لكننا لم نعرف، وفي النهاية خمنت أنه ربما يعود إلى دافع الغيرة والحسد، غير أنّي لا أنكر أن هذه الشائعة قد أضرت بي نفسياً وجرحتني في الصميم لكونها خرجت من أناس أكنّ لهم الحب». تمشي على عجلات ويتحدث مأمون عبدالجبار عن الإشاعة بقوله إنها كارثة «تمشي على عجلات» كناية عن سرعة انتشارها، وأنها تنبع من أشخاص ثرثارين جاهلين عديمي المسؤولية والإحساس، فهم لا يتوانون عن نقل الأخبار الكاذبة أو حتى اختلاقها ونشرها بين الناس، غير مدركين لأخطارها أو تأثيرها على البعض، فقد تودي إشاعة مغرضة إلى إزهاق أرواح أو خراب بيوت، يتابع: «وأنا أعلم بقصة حصلت لإحدى الزوجات حيث انتشر خبر مفاده أنها على علاقة برجل، وقد وصل الخبر لزوجها فما كان منه أن قتلها وسلّم نفسه للشرطة، لكن فيما بعد تبين أن الخبر ملفق من امرأة أخرى تغار من الزوجة وأرادت أن تدبر لها مكيدة، فأدى ذلك إلى إزهاق روح بريئة وخراب منزل بأكمله». ويشير مأمون إلى أن الإشاعات غالباً ما تصدر عن النساء، فهن اللواتي «اخترعن الكلام» وهن بطبعهن ميالات إلى مراقبة الآخرين وتناقل أخبارهم، وكذلك إلى الثرثرة وتبادل الأحاديث سواء من خلال الزيارات الشخصية أو عن طريق الهاتف أو حتى الإيميلات. ويقول عدنان عباس، مدير مدرسة، إن موضوع الإشاعة هو أكثر موضوع عانت منه المؤسسات التعليمية بشكل خاص في الآونة الأخيرة، لاسيما فيما يتعلق بموضوع انفلونزا الخنازير، حيث كثرت الإشاعات حول هذا المرض وانتشاره في بعض المدارس رغم عدم وجود ما يؤكد هذه الأنباء، والمشكلة الحقيقية في هذا الأمر هو عدم معرفة المصدر الذي تخرج منه الإشاعة، إلا أن ما يعرف حقيقة هو انتشارها كالنار في الهشيم وبسرعة كالبرق، فيما يصعب السيطرة على انتشارها فيما بعد أو إيقافها. ويؤيده في رأيه الدكتور محمد تيم، أخصائي أنف وأذن وحنجرة، بقوله: «لقد خرجت إشاعات كثيرة من الأفراد مفادها أن المطعوم المضاد لانفلونزا الخنازير والذي سيوزع على الدول العربية قريباً «مضروب» وملوّث هو خبر غير صحيح والهدف منه التشويش على الناس لعدم تناول المطعوم وهو بالتالي أمر سينعكس سلباً على حياة وصحة الأفراد.. وأنا شخصياً لو علمت أن المطعوم توفر في الأسواق لكنت أول من يأخذه». كاذبة فاسقة ويشير جمال عياد، أخصائي علم اجتماع، إلى أن الإشاعة غالبا ما تكون كاذبة إلا إذا كان يراد من إذاعة صحتها هدف معين، كما يحدث في الإشاعات التي تصدرها الحكومات لقياس أو دراسة أمر معين بين شعبها، أو كتلك الإشاعات التي يطلقها بعض الفنانين عن أنفسهم في بعض الصحف، لقاء مبالغ مالية، لجني الشهرة أو تحقيق مكاسب معينة كتعاطف الجمهور. لافتا إلى أن أي إشاعات تختلف ويختلف وزنها وقيمتها تبعا لنوعية الموضوع أو للوزن الاجتماعي للشخص أو المكان المستهدف، وعندما تتردد الإشاعة بين فئات كبيرة من سكان البلد فإنها تكون في مرحلتها الأخيرة من التصديق ولو كانت في واقع الأمر كاذبة، لكن مع استمرار تداولها لمدة من الزمن تصبح الحقيقة بعينها ولو لم يوجد الدليل على ذلك. يضيف عياد أن الإشاعة هي أقدم وسيلة إعلام، وهي الصوت الذي يعبر الأجواء المجتمعية بسرعة فائقة، وكان لفظ إشاعة له معاني كثيرة قبل القرن التاسع عشر، فالمجتمعات تتبنى تقاليد شفهية في مجال تصريف الأخبار، كما أن الإشاعة تعني الخبر الذي لا يعرف مصدره، حيث نقول على سبيل المثال: «يشاع أن أو الشائع أن» وهو للعلم دائما مبني للمجهول». والإشاعة هي أيضا نوع من التواصل و التفاعل بين الناس، كما أنها تعبير عاطفي محلي، ومراقبة مستمرة للجار والصديق والزميل وكل أفراد المجتمع الصغير والكبير، على حدّ قوله. ومن جهة أخرى يقول عياد إن بعض الباحثين يعتبر أن الإشاعة هي مجرد «بديل» يعوض غياب الحقيقة الرسمية، فالإشاعة تنتشر، عندما تتوقف المؤسسات- التي من المفروض أن تقدم الخبر المضبوط- عن مهامها الحقيقية، كالإعلام والقضاء ومجال الفكر النقدي. من ناحيته يؤكد الإمام حامد بن عثمان، إن الإسلام عالج قضية الإشاعة بثلاث طرق أولاها التثبت، وثانيها عن طريق نبذ ناقل الإشاعة ونعته بالفسق، وثالثها التفكير في عواقب هذه الإشاعة من الفساد والفتنة في الأرض. فقال تعالى في كتابه الحكيم: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نـدمين». فقد نعت مصدر الإشاعة وناقلها بالفاسق وتم التحذير منه، كما أنه دعا إلى التحقق من صحة الخبر قبل تصديقه، وثالثا أنه بين أن هدف الإشاعة هو الفتنة بين الناس وأن الذي يصدقها قبل أن يتحقق منها سوف يندم في النهاية إن ثبت العكس. وقد صرح النبي بذلك ففي صحيح مسلم: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع»
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©