السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صانعو الخيام يقاومون اندثار مهنتهم بسيف التراثين «الإسلامي والفرعوني»

صانعو الخيام يقاومون اندثار مهنتهم بسيف التراثين «الإسلامي والفرعوني»
15 أكتوبر 2009 22:09
في قلب القاهرة التاريخية يوجد حي الخيامية الذي يعتبر من أقدم الأحياء التي تحتضن الحرفيين والصناع الذين يمارسون صناعة الخيام ويعرفون بالخياميين وهي صناعة قديمة يرجعها البعض إلى العصر الفرعوني، وآخرون يرجعون نشأتها وازدهارها إلى العصر المملوكي عندما كانت تصنع للملوك والأمراء الخيام المزخرفة البديعة وظلت المهنة تتأرجح بين الازدهار والتراجع على مدى السنوات الطويلة السابقة إلى أن وصلنا إلى العصر الحالي الذي تعاني فيه المهنة الأمرين حيث يشكو صناعها والعاملون فيها مشكلات كثيرة مثل انقراض الصناع المهرة وغزو الخيام المطبوعة باستخدام تكنولوجيا النسيج لتتراجع مهنة الخيامية اليدوية. حي الخيامية في حي الخيامية العتيق يتعانق تاريخ المنطقة مع إبداعات الصناع المهرة وتشعر بأن هناك روحاً متواصلة تجعل هؤلاء الصناع وأصحاب الورش التي تتراوح بين 40 و50 ورشة حريصين على الاستمرار في صنعتهم التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم، وتتراص الورش متجاورة في شارع الخيامية وبكل ورشة ما بين 4 و 5 صناع يعكفون على إبداع منتجات الخيامية التي تتميز بالألوان الزاهية والخيوط الملونة لتخرج قطعاً فنية تستخدم في التزيين والديكور. ويعد منصور عبد الجواد واحداً من أقدم العاملين بهذه المهنة ويطلق عليه غالبية المحيطين به «لقب شيخ الخيامين» بدأ العمل منذ كان عمره 9 سنوات، بعد أن استهوته ملاحظة أدق تفاصيل هذا العمل من أخيه الأكبر، وبعد 4 سنوات من التدريب والمتابعة المستمرة تمكن من معرفة أسرار الرسم والخياطة والألوان على قطعة القماش وظل قرابة 40 عاماً ينفذ العديد من الرسومات على قطع من القماش في دكانه بمنطقة الخيامية. وعن تسمية هذا المكان الخيامية، يقول: «كان به العديد من المحال التي تقوم على صناعة الخيام ومستلزماتها، أما الآن فقد تغير الوضع بعد أن قل عدد صانعي الخيام وأصبح معظم العاملين من الشباب الذين لم تتكون لديهم الخبرة الكاملة في هذا المجال، وتحول النشاط إلى مجالات جديدة، فقد زاد إقبال أهل المنطقة على عمل اللوحات العربية والإسلامية التي تعلق في البيوت والمساجد إضافة إلى تنفيذ بعض المفارش». ويضيف منصور:»طبقاً لهذه الاختلافات التي تكمن في الصنعة، يختلف المسمى المهني لكل منها حيث يطلق على صانع الخيام «خيمي خيمة»، أما الذي ينفذ رسوم وتصميمات معينة على قطعة من القماش فيطلق عليه «خيمي إبرة». ويقتصر عمل الخيمي في الحالة الأولى على خياطة الرسم المطبوع على القطعة الأصلية، لكنها مهنة انتهت تقريباً منذ 30 عاماً ولم يتبق منها سوى تصميم تلك التكوينات التي تستخدم في سرادقات الأفراح والمآتم». الأقمشة الملونة يقول محمد عبد الرحيم، صاحب ورشة لتصنيع الخيام، إن الخيامية من الفنون التي تشتهر بها مصر منذ سنوات طويلة، وكلمة الخيامية تعني صناعة الأقمشة الملونة التي تستخدم في عمل السرادقات وتقوم على التطريز على الأقمشة السميكة باستخدام الألوان الزاهية والخيوط البارزة، ولوحات الخيامية تعلق بالغرف ويستخدمها البعض كديكور في البيوت، ولوحات الخيامية كانت تحظى بالرواج طوال العام من قبل السياح الذين يقبلون على شراء اللوحات التي تعود إلى العصرين الفرعوني والإسلامي، وجزء كبير يصدر للخارج، إلى أن اعترى المهنة أشياء كثيرة أثرت بالسلب على مسيرتها. ويضيف:«الخيامية من الصناعات التي تبرز موهبة صانعيها وإبداعاتهم الفنية وقدرتهم على الصبر والتحمل وخطوات صناعة الخيامية تبدأ بوضع التصميم الذي يتم تنفيذه ونقله على ورقة باترون تتم خياطتها في القماش الذي سيتم تطريزه ثم يتم وضع بودرة مخصصة لطبع الرسم على القماش حتى يتم التطريز ويقوم الصانع بعمل أكثر من وحدة من ذات التصميم ثم يقوم بخياطتها مع بعضها بعضاً من دون أن تظهر أي علامات للخيط على السطح الخارجي للقماش». ويؤكد عبد الرحيم أنه على الرغم مما تتميز به الخيامية اليدوية من الألوان وجودة الصنعة فإنها تواجه منافسة شرسة من الخيامية المطبوعة باستخدام تكنولوجيا صناعة النسيج وهو ما أدى إلى تراجع الإقبال على الخيامية اليدوية فضلاً عن تقلص عدد العاملين بالصناعة عاماً بعد عام وافتقاد الجيل الجديد المهارة اللازمة لاتقان المهنة وهو ما يجعل العاملين في مهنة الخيامية خائفين على مستقبلهم خاصة أن مئات الأسر تعتمد على هذه المهنة في دخولها وهذا يستدعي تدخل الدولة للحفاظ على هذه المهنة العريقة. مهنة موروثة يقول محيي الدين محمد صاحب ورشة إن صناعة الخيامية لا تعتمد على رؤوس أموال كبيرة وغالباً ما يتوارث الأبناء هذه الصناعة من آبائهم وأجدادهم لهذا يفضلون الاستمرار فيها وهي تعتمد على الخبرة الشخصية والذوق الفني الرفيع والصبر والعلاقات في تسويق المنتجات وزبائن الخيامية معروفون وهم السياح وأصحاب البازارات والفنادق الكبرى وهناك متعهدون يتولون تسويق المنتجات إلى عملائهم في الخارج وبالتحديد في اليابان وأميركا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا. ويؤكد أنه يقوم بتصنيع كافة الأشكال والتصميمات في ورشته حتى يراعي الأذواق المختلفة للزبائن بالنظر إلى حجم الإقبال على المهنة الذي تراجع بالمقارنة بسنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي التي شهدت العصر الذهبي للمهنة وكان السياح يحرصون على زيارة حي الخيامية واقتناء اللوحات الفنية والمفارش وأشهرهم الممثل الهندي أميتاب باتشان الذي اشترى عدداً من المفارش ذات الطابع العربي والإسلامي وهناك آل جور نائب الرئيس الأميركي الأسبق الذي حرص على زيارة حي الخيامية وشراء منتجات له ولصديقه الرئيس الأميركي الأسبق كلينتون عند زيارته للقاهرة بالإضافة إلى سفراء ونجوم الفن والسياسة الذين كانوا يسعون لتزيين بيوتهم بمنتجات متميزة من إبداعات الخيامية مثل نجوم الرياضة ومنهم محمود الخطيب، هاني مصطفى، عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية. 25 عاماً يقول الحاج عادل مصطفى، صانع بحي الخيامية، إنه يعمل في صناعة الخيامية منذ أكثر من 25 عاماً، ويلاحظ تراجع الصناعة من عام إلى آخر لانصراف عدد كبير من الصناع المهرة عن الصناعة وإغلاق أكثر من ورشة فقد كان يوجد أكثر من مئتي محل وورشة وصلت حالياً إلى أقل من خمسين محلا وورشة مع انتشار الأشكال المطبوعة التي تستخدم في سرادقات الأفراح والمآتم والموالد. وينبغي أن نحافظ على هذه الصناعة التراثية بأن ننشئ لها مركزاً تدريبياً يهتم بتخريج أجيال جديدة تواصل المسيرة. ويضيف أن العاملين في مهنة الخيامية عاشقون لها ويقاومون كل الظروف الصعبة التي تواجههم ويحاولون ابتكار وإبداع رسوم جديدة لينافسوا بها الخيامية المطبوعة وهناك تصميمات عديدة للخيامية منها الإسلامية ويتم اقتباسها من موتيفات المساجد المنتشرة في حي الأزهر والقاهرة الفاطمية ومنها التصميمات الفرعونية التي تطورت كثيراً وأشهرها زهرة اللوتس وهناك تصميمات مستوحاة من البيئة الشعبية كمناظر النيل والريف والأشجار والنخيل وهناك رسوم وأشكال أخرى مستوحاة من فنون الخط العربي وآيات القرآن الكريم وأبيات الشعر. ويقول أشرف هاشم، صاحب ورشة بحي الخيامية، إنه حاصل على ليسانس حقوق عام 1990 ولكنه رأى ضرورة الحفاظ على المهنة التي ورثها عن والده وكانت تحقق مكاسب معقولة حتى أصابها الركود لقلة عمليات التصنيع يدوياً وفرض ضرائب باهظة على العاملين بالصناعة مما أدى إلى تقلص عدد الورش والمحال العاملة في هذا المجال وهجرة العمالة الفنية وارتفاع أسعار الخامات من خيوط وأقمشة. ويضيف أنه يحاول مع غيره من الصناع والعاملين الحفاظ على الصناعة من خلال إدخال تصميمات جديدة تستلهم المناظر الطبيعية المستوحاة من البيئة المصرية بالإضافة إلى التصميمات التي تستلهم أشكال التراث الإسلامي والفرعوني في محاولة لإعادة الإقبال على المنتجات مرة أخرى. ويطالب وزارة السياحة المصرية بإنشاء محال صغيرة بجوار الفنادق والمناطق السياحية والبازارات لتسويق منتجات الخيامية المحببة للسياح الأجانب بالإضافة إلى إدراج منطقة الخيامية ضمن دليل السائح الذي يوزع على السائحين حتى يعود الرواج وتزدهر الخيامية. يؤكد الدكتور محمد حسام الدين إسماعيل، أستاذ الآثار الإسلامية، إن مهنة «الخيمي» معروفة منذ عهد المماليك، وكانت هذه الطائفة تتميز باتقانها للصنعة، واستمر هذا الأمر حتى العصر الحديث، ومع دخول تقنيات حديثة تدهورت الصنعة، حيث بدأ الحرفيون يعتمدون على النماذج الجاهزة مما أدى إلى انخفاض الإبداع. ويشير إلى أن تجمع الخياميين في هذه المنطقة يرجع إلى عصر المماليك حينما انشأ رضوان بك الفقاري «قيسارية» جعلت المنطقة تنسب إليه فيما بعد وتعرف باسم قصبة رضوان. و«القيسارية» هي تكوين معماري إسلامي يضم صفين من الدكاكين يطلان على شارع محوري وخلفهما صفان آخران واستغل رضوان بك الواجهة التي تطل على الشارع الأعظم وانشأ بها دكاكين كبيرة وغطاها بسقف خشبي وأقام بوابة لها، واختصت كل دكاكين المنطقة منذ ذلك الوقت بصناعة الخيام ومع مرور السنوات قلت مساحة القيسارية واختفى أكثر محالها
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©