الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

البرونز معجوناً بالمسرّات

البرونز معجوناً بالمسرّات
12 يناير 2014 00:07
محمد وردي (دبي) - في معرض نحتي، بدبي، تحضر عوالم المثال اللبناني الراحل ألفرد بصبوص الجمالية عبر مجموعته البرونزية التي تحكي بمجملها رواية الجمال وعالمه المرهف، وفضائه الشفيف. المعرض الذي يقام تحت عنوان «الفرد بصبوص – المجموعة البرونزية» في «أوبرا غاليري» بمركز دبي المالي، ويستمر حتى الثامن عشر من الشهر الجاري، يضم أربعين منحوتة برونزية مختلفة الأحجام، وعشرين مخططاً ورقياً لبعض المنحوتات البرونزية المعروضة. ذلك لأن الفنان بصبوص اعتاد أن يرسم أفكاره على الورق في بعض الأحيان، وبعد محاكاة مع الفكرة المرسومة على الورق، قد تمتد لساعات، وربما لأيام، يشرع بالعمل لإنجاز المنحوتة، حسب قيّم المعرض فادي بصبوص، نجل الفنان الراحل. منحوتات بصبوص البرونزية تحكي في مجملها العالم المفتوح على كل النهايات البهيجة، المعجونة بالحكايات والمسرات، التي تداعب المخيلة، وتستدرج الروح إلى مدارات المتعة البصرية، برقة العطر وعذوبة الشجن. فالمرأة لدى الفنان الراحل ألفرد بصبوص هي الثيمة الفنية الأسمى والأرقى، كونها تمثل لديه، النهر الجاري أبداً، المحمّلْ بالرموز والدلالات والمعاني، التي تفيض بالأسرار والألغاز السحرية الغامضة، المطرزة بالدلال الأنثوي الماتع، المضمخة بعبق الفتنة والغواية الآسرة، من دون انقطاع أو توقف، وكأنها روح المكان وقلب الزمان، مادامت الخطيئة تفاحة، والإثم ديدن الإنسان. من دون شك، إن الفنان بصبوص مسكون بسحر المرأة، لذلك جعل من طيفها عجينة لرؤاه الفنية والجمالية، يشكلها بأقصى ما تحتمل الدهشة من غرابة، وأبعد ما تختزن الفكرة من دلالة، كما هو شأنها في منحوتة «امرأة واقفة»، التي يمكن أن نسميها «المرأة الكتاب»، حيث جعل من خصرها ونزولاً حتى ما قبل الساقين موطن الغواية بكل بهائه وسحره الفتاك. أما الساقان فترك للفراغ يحكي حكايتهما. في حين جعل من رأسها وصدرها كتاباً مفتوحاً، دلالة على اتساع المدى أو الحيز الجمالي، وامتداد الأفق الفلسفي، الذي تشغله بأنوثتها وخصوبتها في كل الحالات وعلى مر الأيام والأزمان، وفي الوقت عينه دلالة على تعدد الرسائل والإشارات، التي توزعها في كل الاتجاهات، سواء من حيث كونها عاشقة ومعشوقة، أو من حيث كونها أماً ومأمومة، قبل كل التفاصيل، التي يمكن أن تكون عليها في الحقل الاجتماعي العام. كذلك الأمر في منحوتة «حركات بهلوانية» أو «أكروبات»، حيث جعل من ثنائي، هو بالضروة رجل وامرأة، في حالة اشتباك روحي لا فكاك منه، ولكنه بكل الأحوال ليس اشتباكاً بالمعنى السلبي أو الصدامي، لأن الاشتباك في دورانه المستمر، بدى وكأنه في غاية الانسجام والتناغم في تبادل الأدوار. ما يعني أنه إشتباك إنساني، أقرب إلى التوحد والاندماج الكلي بين حركة الأنثى والذكر، بالمعنى الإيجابي المطلق. الأمر عينه يتكرر في منحوتة «الثنائي»، فالثنائي يقفان بشموخ الزنبق المُمَوّسَقْ، المتفتح بضوعه الرخي، الذي يشبه سخاء الندى في الصباحات الربيعية. ولكن الخطوط والزوايا على انحناءاتها أو ميلانها التَيّاه، تركت سحر الانسجام والتناغم يظهر ما بين الكتلة التي تمثل القامتين، المرتبطتين بقاعدة أشبه ببصلة زنبق مزدوجة، وبين الفراغات الممتدة سواء فيما بين القامتين أو حولهما، ما جعل الرأس لدى القامتين وكأنه أشبه برأس غزالين يتطاولان بحذر ليستطلعا حركة غريبة باغتتهما على حين غرة. ولا يبتعد الأمر كثيراً في منحوتتي «الأم والطفل» و«سحر المرأة»، فالفنان ألفرد بصبوص مهجوس بجمال المرأة الروحي ودفء أمومتها، ولكنه لا يقل شغفاً برقتها ورشاقتها وانسيابية جسدها، فيجعل الفراغ والخطوط المتناغمة مع الكتلة تحكي أسرار أنوثتها وسحر جاذبيتها المتوقدة أبداً. في الواقع إن جميع المنحوتات الأربعين في معرض «ألفرد بصبوص – المجموعة البرونزية» تستوحي فلسفتها الجمالية والفنية من طيبات الأنثى المتدفقة على الدوام بعطائها وبهائها. الفنان الراحل ألفرد بصبوص أنجز خلال مشواره الفني، الذي قارب الخمسين عاماً نحو أربعة آلاف منحوتة، حجرية وخشبية وبرونزية. وأقام معرضه الأول في بيروت عام 1958 . وتوزعت بعض أعماله على الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبلجيكا والنمسا واليابان والعديد من بلدان العالم، فضلاً عن عشرات البلدات والمدن اللبنانية. كان يقول: «أنا لا احب الفلسفة ولا التفلسف لدى الكلام عن الفن، وأميل من زاويتي الى القول إني أنا الفلسفة، حجري فلسفتي، سواي يعبّر عن نفسه بالكلام وأنا أحكي بالحجر. مفرداتي حجرية»، ويضيف «علاقتي بالحجر طقسية وجدانية داخلية، أنا أحكي في نحتي، سواي يحكي بالكلام، بالمفردات، بالجمل... أما أنا فلأعبّر عما في داخلي أتناول مطرقتي وأزميلي وأضرب حجري فينطق بصوتي؛ صوت مطرقتي صوتي؛ واليوم الذي لا أعمل به أشعر أن أشياء كثيرة تنقصني، وأن ذاك اليوم ليس محسوباً من عمري، ومع ذلك حتى الآن لم أجد نفسي». المعرض نظمته «مؤسسة ألفرد بصبوص»، برعاية رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم ألبير متى، والقنصل اللبناني في دبي والإمارات الشمالية سامي النمير.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©