الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ساخرون

ساخرون
6 يونيو 2010 20:59
نبلاء رغماً عن أنوفنا كانت أمي تصر على ظهورنا أمام الضيوف بمظهر النبلاء والأرستقراطيين: نأكل ببطء، ونأكل قليلاً، ولا نمد أيدينا إلى ما مُتعوا هم به. لذلك كنا ننتظر بفارغ الصبر إطلاق إشارة تنظيف المائدة، لنملأ الصواني بالأطباق الملأى بالطعام، فأمي واسعة العينين كانت تطبخ للضيف الواحد ما يكفي لعشرة، وللعشرة ما يكفي للمئة. ونبدأ نحن الأشقاء الأربعة في الانتقام من الطعام وهو فوق رؤوسنا على الصواني في طريقنا من مجلس الضيوف إلى المطبخ. كل واحد يحمل صينية على رأسه، وأثناء ذلك يضع يده عشوائياً ويلتقط أي شيء: سمبوسة، فطيرة، قطعة لحم، كل واحد وحظه وما قدّره الله له. ثم يضع ما ساقه إليه القدر في فمه مباشرة محاولاً بلعه قبل الوصول إلى المطبخ حيث أمي وأخواتي بانتظارنا، أو يدسّه في جيب كندورته، ولا يهم أن تتلطخ الكندورة بالزيت، فالصابون كثير ولله الحمد. وفي بعض الأحيان كنا نضع الصينية على الأرض في الطريق بين المجلس والمطبخ، ونلتهم ما صغر حجمه ولذّ طعمه. بعد وصول الصواني إلى المطبخ، كانت أمي تسمح لنا بفرش سفرة وتناول بقايا الطعام أو بالأحرى الطعام الزائد والكثير، أو نضع الصواني على طاولات المطبخ ونأكل منها ونحن واقفون. وشتّان بين مَن يأكل قاعداً بمعدة مضغوطة مثل آلة الأكورديون الموسيقية، لا يمكن أن تستوعب الكثير من الطعام، وبين مَن يأكل واقفاً بمعدة مشدودة إلى الأسفل مثل بالوعة لا نهاية لها. وشتّان بين مَن يأكل ليسد جوعه، وبين مَن يأكل انتقاماً من اللحظات التي كان يصارع فيها نفسه ويأكل ببطء، وكمية قليلة، وبمنتهى الأدب والزهد والنُبل. تروى في أسرتنا قصص للنُبل الإجباري، منها قصة إحدى شقيقاتي وكانت طفلة حين اصطحبتها أمي لزيارة أحد معارفنا. فبعد تبادل السلام والقبلات، قدمت المستضيفة فاكهة وحلوى، وأخذت تلحُّ على أمي بأن تتناول شيئاً وتعطي الصغيرة ما تشتهي. أعطت أمي موزة واحدة لشقيقتي وأخذت هي برتقالة وراحت تقشّرها ببطء. لكن شقيقتي أخذت تشير إلى طبق حلوى عمانية وتطلب من أمي أن تأكل منها، بينما أمي تداري غضبها وتقرص أختي لتسكتها لئلا تمرّغ كرامة الأسرة في الأرض وتجلب لنا العار دنيا وآخرة. وكلما تحدثت أمي في موضوع، قاطعتها المستضيفة وألحّت عليها لتعطي بعض الحلوى لشقيقتي التي لم تكن تكلّ ولا تملّ من الإشارة. هكذا بقي الثلاثة في شدّ وجذب: أختي تشير إلى الحلوى، وأمي تقرصها، والمستضيفة تلح. في طريق العودة بشّرت أمي شقيقتي بأنها ستشتري لها حلوى تكفيها أبد الدهر. وفعلاً اشترت علبة ومشت معها شقيقتي وهي تقفز من الفرحة ومن حنان أمي الذي غمرها كأنه موجة عاتية مفاجأة. في البيت وضعت أمي العلبة أمام أختي ومنعت البقية من مشاركتها، فأكلت أختي بسعادة غير مصدقة ما يحصل. بعد أن أتت على ربع العلبة وشبعت وحمدت الله ربّ العالمين، وصلّت على رسوله وآله وصحبه أجمعين، همّت بالوقوف لكنها حصلت على ضربة موجعة على ظهرها من يد أمي، قالت لها: لن تقومي من مكانك إلا والعلبة فارغة تماماً يا حيوانة. اضطرت أختي إلى أكل كل الحلوى بدموعها وضربات أمي. هكذا كانت أمي تعلمنا الأخلاق الحميدة أمام المائدة، وأخلاق النبلاء أمام الضيوف والمستضيفين، لدرجة أن أختي كرهت الحلوى ولم تذقها منذ ذلك اليوم، حتى بعد أن أصبحت جدة عجوز. أحمد أميري Ahmedamiri74@yahoo.com رباعية الأنين في بلاد التين (1) كشف بحث بريطاني أجراه علماء من جامعة نيوكاسل أن احتساء الشاي يساعد في الوقاية من مرض (الزهايمر) لأنه يبطئ عمل انزيم (التيلكولين) المسؤول عن هذا المرض الحقير. لو كان هذا الاستنتاج صحيحاً لما أصيب أي عربي بالزهايمر.. اذ اننا كنا كما تعلمون نفطر ونتغدى ونتعشى على الشاي والخبز... وشرب الشاي عادة مستشرية بيننا، وكانت الكميات التي تعاطيناها كفيلة بالغاء هذا المرض من قاموسنا، خصوصاً في الأرياف والمدن الصغيرة حيث الفقر مستأصل. لكن للأسف فإن عدداً من معارفي ماتوا بهذا المرض بعد ان (سمطوا) عشرات الأمتار المكعبة من الشاي في حياتهم. يبدو أن (الزهايمر) تبعنا يختلف عن (الهزهايمرهم)، لأنه يصيب ذاكرتنا التاريخية والسياسية دون ان يمس ذاكرتنا العادية، وهذه أعراض يعاني منها العرب بشكل جماعي بحيث لا يكفي إغراقنا في (محيط) من الشاي للتخلص من هذه الأعراض. (2) أعجبني عصفور التين الذي وجد له مكان في المثل الشعبي الأردني، إذ حينما يرغبون في وصف كائن دائم الشكوى والتذمر يقولون انه مثل (عصفور التين... بوكل وبنين)... عصفور يجيد الأكل والشكوى والأنين حتى يكثر لحمه وتنتفخ أوداجه ويتكاثر، فتسمح جمعية حماية الطبيعة باصطياده خلال.. فلا تعترض هيئة الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن، ولا دول التحالف. شجرة التين بالمناسبة تختلف عن الأشجار الأخرى في ان ثمرها يظهر ويبرعم قبل الورق، واذا ظهر الورق قبل الثمر فإن الفلاح اما ان يتجاهلها او يقطعها لانها من جماعة (الثمر أولا)... وإذا ظهر الورق أولا فلن تثمر في ذلك العام. عصفور التين وزملاؤه.... هناك جمعية وطنية تحميه وتسمح بقتله، فقط، في أوقات محددة، اما نحن فإنهم يقتنصوننا في كل زمان ومكان... لأننا، ببساطة، مشاع!! (3) تعرفون السيرك بالطبع.....ترون المدرب يحمل سوطا طويلا يلوح ويصفق به في الهواء فيقفز الحيوان في دائرة النار، أو يقف على قوائمه أو يجلس على مؤخرته، سواء كان الحيوان أسدا أم نمرا حصانا أم قردا أم فيلا أم بطريقا أم نملة. كل واحد عليه أن يؤدي نمرته المطلوبة منه، فإن أجاد يعود إلى قفصه ليتناول وجبته وينام استعدادا للنمرة التالية المناطة به. أما من يفشل في تنفيذ نمرته، أو يتقاعس عن القفز من دائرة النار، فإنه يتعرض لضربات السوط اللاهبة، ثم يعود إلى ساحة التدريب حيث ينفرد به المدرب في برنامج تدريبي قاس يعتمد على السوط أولا وأخيرا. ومن يفشل في استيعاب العبر والدروس ولا يستفيد من البرنامج التدريبي المكثف، فإنه يتحول إلى كتلة لحم ترمى للحيوانات الأخرى الملتزمة في تنفيذ برنامجها، على سبيل المكافأة. طبعا هناك لاعبون آخرون يتقافزون على الحبال ويمسكون بأيدي بعضهم في الهواء، ويسيرون على الحبال أو يتشقلبون على ظهور الجياد المسرعة.. وهناك آخرون يبتلعون السكاكين، وآخرون ينفثون النار من أفواههم أو يأكلون الزجاج أو يدخلون الخناجر في أفواههم. (4) جاء مراقب التموين إلى مزرعة دجاج، وسأل صاحب المزرعة ماذا يطعم دجاجاته، فقال بأنه يطعمها قمحا. فحرر له مخالفة ولما سأله صاحب المزرعة عن السبب قال: - مش عيب عليك، الناس مش شبعانة خبز... وانت تتطعمي دجاجاتك قمح؟؟ الأسبوع التالي جاء مراقب التموين وسأل عن أكل الدجاجات، فقال الرجل بأنه يطعمها شعيرا. فحرر فيه المراقب مخالفة. في الأسبوع الثالث جاء المراقب وسأل ذات السؤال، فقال صاحب المزرعة: - صرت أعطي كل دجاجة ريال... وهيه بتشتري وبتوكل اللي بدها إياه. يوسف غيشان ghishan@gmail.com هلاوس قتلة القصص هناك أناس يتمتعون بصفة مهمة؛ هي أنهم قد خلقوا بفطرتهم قتلة للقصص، ولا شك في أنك قابلت الكثيرين منهم ما لم تكن أنت واحداً منهم. مع هؤلاء لا يمكن أبداً أن تكمل أي قصة تبدأ فيها.. النمط الأول من هؤلاء القوم وصفتْه بدقة (ألف ليلة وليلة)، مع شهرزاد التي كانت تقول دائماً: «وما هذه بأغرب من قصة الحمال والفتيات الثلاث.. الخ».. أنت تبدأ سرد قصتك عن عودتك لدارك ليلاً، عندما هبط ذلك الطبق الطائر القادم من أورانوس أمامك.. عندما.. هنا يقاطعك ذلك الرجل قائلاً: ـ»ليس هذا بأغرب من قصتي أنا مع الطبق الطائر القادم من بلوتو.. حدث هذا منذ عشرة أعوام عندما...و ........» وتنتهي قصتك عند هذا الحد بلا أمل في استمرارها، وتتحول إلى مستمع مهذب بعد ما كنت محدثاً لبقاً.. هناك نمط الرجل الذي يتوقف عند التفاصيل ولا ينتظر الصورة الكلية. كنت مع واحد من هؤلاء عندما بدأت أحكي قصتي: ـ»إن لي أخاً يعمل موظفاً بالإسكندرية و...» وقصتي طويلة تحكي عن جولة أخي على الشاطئ، ثم رؤيته لتلك المرأة التي تمشي فوق الأمواج وتشع لوناً أخضر، وكيف تبين أنها غرقت منذ أعوام.. الخ.. الهراء المعتاد الذي يمتعني جداً أن أحكيه. لكن صديقي يقاطعني عند هذه النقطة. يمصمص بشفتيه ويضحك ضحكة مقدرة لروعة قصتي ثم يبدأ الكلام: ـ»إسكندريه!.. مدينة رائعة الجمال.. لقد أقمت فيها لفترة عام كذا و.. و...» وهكذا أدركت في ذعر أن قصتي انتهت عند هذا الحد.. تمالكت أعصابي للحظات ثم سألته في غيظ مكظوم: ـ»اسمع.. لو كانت قصتي تبدأ وتنتهي بأن لي أخاً موظفاً في الإسكندرية فأنا مجنون!.. ولو ظننت أن قصتي انتهت عند هذا الحد فأنت مجنون». يقول لي العبارة الشهيرة: ـ»آسف.. حسبتك أنهيت كلامك.. آسف.. أكمل يا أخي».. ويصغي في استسلام الفلاسفة وصبرهم. تواصل أنت سرد قصتك عن الليلة التي اضطر فيها أخوك للمشي على الشاطئ ليلاً و.. لكنك تدرك أن صاحبك هذا لا يصغي لحرف مما تقول.. إنه يرتب أفكار قصته هو ينتظر بفارغ الصبر حتى تصمت أنت.. فما أن تفرغ من قصتك حتى تشهق وتنظر له في انتصار متوقعاً أن يموت من الضحك، أو يتوقف قلبه رعباً، أو يصفق في حماسة، لكنه يبتسم ابتسامة سريعة ثم يقول: ـ»هه هه.. إسكندريه!.. مدينة رائعة الجمال.. لقد أقمت فيها لفترة عام كذا و».. وتبدأ قصة أخرى تماماً.. هذا يذكرني بنمط آخر تعرفه أنت جيداً.. نمط مصاص الأفكار على وزن مصاص الدماء.. إنه يقول ما قلته أنت لتوك باعتباره إبداعاً خاصاً به. مثلاً تقول أنت: ـ»معظم الأجهزة الإلكترونية الصينية مزودة بقابس به سلك أرضي.. وهذه مشكلة». يصغي لك بعض الوقت، ثم يهز رأسه موجهاً الكلام لمن معكما: ـ»هل تعرفون ما خطر لي أمس؟.. إن الأجهزة الصينية مزودة بقابس به سلك أرضي.. هذا يجعل الحياة أكثر تعقيداً.. ورأيي هو»... ـ»أنا قلت هذا».. لكنه لا يعلق ولا يبدي اهتماماً ويواصل قصته. إنه كمن يستولي على قطعة أرض خاصة بك ويزرعها ويبني عليها أمام عينيك. لقد صارت فكرته وانتهى الأمر وعليك أن تثبت العكس.. أما أعتى قتلة القصص طرًا فهن النساء .. لقد خلقن قاتلات قصص ومن المستحيل أن تكمل أي قصة مع أي امرأة فضلاً عن أن تصغي لك أصلاً. إنها تتظاهر بالإصغاء لك وهي ترتب في ذهنها ما ستقوله بمجرد أن تفرغ أنت.. وغالباً سيكون شيئاً لا علاقة له بكلامك. تتكلم أنت عن وضع الشرق الأوسط أو عن الاتحاد الأوروبي أو عن حادث السيارة الذي رأيته أمس، فتقول هي إن أباها كان يغلظ لها المعاملة في الماضي، أو إن زوجها ابتاع لها غسالة جديدة.... هناك نمط السيدة التي يشرق وجهها كلما اقتربت أنت من ذروة قصتك، وتشعر بأنها تموت من فرط استمتاعها بالقصة، وفجأة تسألك: ـ»هل ارتفعت أسعار اللحوم عندكم كما ارتفعت عندنا»؟ وهناك نمط قرأت مقالاً كاملاً عنه في مجلة أميركية، هو نمط السيدة العصابية التي توقفك فجأة في ذروة قصتك بحركة درامية من يدها: صه!.. هل سمعت هذا الصوت؟؟ أقسم أن هناك من يتحرك في الصالة!! نعم.. إن الاستماع فن عظيم لكن ليس له جمهور بيننا للأسف.. ولو كان له جمهور فهو بالتأكيد من الرجال فقط. د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©