الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عمر البلوشي: لولا الشهادة ما تحملت الغربة

عمر البلوشي: لولا الشهادة ما تحملت الغربة
8 ابريل 2011 20:11
لم يكن باعتقاد عمر البلوشي أن الندم والحسرة سيراودان فكره عندما رفض المنحة التي قدمها له نادي النصر، ووافق على الابتعاث إلى خارج الدولة لدراسة هندسة الميكانيك في أستراليا، خاصة بعد مكوثه في الفندق لمدة ستة أيام متواصلة لا يحرك فيها ساكناً ولا يفعل شيئاً، وذلك بسبب جهله بما سيفعله وعدم معرفته بالمنطقة بعيد وصوله للمدينة التي ينوي الدراسة في إحدى جامعاتها، مما أصابه بالملل الشديد والندم. تخرج الطالب المبتعث عمر أحمد البلوشي في معهد التطبيق التكنولوجي بالإمارات، ونال شهادة تقريباً تعادل الشهادة الثانوية في مجال التكنولوجيا، مما أهله ذلك للانتساب إلى تخصص الهندسة المكانيكية في إحدى الجامعات الأسترالية من دون الحاجة للدخول في المرحلة التأسيسية لهذا التخصص، وبالرغم أنه كان يحلم بدراسة إدارة الأعمال والتسويق، إلا أن تحصيله في معهد التطبيق التكنولوجي أفسح له الطريق لدراسة هذا التخصص والذي تمت الموافقة على الابتعاث لدراسته. ويدرس الطالب البلوشي «21 عاماً» في جامعة ديكن بمدينة «جيلونج»، وهو في السنة الثانية هندسة ميكانيك، ووقع اختياره على هذه المدينة لما تتمتع به من طبيعة ريفية هادئة، وذلك بعد أن غادر ملبورن بسبب صخبها. وعن تفاصيل ابتعاثه للخارج، يقول البلوشي: «كانت فكرة الدراسة في الخارج في ذهني منذ طفولتي، وبعد النجاح في معهد التطبيق التكنولوجي تقدمت بطلب للابتعاث الخارجي، يحدوني الأمل بقبول طلبي، حيث إن معدل نجاحي كان 95%، مما يؤهلني للحصول على موافقة الوزارة». ندم وتفكير بالعودة ويتذكر البلوشي مشاعره جيداً عندما استقبل اتصالاً من وزارة التعليم العالي لتنبئه بقبوله في الابتعاث، يقول: «مع أني كنت شبه متأكد بالقبول، ولكن عندما تأكد ذلك من خلال الاتصال أحسست بفرحة عارمة لا يمكن وصفها، في اني مقبل على حياة جديدة مملوءة بالتحدي، في مجال تخصصي». ومع أنه لم يواجه أي صعوبات خلال مرحلة التجهيز للسفر، إلا أنه لا يزال يتذكر أيضاً شعوره عند وصوله أستراليا، حيث سيدرس فقد تغير شعوره إلى النقيض تماماً، لتتملكه أحاسيس الخوف من الغربة وعدم الاستقرار، يقول البلوشي: «لقد أخذتني المشاعر وتضاربت لدي الأحاسيس بسبب الخوف والإحباط وعدم الاستقرار، وبصدق عند وصولي إلى أستراليا، تبادر إلى ذهني سؤال خطير لم أحسب له حساب، وهو هل ارتكبت غلطة عمري بحضوري لأستراليا؟ وفكرت بالعودة كي أكون بين أهلي وناسي في الإمارات».. ولكن وخلال فترة وجيزة تجاوز البلوشي هذا الإحساس الصعب، مؤكداً: «لا تأخذ هذه المشاعر الوقت الطويل للتغلب عليها، ويمكن أن نتخطاها خلال الأشهر الأولى، وخاصة عندما تفكر بصوت العقل والمنطق وليس بالعاطفة». اعتمد الطالب البلوشي على نفسه منذ البداية في البحث على الجامعة، وكان اختياره بناءً على شهرة الجامعة، خاصة أن لديها فروعاً كثيرة حول العالم، بالإضافة إلى السمعة الجيدة التي تتمتع بها الجامعة في مستوى التعليم، ويتابع المبتعث البلوشي: «كل هذه المعايير ساهمت في اختيار الجامعة، كما أن موقعها في منطقة شبه ريفية، مع قلة الوسائل الترفيهية، ساهم في اختياراتي؛ لأن ذلك يساعد على التركيز في الدراسة، وباعتبار أن 95% من سكانها هم من المواطنين الأستراليين، الأمر الذي يعزز ممارسة اللغة الإنجليزية باستمرار، وبالتالي سيسرع ذلك في تعلمي للغة الدراسة». مسافر وحدي سافر البلوشي كثيراً قبل الابتعاث، وذلك بحكم كونه أحد اللاعبين الأساسيين في نادي النصر، ولكنها كانت المرة الأولى التي يسافر فيها وحيداً، ولفترة طويلة بغرض إنجاز مهمة هو بالأصل مبتعث لإتمامها وحيداً، وذلك قد يؤثر أحياناً على زيارته لأرض الوطن «تعتمد زيارتي للوطن على كثير من المعطيات الدراسية، أحياناً أزور الأهل مرة في السنة أو مرتين، وفي بعض الأحيان وعندما يكون لدي مواد أو مشاريع دراسية، فإنني أؤجل ذلك للسنة المقبلة».. وكان البلوشي جاهزاً للدراسة باللغة الإنجليزية، ولكنه واجه الكثير من العقبات الأخرى بعد وصوله أستراليا ومن أهمها التأقلم مع المناخ والاعتياد على تقلباته في أستراليا والتكيف مع نمط الحياة الجديد في المجتمع، حيث يقول: «المناخ في أستراليا متقلب جداً، وهذا الشيء معروف، وقد تشاهد أربعة فصول في اليوم الواحد، قد ترتدي عدة قمصان وثياب ثقيلة بسبب برد الصباح، لتفاجأ بحر الظهيرة في اليوم نفسه، ولا تعرف أين ستذهب بثيابك التي ارتديتها في الصباح». عنصرية وتفاهم يبدو أن للطالب البلوشي تجارب مريرة التي نتجت عن بعض المواقف التي يصفها بالغريبة وواجهها إما شخصياً أو واجهها بعض أصدقائه، حيث يصف الشعب الأسترالي بغرابة الأطوار ذلك بسبب تقلب طباعهم ومزاجيتهم، ويقول البلوشي: «الشعب الأسترالي غريب ويصعب وصفه، تجده ودود في بعض الأحيان، ويحب التحدث والتعامل معنا، وفي أحيان أخرى شعب شديد العنصرية يصعب علينا التعامل معهم»، وعن معاناته في تجربته معهم يتابع: «في الفترة الأولى من بعثتي، كان التعامل معهم صعباً جداً، شديدي التقلب ومزاجيين في التصرف، ولكن مع الخبرة عرفت كيف أتعامل مع أغلب الطباع، بمختلف أمزجتهم». ويقص علينا البلوشي موقفاً مؤلماً اتسم بالعنصرية الشديدة ضد العرب والمسلمين، وحصل مع أحد أصدقائه الإماراتيين في أستراليا، حين اعتدى عليه بعض السكان الأستراليين وكانوا في حالة سكر شديد، فقاموا بالاعتداء عليه وهو طالب إماراتي مبتعث أثناء وقوفه بجانب بقالة، وحين قام بتسجيل شكوى ضدهم في مقر الشرطة، كان تبرير الشرطة له بأنهم سكارى غير مدركين لما يفعلوه، مما أثار امتعاض الصديق الطالب ووجه لهم سؤالاً باستغراب عن أحقية الإنسان الفاقد لرشده بسبب الخمر في ضرب الآخرين، عن ذلك يقول البلوشي: «بعدما قال لهم صاحبي ذلك، هددوه بالتسفير وبأنهم سيقومون بإلغاء تأشيرته في حال أراد تصعيد الشكوى، مما دعا بعض الأصدقاء والمقربين لنصحه بسحب الشكوى، أحياناً يتم التعدي علينا في حال كنا فرادى، ولكنهم يتجنبونا إذا كنا في مجموعات». وعن سبب هذا الشعور العنصري تجاه العرب والمسلمين، يعتقد البلوشي أن السبب هو الإعلام الجائر الذي يصف الإسلام والعرب بالإرهاب وعلى جميع منابره في أستراليا، «الإعلام سبب رئيس لهذا النظرة العنصرية تجاهنا، يقوم بتشويه الإسلام، من خلال التقارير المشوهة التي يبثونها عن الإسلام، حتى أن السلطات مثلاً لا توافق على قيام أي أنشطة ثقافية تعريفية بالإسلام، في حين يوافقوا على أي أنشطة أخرى»، ويتابع «لا نستطيع نحن العرب والمسلمين التهرب من واقع العنصرية فهو موجود، ولكن والحمد الله استطعنا أن نفرض احترامنا بالعقل والمنطق». وعن الفرق الذي وجده بين المكان الذي يعيش ويدرس فيه الآن وبين دولة الإمارات، يقول: «أنا أفضل العيش في الإمارات أولاً لأني بين أهلي وناسي، وثانياً بلدي الإمارات تتفوق على أستراليا من جميع النواحي، خاصة الناحية الترفيهية والمواصلات وصراحة هناك الكثير لأتحدث عنه في هذا الخصوص، ولن ننتهي في حوار واحد». «رمضان غير» توجد أماكن العبادة وتتوافر في مدينة جيلونج، ولكن يوضح البلوشي أنها مساجد صغيرة متناثرة بعيدة عن الجامعة، يقول: «يوجد مساجد على شكل كنائس أو مسكن تم شراؤه من قبل بعض المسلمين وبرعاية لجنة تم تأليفها من بعض المسلمين في أستراليا تم تحويله إلى مسجد من الداخل»، ويضيف: «ولكن مطالبة بعض الطلبة المسلمين لإدارة الجامعة بتوفير مصلى وناقشوا الإدارة بضرورة الأمر وأهميته لدى الطلبة المسلمين، مما حمل الجامعة على الامتثال للطلب وتوفير مصلى خاص، بشرط أن يقوم الطلبة بصيانته». وعن طقوس العيد والتجمعات في المناسبات الدينية، يشير البلوشي إلى أنهم كثيراً ما يقومون بالتواصل الاجتماعي خاصة في شهر رمضان الكريم والأعياد الدينية، لما تحمله هذه المناسبة من نكهة روحانية خاصة يزيد طيبها بالتجمعات، وطالما قمنا بتنظيم إفطار جماعي يلم شمل معظم العرب والمسلمين، كما نقوم نحن الطلاب بزيارة بعضنا بعضاً وزيارة بعض العائلات العربية المسلمة التي هاجرت إلى أستراليا منذ زمن، وعبر البلوشي عن افتقاده لأكل المنزل وطبيخ «الوالدة» - «أكثر شي افتقده هو أكل الوالدة الله يطول بعمرها ولا يوجد هناك ألذ منه»، ويتذكر الطالب عمر موقفاً مثير للضحك عندما اجتمع مع بعض الطلبة الإماراتيين في أحد المنازل، وتطوع ليطبخ لهم، مدعياً أنه طباخ ماهر لتفشل الوجبة ويتناولون الطعان الجاهز يقول ضاحكاً: «كنا نتعلم الطبخ، وذات مرة أردت مفاجأة أصدقائي في طهو الطعام، وقلت لهم إني سأحضر لهم كبسة التونة الإماراتية، وبعد جهد جهيد، تناولنا معلبات جاهزة طبعاً بسبب أن الكبسة لم تكن تصلح للطعام نهائياً»، ويشير البلوشي إلى أن زميلهم المبتعث وليد الصيعري يعتبر أكثرهم مهارة في تحضير الطعام الإماراتي. هواية مفتقدة يقوم البلوشي بمشاركة أصدقائه الطلبة في العديد من الأنشطة التي يمارسونها مثل لعبة كرة القدم، وكرة الطائرة، ولكن نادراً ما يمارس لعبة كرة اليد التي يهواها، خاصة أنه كان أحد أعضاء نادي النصر لفريق كرة اليد لمدة تزيد عن ثماني سنوات، حيث لا يجد من يشاركه الاهتمام في هذه اللعبة، ويحاول الابتعاد عن أي مشكلات قد تحصل له على الصعيد الدراسي في الجامعة، وإن حصلت ينصح بمخاطبة الجامعة أولاً، للتوصل إلى حل، وإن لم يوجد حل فاللجوء إلى الملحقية الثقافية هو الحل الأمثل. ويتواصل البلوشي مع الطلبة الإماراتيين في المدينة التي يدرس بها «جيلونج»، وقدر عددهم بحوالي خمسة وعشرين طالباً، وذلك من خلال لقاء شهري يتم بين الطلبة، «هناك ملتقى شهري للطلاب، وأحياناً نلتقي أكثر من مرة في الشهر حسب المناسبة، كما يتم فيها التلاقي مع طلبة المناطق الأخرى والتواصل معهم، وكثيراً ما يقوم السفير أو أحد مسؤولي الملحقية الثقافية والسفارة بحضور هذه الملتقيات للتحدث إلى الطلبة والتأكد من راحتهم»، يقول البلوشي. رواتب المبتعثين ويطلب البلوشي من وزارة التعليم العالي إعادة النظر براتب المبتعثين خاصة أن أستراليا الآن ازدادت غلاءً، كما أن ارتفاع العملة الأسترالية سبب في عدم كفاية ما يتقاضونه شهرياً، ويتمنى من الوزارة بتخصيص مرشدين من السفارة للطلاب المبتعثين لأنهم يواجهون الكثير من المتاعب لحظة وصولهم، مما سيوفر الكثير من الجهد والوقت على الطلبة.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©