الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وعد بوحسون لـ «الاتحاد»: جيل الشباب يعيد للشعر والأغنية مكانتهما

وعد بوحسون لـ «الاتحاد»: جيل الشباب يعيد للشعر والأغنية مكانتهما
17 أكتوبر 2009 00:31
شابة عربية نشأت في سورية، ودرست الموسيقى متخصصة بالعزف على العود، وهو الآلة الشرقية العريقة التي حفل بها التراث العربي، وكان لرواده الأوائل وللمغنين في العصور الغابرة فضل كبير في حفظ الكثير من تراث أمتنا الشعري؛ إنها الفنانة وعد بوحسون التي واصلت دراستها العليا في هذا الفن العالمي الرفيع، وهي تمتاز بصوت أوبرالي شجي، وتعتز بإبداعها الموسيقي، وبالقصائد التي تقدمها لأهم الشاعرات والشعراء العرب الذين تركوا للأجيال روائع ستظل مدار فخر واعتزاز على مر الأيام. تُصنَّف وعد بين الشباب الذين يريدون التواصل مع كنوز الماضي، وتقديم مختارات منها بشكل حديث، ويكون ذلك بفضل المراكز الثقافية والدول التي تحرص على صون تراثها وتشجع ذلك. من أهم البرامج التي تعمل عليها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث هو العمل الجدي الدؤوب في إبراز أروع ما خلفه الأجداد من معالم الحضارة وإظهاره للعالم ونشره بين الناس، سواء كان ذلك بإنشاء المؤسسات والمراكز الثقافية والموسيقية، أو بإقامة المهرجانات الفنية، واستضافة أهم الأعلام من مغنين وعازفين عرب وأجانب لتقديم ما عندهم من فنون وموسيقى، والاحتفاء بها عبر البرامج العديدة التي أصبحت مواسم فرح ينتظرها الجميع. عولمة التراث تقول الفنانة وعد بوحسون متحدثة لـ»الاتحاد»عن فنها وتجربتها: «أنا أفتخر كثيراً بأني أقدم أشعاراً عربية ترجع لقرون ماضية من تراث العهد الأموي والعباسي، هذا يحملني مسؤولية أكبر، خاصة عندما ألاقي نجاحاً وإعجاباً من مختلف الأجيال، لذلك عندما أقوم بأداء هذه القصائد أو المقاطع الشعرية في مهرجانات عالمية، فذلك يعني أنَّ للجمهور دراية كاملة بهذا الشعر المغنى». وتضيف وعد: «مثلاً، يوم قدمت (أدين بدين الحب) وهي قصيدة معروفة جدا للشيخ محيي الدين بن عربي، أو قصيدة (الزهراء) لابن زيدون، أو أبيات صوفية لجلال الدين الرومي، كنت أنشد قصائد أحبها وأعرف قيمتها، وتأثيرها بين الجمهور. وما قدمته في هذا الحفل الذي أقامته هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، بمناسبة افتتاح مركز العين (للموسيقى في عالم الإسلام) حصد تجاوباً واضحاً من الجمهور، الأمر الذي زادني ثقة ومحبة بهذا التراث، وبهذا الشعر الذي يجد صدى طيباً حتى عند الآخرين من غير العرب. وأنا حريصة على أن أخدم اللحن الذي أضعه حتى يعطي معنى هذه الفكرة التي أقدمها، ويسهل عملية التواصل مع المتلقي الذي لا معرفة له بهذه القصائد، ولا يدري تماماً ما معنى الكلام». وعن اختيارها هذا اللون من الفن تؤكد الفنانة وعد: «أنا اخترت هذا الفن لعدة أسباب، في البداية ُطلب مني أن أقدم أشعار جلال الدين الرومي، وذلك بمهرجان فاس للموسيقى الروحية 2007، الذي تصادف مع مناسبة الاحتفال بمرور 800 سنة على ميلاد جلال الدين الرومي، وكان المهرجان يحتفل بذلك، حيث كان على الفنانين المشاركين أن يعزف كلٌّ منهم على آلته الموسيقية التقليدية مع أشعار جلال الدين الرومي، باللغة الأم. فسألوني قبل تسعة أشهر من موعد الحدث: «هل يسعك القيام بشيء مماثل؟» قلت لهم: «سوف أجرب..». أخذت أبحث بالكتب، بدأت أقرأ من هو جلال الدين الرومي، ما الذي أحب أن يقول من خلال شعره، اخترت بعض الأبيات، وبدأت أعمل عليها، كانت هذه هي البداية، بعد ذلك قدمت ولّادة، الأميرة والشاعرة الأندلسية، كما قدمت حبيبها ابن زيدون، ثم رابعة العدوية. الهدف الثاني هو أني أنا كخريجة معهد عالي للموسيقى، أعجبني دخول هذا المجال لأنَّه كان يزيد من ثقافتي، ويعرفني على أفق جديد ومجال مكمل للدراسة، لم تتح لي الفرصة أن أدرسه من قبل في المعهد، لكن في الوقت نفسه كان هناك الكثير من الصعوبة». وتوضح قائلة: «عندما بدأت أقرأ عن ابن عربي مثلاً، اكتشفت أنَّ كتاباته تتناول الظاهر والباطن، من يقرأ القصيدة يحسب للوهلة الأولى أنَّها قصيدة حب غزلي بين حبيب وحبيبة، ثم يكتشف أنَّه حب صوفي، وأنَّ غزله هو عبارة عن نجوى بين الشاعر والذات الإلهية. كما كان يؤكد على الفكر، وهذا يستهويني، لطالما شعرت بالحاجة لمعرفة هذا الشخص وإدراك ما يريده، كيف يفكر، ماذا كان يعمل، وما هو الشيء الذي كان يريد قوله.» البداية الصعبة عمَّا إذا كانت قد غنت لمشاهير في بداية حياتها الفنية تقول وعد: «أنا بدأت بالغناء في وقت مبكر، دخلت المعهد العالي للموسيقى حيث درست ثلاث سنوات، ثم أكملت دراستي على العود، لأنني أريد أن أحتفظ بصوتي الشرقي، حتى جاءت الفرصة سنة 2006 حيث سمعوني في دار ثقافات العالم بباريس، يومها وجهني الدكتور شريف خزندار نحو أن أكون مغنية منفردة وعازفة عود، وقال إنَّ صوتي يلائم هذا التوجه، ولم يكن هدفي الشهرة كمغنية، بل تقديم أفكاري، وأنا مؤمنة بأنَّها ستصل لمحبي هذا الفن». ولماذا لم تخض غمار الغناء السائد راهناً، مثل سواها المغنيات عربيات، ترد بثقة: «لا يغويني هذا النمط من الغناء، عندما قدمت عملي الأول في باريس مع الفنانة الراحلة مها الصالح (شجرة الدر) وهو عمل مسرحي، قدمت دوري كجارية وعازفة عود ومغنية، كان دوراً من عشر دقائق فقط، وهي مسرحية (مونو دراما) قدمت في باريس، والخرطوم، ودمشق، والفجيرة، في 2005، يومها كنت أتلقى النصائح بضرورة أن أبدأ بالغناء ولكني كنت أفتقد لمن يوجهني، ولم أكن على استعداد لأن أغني بطريقة غير مدروسة، وفي غياب خطة واضحة أعمل بناء لها. وفي أول حفلة لي قدمت أغاني للسيدة أم كلثوم، وغنيت قدوداً حلبية أيضاً، بعد ذلك بدأت أقدم نتاجي الخاص، تساءلت حينها: «لم لا ألحن لنفسي ما دمت أعرف مساحة صوتي وحدوده بصورة جيدة. ضرورة الآخر عن إمكانية أدائها لألحان غيرها من الموسيقيين، تؤكد الفنانة بوحسون: «حتى الآن لم ألتق بأحد ليعطيني من ألحانه، هدفي أن أتعمق بالتراث العربي الصوفي، وأن أقدم أعمالاً مشتركة مع بعض الفنانين المهتمين بهذا اللون. وقد غنيت مع الفنان التركي قدسي أورجنار، ومع الفنان الإسباني كرو بينانا، لا أجد صعوبة في ذلك لأنَّ الموسيقى هي لغة العالم، ولأني بالموسيقى يمكنني أن أتحاور أنا والآخر. هل فكرت بالغناء من أشعار المتنبي مثلاً، تجيب: «لم تأت الفرصة بعد، كما أنَّ اختيار الشعر الذي أنوي تلحينه وغناءه يأخذ مني الكثير من التفكير حتى أخلص لنتيجة، أختار قصيدة أو أبياتاً منها، أقرأ عن حياة الشاعر وكيف كان يفكر، بعد ذلك أصل لاختيار شيء يمكن أن أقدمه بالمستوى الذي هو كان يريد أن يوصل فكرته من خلاله، يحصل ذلك بطريقة «الخطوة خطوة»، كل سنة أقوم بتقديم شاعر، عندما قدمت ابن عربي كنت أعرف من هو، خاصة أنَّ رفاته موجودة عندنا بالصالحية في دمشق على سفح جبل قاسيون، غالباً أرى في داخلي الفضول للتعرف على شخصيات هؤلاء الشعراء بصورة معمقة». تجارب واعدة حول تطور الموسيقى المشرقية، وما إذا كانت قد شهدت تطوراً موازياً لمثيله في الشعر مع قصيدة التفعيلة والنثر، تقول عازفة العود: «المعروف عن العرب أنهم يستمتعون بالكلمة قبل اللحن، باعتقادي أنَّ ديوان الخليفة، خاصة في العصر العباسي، كان فيه مجلس شعراء قبل الموسيقى، ثم جاءت الموسيقى مكملة لتخدم الكلمة، علاقة العود كانت دائماً مع الشعر، ونحن لم نتعود حتى الآن على الاستماع إلى الموسيقى بمفردها، من دون أن تكون مرافقة للكلمة. طبعاً هناك ترابط مؤكد بين الموسيقى والشعر، وأتصور أنَّه بعد خمسينيات القرن الماضي أصابت الموسيقى الشرقية تطوراً ملموساً، كان هناك جيل من المبدعين والموسيقيين والمؤلفين، مثل رياض السنباطي، ومحمد القصبجي، وفريد الأطرش، ومحمد عبد الوهاب، الآن عندنا أغنية عربية، لكن لا يوجد طرب عربي له وزنه على المستوى الذي كان في ذلك الزمن. الجميل أنَّ جيلنا الشاب يسعى لتحقيق هذه الأحلام والتطلعات، خاصة أنَّ بين هؤلاء الشباب خريجات وخريجين أكاديميين يطمحون لإيجاد صيغة تنبثق وتستفيد من منجزات ذلك الزمان، لكن بأسلوبهم الجديد العصري المزود بالدراسات العلمية والتخصص الأكاديمي. أنا من خلال وجودي في دمشق، رأيت تجارب كثيرة تتشكل وتحاول أن تشق طريقها المأمول. قد أكون أنا واحدة من هذا الجيل وأتجه بهذا الخط، يوجد الكثير من المغنين الشباب المثقفين موسيقياً، وهم يسعون لإعادة بعث التراث الغنائي وفق صياغة جديدة، وعبر توظيف أسلوب الموسيقى المعاصرة أيضاً. كما نرى هناك أيضاً ملحنين يعملون على تلحين أغنية عربية معاصرة وأصيلة في الآن نفسه، وأنا أملي كبير بأن كوادر فنية جديدة بدأت تنطلق وهذا شيء مبشر».
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©