الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حمامات صنعاء.. ملتقيات للاستجمام تضم الفقراء والأغنياء

حمامات صنعاء.. ملتقيات للاستجمام تضم الفقراء والأغنياء
17 أكتوبر 2009 00:32
ثمة ما يجذب سياح وزوار اليمن إلى غير آثارها وحضارتها القديمة، إذ تستقطب الحمامات التقليدية في الحارات القديمة معظم السياح لأخذ قسط من الاستجمام والاستحمام فيها، حيث تفوح منها روائح البخور والصابون العطري ولكل منهما الكثير من المنافع الطبية والصحية. على الرغم من الزحام وصخب الحياة المتسارع داخل أسواق صنعاء وضيق أزقتها، إلا أن مرتادها لا يشعر أبدا بالضيق والتذمر حين يذهب للاستحمام في الحمام التقليدي أو البخاري، خاصة أن الحمامات تشكّل ملتقيات اجتماعية للتعارف والنقاش وسط روائح البخور ودفء الماء الحار، حيث وزعت مواعيد استخدام كل من الرجال والنساء في جداول منظمة إحداها للرجال والأخرى للنساء على مدى أيام الأسبوع. نماذج جمالية اشتهرت صنعاء بتوفر الحمامات الشعبية منذ زمن بعيد، ويوجد فيها حاليا نحو (11 حماما) تقليديا داخل المدينة القديمة يعود معظمها إلى العصور الإسلامية الأولى على أن بعض المشاهد تدل على أن بعضها يعود إلى فترة ما قبل الإسلام. وتعد الحمامات الشعبية البخارية أحد أبرز معالم مدينة صنعاء القديمة، وجزءا من طابعها التاريخي والاجتماعي، حيث ظلت على مدى أكثر من مائتي عام تؤدي دورها الوظيفي دون أن تفقد أهم خصائصها وتقاليدها التاريخية المتوارثة كفضاء صحي ومكان للاسترخاء وتجديد النشاط والحيوية، على الرغم من المنافسة الشرسة من حمامات البخار «الساونا» العصرية التي أخذت تنتشر في فنادق وأندية اليمن. وتحتوي صنعاء القديمة داخل سورها الأثري الكثير من الحمامات البخارية التي بنيت في العصر العثماني الأول وما تلاه، يعدد بعضها عبدالستار عبدالمغني- مهندس معماري، يقول: «هناك حمام ياسر، السوق، سبأ، البونية، شكر، السلطان، المتوكل، الحميدي، القاع وعلي، والجلا، والطواشي. وقد حرص المعماريون الإسلاميون على أن تكون الحمامات نماذج جمالية تستريح إليها النفس. إذ جعلوها كثيرة الأضواء، ومرتفعة السقوف، عذبة المياه، طيبة الرائحة، لأن أبخرة الحمامات رديئة وكثيرة، ومن مهمة هذه السقوف المرتفعة أن تعين على تخفيف حر أبخرتها. حمام الأبهر من أهم النماذج للحمامات المميزة تاريخا وعمرانا «حمام الأبهر» الذي يقع في حارة الأبهر قرب القصر الصنعاني، يتميز بفن معماري جميل، بناه الوالي العثماني حسن باشا عام 1597، ويعتبر أشهر حمام في صنعاء. بينما حمام «ذهبان» هو الأقدم. و مع توسع مدينة صنعاء أنشئت مرافق الحمامات العامة كمنشآت حضارية تساهم في تلبية متطلبات النظافة بصورة أرقى، حيث اعتمد السكان قديما قبل وجود الصابون، على مياه «الغيل الأسود» الذي كان مساره بجانب مسجد المتوكل؛ إلى ضواحي منطقتي شعوب والروضة. وكان الناس ينتشرون على ضفتيه للاستفادة من المياه الجارية في الغسيل، واستمر ذلك إلى أن أدركه الجفاف». ومن حيث التخطيط المعماري لبناء الحمام فهو مشابه في نمط تصميمه بشكل عام على هيئة مستويات عديدة تتضمن حجرة المياه الساخنة، إضافة إلى صالة خلع الملابس وهي بذلك متأثرة بطراز بناء الحمامات الرومانية التي تحاكيها الحمامات الإسلامية المبكرة مثل حمام «قصر عمر» في الشام». أما تكوينات الحمام كما يقول المختص المعماري أحمد عبد السميع: «يتكون مبنى الحمام الشعبي من ثلاث غرف متلاصقة تبنى تحت الأرض والأجزاء على السطح عبارة عن قباب تشكل سطح الغرف وتؤمن دخول الضوء عبر نوافذ زجاجية والغرفة الأولى ساخنة والثانية دافئة والثالثة باردة مزودة بأحواض الماء البارد والساخن». آلية العمل يشير العامل عامر محمد، إلى طريقة العمل في الحمام، ويقول: «يبدأ العمل من الساعة 8 صباحا، ونستمر باستقبال الزبائن حسب الجدول سواء للنساء أو للرجال حتى آخر النهار قبل الغروب. إذ تقسم خلال الأسبوع أيام خاصة بالنساء تتم خلالها إدارة الحمامات من قبل نساء، وكذلك أيام خاصة بالرجال تتم خلالها الإدارة من قبل الرجال. ويدار الحمام بواسطة محترفين في مجال تشغيل الحمام، وكذلك الاستحمام والتدليك الصحي، وتشكيل البخور والعطور، وفرق النظافة.. فأثناء الاغتسال يتوفر «مساعد» في عملية التدليك لمن يطلب ذلك، وتضاف أجرة التدليك إلى قيمة أجر الاغتسال». وعادة ما يجلس المستحم في الغرفة الساخنة حتى يتعرق جسمه، فيغطس في الماء ثم يتولى مختصون عملية تنظيف جسمه، مستخدمين أليافاً طبيعية وصابونا قبل أن يعود مرة اخرى الى الغرفة الساخنة، ثم يعود ليغتسل بالماء البارد ويبقى في حال استرخاء لبعض الوقت ليقوم الحمامي بتدليك جسمه. تغييرات حافظت الحمامات الشعبية على تقاليدها وقيمها المتوارثة، ولا تزال تستقطب الزوار والسياح، إنما ثمة تغييرات طرأت على طبيعة أدائها. فقديما كانت تستخدم المخلفات الحيوانية الجافة في تسخين مياه وغرف الحمامات، فاستبدلت حاليا بالديزل والغاز كمصدر طاقة أيسر استخداما. كما أن المستحمين يعتمدون على أنفسهم في تنظيف أجسامهم في أغلب الأحيان، بعدما تراجع عدد العاملين الذين كانوا يتولون هذه المهمة.. فضلا عن أن الحمامات لم تعد تقتصر على الموسرين ماديا من الأغنياء، بل باتت متاحة للجميع نتيجة انتشارها. يقول الطبيب محمد عبد الرحيم: «إن انتشار ثقافة النظافة دفع بكافة الطبقات الاجتماعية إلى الاستحمام. من جهة أخرى فإن حرارة البخار الرطبة مواتية بشكل خاص لذوي الجهاز التنفسي الحساس، إذ يسهل التنفس فيها على عكس حرارة السونا الجافة. ويتمتع البخار بأنه رطب جيد للشعر والجلد». وعلى الرغم من مهاجمة الفقهاء المتشددين للحمام واعتباره فضاء هاتكا للأسرار وكاشفا للعورات فإنه يبقى في رأي بعض المؤرخين والباحثين فضاء لا غنى عنه في حياة المدينة الإسلامية، فهو من أهم الضرورات في حياة الإنسان. إرث تاريخي تراوحت أجرة الحمام وغيرها من خدماته عبر السنين، لكنها باتت الآن متناسبة مع دخل العامة من الناس، وذلك باعتبار الحمام مؤسسة موقوفة للخير العام يرعاها وقف خاص وإدارة تتبعها، وهو ما جعل الحمام مستمرا لأداء مهمته والإنفاق على الصيانة والتجديد، في حين يكون دخله- مقابل الخدمات- للحمامي وأسرته والعاملين معه الذين يتوارثون العمل والمهنة جيلا بعد آخر. والحمامات البخارية في صنعاء تبقى بالفعل ملتقيات اجتماعية تتألق بفضل مرتاديها من الأجانب واتساع قاعدة مستخدميها وشعبيتها. وكذلك باعتبارها إرثا تاريخيا تبذل جهود محلية ودولية للحفاظ عليه كجزء من الجهود المبذولة للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة منذ إدراجها من قبل منظمة «اليونسكو» ضمن قائمة التراث العالمي عام 1986، كما أن عدد الحمامات الشعبية في تراجع، وربما اندثر في الكثير من الدول التي اشتهرت بها باستثناء الشام والمغرب.
المصدر: صنعاء
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©