الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«لا أحد يعلم بأمر القطط الفارسية».. أو الأحلام عندما يغيّبها الموت

«لا أحد يعلم بأمر القطط الفارسية».. أو الأحلام عندما يغيّبها الموت
17 أكتوبر 2009 00:51
تموت قطة في حادث، فتخلّف وراءها قطتها الصغيرة الوحيدة يتيمةً. يؤتى بقطة أمّ لتكون بديلة عنها. غير أنّ هذه الأم تكون قاسية بالفعل. يبدو أنّ هذه الحكاية للقطة الصغيرة هي المقولة الأساسية والدلالة الواسعة والكبرى التي ارتكز عليها فيلم «لا أحد يعلم بأمر القطط الفارسية» للمخرج السينمائي الكردي الإيراني بهمان غونادي، الذي يعد أحد أهمّ مخرجي السينما الإيرانية في هذه الأثناء، الذي شارك في كتابة السيناريو إلى جوار روكسانا صبري وحسين أبكينار وتمثيل نبغار شغاغي وأشكار كوشانيجاد وحامد بهداد وبابك ميرزاخاني وكوروش مزراي وبويا حسيني، وعرض أمس في صالة سينما سيني ستار1 ومساء أول من أمس في صالة قصر الإمارات ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي الذي يختتم فعالياته مساء اليوم. إنه رحلة طويلة في العالم السفلي للعاصمة الإيرانية اليوم، عبر رحلة موسيقي شاب وصديقته المغنية يعزفان ويغنيان موسيقى الروك إندل ويطمحان بالخروج إلى عالم أكثر رحابة حيث بوسعهما أن يؤلفا فرقتهما الموسيقية الخاصة ويجولان العالم بغنائهما. «لا أحد يصغي إليك هنا، لا أحد يريد أن يصغي إليك»، تقول المغنية عندما تلتقي للمرة الأولى بالشخصية النافرة «نادر»، لكن الطبيعية جدا بسبب السياق الاجتماعي الذي ولدت وعاشت فيه، أي إيران في العهد الراهن ما بعد قيام الثورة الإسلامية واستتباب الأمور للملالي. بهذا المعنى فإن «لا أحد يعلم بأمر القطط الفارسية» هو موقف علماني تماما يعبّر عن وجهة نظر المخرج أقلّها، وأراد، بحكم الدلالة الواردة في عنوان فيلمه، أن يعلم الذين هم خارج إطار الجغرافيا الفارسية شيئا عن هذه القطط إنما بقَدْر هائل من القسوة. جماليات البؤس يعبر الفيلم عن المعاناة التي يواجهها قرابة الألفين من الفرق الموسيقية الشابة في إيران كلها من خلال قصة الشابين الموهوبين اللذين تعرضا لابتزاز المهربين والمزورين الوشاة وأخيرا القمع الذي يجري بلا هوادة لكل ما هو نافر عن المؤسسة الدينية وفقا لما هي عليه في إيران، لينتهي الأمر على نحو تراجيدي بالموت، الذي يضع حدا لكل طموح ويطحن آلاف المواهب التي لم يُقَدّر لها أنْ تتفتح بحكم ما قال الفيلم. جماليا، يذهب الفيلم عميقا في جماليات البؤس، أو في جماليات العالم السرّي لطهران 2009 كما هي عليه الآن على حدّ التوثيق، وتحديدا أثناء الأغاني التي تتحدث عن الأحلام والأيام الغريبة التي تحياها الناس هناك في العتمة التي تطبقها السلطة المتسلطة على رقاب أزهار ينبغي لها أنْ تتفتح الآن، فنرى أثناء تلك الأغاني الناس في عيشهم اليومي وقد أطاح بهم البؤس والشقاء لتختفي المدينة خلف «حجاب» من القوانين السائدة والقاسية التي تتجاوز الحكم الشرعي إلى ممارسة الاستبداد. هكذا بدت الصورة مثيرة للحزن على نحو جميل وأخّاذ. في هذا السياق، تحمل شخصية نادر، التي هي الركيزة الأساسية في الفيلم، مربّي الطيور وعاشق الموسيقى والمتذوّق الحسّاس لها والذي يزِن ثِقَل الصوت بالذهب وصديق الموسيقيين «السريين» في الأرض السريّة للمدينة الخلفية الواسعة، والذي يستطيع بمهاراته الخبيثة التخلص من المواقف الصعبة كلما تورّط بها والذي يساعد أصدقاءه على الهروب من بلاد لا يفرّ هو منها. لكن لأنه ينتمي إلى هذا العالم الهش تكون نهايته مؤسفة وإنْ كانت متوقعة لكنّ نهاية أصدقائه هي المثيرة للشفقة حقّا، فتندفن أحلامهم معهم تحت التراب وتنتهي حكاية الحب تلك التي تبدأ بمشهد شفاف بين العاشقين الموسيقيين، حيث يتلاعب المخرج بالظلال ليقول لنا إن اقترابهما من بعضهما البعض على هذا النحو إنما هو اقتراب عاشقين وذلك منذ المشاهد الأولى للفيلم. غير أنّ الفيلم يأخذ شرعيته الدرامية، إذا جاز التوصيف، من درامية حكايته بالدرجة الأولى على الأرجح، ومن جملة التوترات الضاغطة على العصب الحساس للمتفرج وعلى اللا متوقع من المسارات المفاجئة التي تتخذها الحكاية وصولا إلى الفاجعة. خصوصا وأن الممثلين كلهم من الشبان الذين تتراوح أعمارهم ما بين الثامنة عشرة حتى الثلاثين أقصاها، أي أن ما يتعرض لتلك الفاجعة هو مستقبل البلاد القادم. إنه مستقبل ميّت بحكم ما يمكن تأويله من سيرورة الفيلم. «لا أحد يعلم بأمر القطط الفارسية» نشيد إنساني طويل عن عذابات أولئك الحالمين بالغناء بحرية في فضاءات أكثر رحابة. غير أن الفيلم ليس كسائر الأفلام التي عرضت خلال المهرجان. فهو بالدرجة الأولى غير موجَّه لجمهور إيراني يتواجد مثل أي جمهور في بلاده. إنه، بالمعنى السياسي، يحمل قضية بذاتها ويتبناها ويدافع عنها ويقدمها لرأي عام دولي ويريد أن يلفت النظر إليها. وجهات نظر وهنا يحدث الاختلاف في وجهة النظر السياسية التي تقف وراء الفيلم. فبالأخذ بعين الاعتبار جملة المعطيات الجغرافية السياسية الراهنة، يجد المرء نفسه وقد تنازعه الذاتي والموضوعي. ففي حين من غير الممكن عدم التعاطف مع شخوص الحكايا، حيث يتبدى أنّ أمّ هؤلاء الفتية لم تكن أمهم الشرعية الحانية عليهم بل القاسية والشرسة والتي لاترحم. إلا أنه في الوقت نفسه من غير الممكن غض الطرف عن الخطاب المباشر الذي انطوى عليه الفيلم لجهة قمع الحريات الذي تطرب له أذن الغرب عندما تريد أنْ تطرب له. أي أننا من غير الممكن للمرء أن يثق بأي حال من الأحوال في نزاهة النزعة الإنسانية كلما وجهها الغرب إلى المنطقة، فنعلم جميعا أن ذلك إن حدث فإن للغرب مآرب أخرى يستغلها لمصالحه هو وليس لصالح المعذبين في الأرض. من غير الممكن لخبرات الناس العاديين أن تغيب إذا جرى النظر إلى الفيلم بعين حقوق الإنسان. فهل كان ينبغي على المخرج أنْ يدير وجهة خطابه 180 درجة ليرضي وجهة النظر هذه؟ الأرجح أنْ لا أحد من حقّه أنْ له ذلك. إنها خياراته وقناعاته وهو الأدرى بها، ولكنْ لو قدِّرَ لهذا الفيلم أن يخرج للنور قبل عامين مثلا لحاز على جائزة أفضل أوسكار لفيلم أجنبي بالتأكيد، ولسقطت كل الاعتبارات الإنسانية ولجرى توظيف خطابه لمصلحة البيت الأبيض عندما كان بوش الإبن رئيسا قبل كارثة منتصف ليلة الخامس عشر من سبتمبر من العام الماضي التي أغرقت العالم في ظلمة الأزمة الاقتصادية، والتي لن تنجو منها الشعوب المسحوقة بموت التوتاليتاريا بسهولة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©