الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القوة العسكرية··· أداة فاشلة في مواجهة الإرهاب

القوة العسكرية··· أداة فاشلة في مواجهة الإرهاب
9 أغسطس 2008 01:32
ليس من عجب ألا تفلح القوة العسكرية في مكافحة تنظيم ''القاعدة'' وغيره من الجماعات الإرهابية الأخرى· فبعد دراستنا لنشاط 648 من الجماعات الإرهابية خلال السنوات 1968-2006 توصلنا إلى أنه قلما كانت القوة العسكرية وسيلة ناجعة في هزيمة هذا العدو· وضمن ذلك، فإن من المؤكد أن اعتماد الولايات المتحدة الكامل على القوة العسكرية- خاصة القوة التقليدية- في مكافحة النشاط الإرهابي، جاءت بنتائج عكسية تماماً· ولنضرب مثالاً عملياً لهذا بتنظيم ''القاعدة''· فعلى رغم الانتكاسة التي حلت بنشاطه في العراق، ومقتل أو اعتقال عدد من مقاتليه وقادته، إلا أنه تمكن من شنّ عمليات إرهابية بعد 11 سبتمبر، فاقت من حيث العدد والحجم تلك التي شنها قبل 11 سبتمبر، مع ملاحظة أن هذه الهجمات غطت مساحة جغرافية أوسع نطاقاً، شملت كلاً من أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأفريقيا· وفي الوقت نفسه، تطورت أساليب وتكتيكات التنظيم وتنوعت كثيراً، من المتفجرات والقنابل القذرة، إلى العمليات التفجيرية الانتحارية· ليس ذلك فحسب، بل حدثت تطورات موازية في الهياكل التنظيمية لـ''القاعدة''، بما فيها تشجيع النشاط الإرهابي على المستوى الشعبي، في الوقت ذاته يحتفظ التنظيم بقيادة مركزية تتولى إدارة عملياته ورسم استراتيجياته في باكستان· وهذا ما يستدعي إعادة النظر الشاملة في مجمل الاستراتيجية التي تتبناها الولايات المتحدة إزاء مكافحة الإرهاب حالياً· ولنا في دروس التاريخ بعض المؤشرات المعينة على رسم استراتيجية بديلة ناجعة لمكافحة الإرهاب· فمنذ عام 1968 انتهى نشاط العديد من الجماعات الإرهابية إما نتيجة لتسويات سياسية حدثت لنزاعات ما، أو نتيجة لتنسيق العمليات الشرطية المشتركة ضدها، فضلاً عن العمل الاستخباراتي· بيد أن الحل السياسي ليس هو ''الكرت'' الرابح مع تنظيم متشدد مثل ''القاعدة'' بأي حال· والسبب أن التنظيم يهدف إلى إسقاط عدد من الحكومات والنظم الإقليمية، بغية إنشاء خلافة إسلامية محلها· ولذلك فهو من التطرف والراديكالية إلى درجة يستحيل معها قبوله الدخول في أي مفاوضات من أجل تسوية سياسية مع أي من النظم الحاكمة بمنطقة الشرق الأوسط· لكن وعلى رغم ذلك، فإن السبيل الأمثل لإحلال السلام هناك، أن تكف واشنطن عن التفكير في النزاع الدائر حالياً باعتباره ''حرباً'' يمكن حسمها بواسطة الحلول الميدانية العسكرية· وهذا عين ما فعله عدد من حلفاء واشنطن، مثل ألمانيا وبريطانيا وأستراليا مؤخراً· ففي بريطانيا على سبيل المثال، بدأت الحكومة تفادي استخدام عبارة ''الحرب على الإرهاب'' على الرغم من أن لها تاريخاً طويلاً مع هذا النوع من الحروب مع ''الجيش الجمهوري الأيرلندي''· وقد أصابت بريطانيا في موقفها هذا· فلطالما أفضت القوة العسكرية إلى عكس الأهداف التي استخدمت من أجلها في كثير من الأحيان· وهي كثيراً ما يفرط في استخدامها، وكثيراً ما أقصت وحشيتها وبشاعتها المدنيين وحيّدتهم بعيداً عن أهدافها، إلى جانب كونها عامل استقطاب كبير للمقاتلين الجدد في صفوف الإرهابيين· إلى ذلـــك، فإن لمصطلح ''الحرب'' تكلفته المعنوية الإضافية، لكونه يتداخــــل مــــع مفهوم ''الجهـــاد'' ما يرفع الإرهابيين المجرمين إلى مستوى ''المجاهدين'' زوراً وتحريفاً· وعلينا إدراك أن الذي نسعى إلى مكافحته ليس هو ''الجهاد'' بمعناه الديني، إنما ''الإرهاب'' بمعناه الجنائي الإجرامي· وإذا ما استقام أمر الاستراتيجية الأميركية في هذا الشأن، فمن الضرورة أن يكون قوام استراتيجية مكافحة الإرهاب الجديدة هو الجهد الشرطي الاستخباراتي، وليس العسكري وحده· ويقيناً، فإن تعقب أعضاء تنظيم ''القاعدة'' في الخارج، يطالب كلاً من وكالة ''سي· آي· إيه'' ومكتب التحقيقات الفيدرالي ببذل المزيد من الجهد، فضلاً عن التعاون والتنسيق مع الأجهزة الشرطية والاستخباراتية الأجنبية· وبالقدر نفسه يقتضي تحول استراتيجي كهذا في مكافحة الإرهاب، تغيراً في مصادر الإنفاق المالي· والملاحظ هنا أن نسبة 90 في المائة من جملة ميزانية مكافحة الإرهاب، البالغة 609 مليارات دولار، التي صدق عليها الكونجرس خلال الفترة الممتدة بين 2001-،2007 خصصت للعمليات العسكرية وحدها· وكان الأحرى أن يحسن إنفاق الجزء الأكبر من المبلغ المذكور على وكالات وأجهزة الأمن والاستخبارات العاملة في الخارج· بيد أن هذا لا يعني إلغاء العمل العسكري أو التقليل من شأنه· فما أن يشارك تنظيم ''القاعدة'' في عمليات تمرد في بلد ما، فإن من الواجب مواجهته عسكرياً باستخدام قوة خاصة تكلف بتنفيذ عمليات مضادة له· ويشير النجاح الذي أحرزته الولايات المتحدة في العراق، وكذلك إلقاء القبض على عدد من كبار قادة التنظيم في باكستان، إلى ضرورة زيادة التنسيق والتعاون بين الجهات العسكرية والاستخباراتية متى ما كان ذلك ممكناً· ومن الضروري القول إن لأجهزة وقوات الجيش والشرطة والأمن والاستخبارات الوطنية المحلية في الدولة المعينة، شرعية أكبر من تلك التي تتمتع بها القوات الأميركية المرابطة فيها، حين يتعلق الأمر بمكافحة الإرهاب المحلي· بل تتفوق القوات والأجهزة المحلية على القوات الأميركية الأجنبية من ناحية المعرفة بتضاريس وجغرافية بلدها· وبوجه عام، فإن على الجيش الأميركي أن يقاوم بشدة أي محاولات للدفع به إلى ميادين العمليات القتالية في المجتمعات المسلمة إجمالاً، خاصة إذا ما كانت هذه المشاركة بأعداد كبيرة من مقاتليه· فالأرجح أن يؤدي وجوده العسكري المكثف في أوساط المجتمعات الإسلامية، إلى استقطاب أعداد أكبر من المقاتلين إلى صفوف الإرهابيين· سيث جي· جونز ومارتن سي· ليبيكي باحثان بمؤسسة ''راند'' ومؤلفا دراسة كيف تنتهي الجماعات الإرهابية: دروس في مكافحة تنظيم القاعدة ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©