الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا وجورجيا··· تداعيات الفراغ الأمني في القوقاز

روسيا وجورجيا··· تداعيات الفراغ الأمني في القوقاز
10 أغسطس 2008 00:20
أفضل مثال يمكننا تقديمه لتبرير السبب الذي قد يدعونا يوماً ما للنظر إلى تهديد الإرهابيين الإسلامويين على أنه أبسط مشكلة تواجهنا، يتبدى في التغطية الإخبارية التي قدمتها شبكة ''بي·بي·سي'' لمشهدين مهمين رأيناهما مؤخراً· الأول هو مشهد افتتاح الدورة الأولمبية في العاصمة الصينية ''بكين'' أول من أمس الجمعة، والذي رأينا فيه الألعاب النارية بألوانها البديعة، وتشكيلاتها المتنوعة، وهي تنطلق في سماء العاصمة والآلاف من الراقصين الصينيين، المرتدين لملابس ذات تصميمات غريبة، وهم يؤدون عروضاً بديعة، ويثنون أجسامهم اللينة الرشيقة في أشكال رائعة· أما المشهد الثاني فهو مشهد الدبابات الروسية وهي تهدر في شوارع جمهورية ''أوسيتيا الجنوبية'' المنشقة عن جورجيا· والمشهدان على اختلافهما، يخلقان لدى المشاهد انطباعاً واحداً، وهو أن قوتين من قوى العالم الكبرى الصاعدة تتباهيان بما لديهما من إمكانيات وقوة· الفارق بين المشهدين، هو أن المشهد الصيني قد سبقته بروفات استمرت عدة سنوات، في حين أن الثاني إن لم يكن يمثل مفاجأة كاملة، فهو على الأقل لم يكن مقرراً أن يحدث هذا الأسبوع· وهذا الفارق يحمل في طياته دلالة مهمة، وهي أن التحدي الصيني لقوة الغرب قد بدأ منذ فترة طويلة، وكان قابلاً للتنبؤ به؛ لأن هناك قاعدة مهمة يلتزم بها الصينيون ولا يحيدون عنها أبداً، وهي أنهم لا يقومون بتحركات مفاجئة، ولا يحاولون إثارة الأزمات· أما روسيا، فهي على النقيض من ذلك، قوة لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها، وهو ما يجعل من الاستجابة لما تقوم به أمراً أكثر صعوبة مقارنة بالصين· وفي الحقيقة غدت السياسة الروسية غير شفافة، لدرجة جعلت من غير الميسور على أي أحد، أن يفسر السبب الذي دعا صراعاً ''مجمداً'' مثل صراع القوقاز إلى الانفجار في اللحظة الحالية بالذات· وكانت المصادر الروسية قد أعلنت أول من أمس أن جورجيا قد بدأت غزواً لأوسيتيا الجنوبية، بهدف إحلال الهدوء في تلك الجمهورية المنشقة، في حين أعلنت المصادر الرسمية الجورجية أن قوات بلادها قد دخلت ''تسخينفالي'' عاصمة أوسيتيا الجنوبية، كرد فعل للهجمات التي تشن ضدها منذ سنوات، والتي تصاعدت حدتها خلال الأسابيع الأخيرة، وأيضاً كرد فعل على القصف الجوي الروسي للأراضي الجورجية· هناك عناصر أخرى متداخلة في الموضوع منها قوات شبه نظامية، ومحرضون، وعناصر حفظ سلام روسية- لقي بعضهم مصرعه كما يبدو- بالإضافة إلى سلسلة معقدة من الأحداث، التي يمكن تقديم عدد كبير من التفسيرات المحتملة لها· ويُشار إلى أن التوترات السابقة، سواء في جمهورية ''أوسيتيا الجنوبية''، أو ''أبخازيا'' الجمهورية الأخرى التي أعلنت استقلالها عن جورجيا، كان يجري حلها دون حرب، في حين أن الشيء الواضح هو أن هناك من يريد للحرب الحالية في القوقاز أن تمضي لما هو أبعد مما مضت إليه· والجانبان- روسيا وجورجيا- يمتلكان دوافع للحرب أعمق مما قد يبدو على السطح· فروسيا من جانبها، تريد منع جورجيا وهي جمهورية ميالة للغرب، وصفها الرئيس الأميركي ''جورج دبليو بوش'' بأنها ''منارة للديمقراطية'' من المضي قدماً في محاولاتها للانضمام لحلف ''الناتو''، والتي بدأت فيها منذ مدة طويلة· أما جورجيا، ممثلة في قيادتها، فقد أصبحت مقتنعة أن ضغط روسيا وسياساتها العدائية المستمرة تجاهها، وعدم قبولها في حلف ''الناتو''، يجعل من المحتم عليها أن تظهر أنها دولة قادرة على الاعتماد على نفسها· لهذا السبب سعى الرئيس ''ميخائيل ساكشفيلي'' إلى شراء الأسلحة استعداداً لهذه اللحظة· ويقول الذين يعرفونه، انه كان يؤمن دوماً بأن الصراع العسكري حتمي، وأنه من الممكن كسبه إذا ما تمت إدارته ببراعة· بيد أن الذي بدا منذ الليلة قبل الماضية، ومن خلال مشاهد الجنود الروس وهم يقاتلون في ''أوسيتيا الجنوبية'' التي تبعد عشرات الأميال عن العاصمة الجورجية تبليسي، هو أن ''ساكشفيلي'' ربما يكون قد أخطأ الحساب، حيث أنه من المؤكد أن روسيا لم ترسل 150 دبابة عبر الحدود كي تخسر· مع ذلك، فإن الاستنتاج الذي نصل إليه من خلال تأمل ما يجري أمامنا، هو أن جورجيا كان يجب أن تتراجع عن حافة الهاوية ولا تدفع بالأمور إلى النقطة التي وصلت إليها الآن- ويجب أن تفعل ذلك إذا ما كانت الفرصة لا تزال قائمة· من ناحية أخرى، فإن نشر روسيا لمثل هذه القوة الكبيرة والمجهزة جيداً، ليس في ''أوسيتيا الجنوبية''، وإنما في أجزاء أخرى من جورجيا، أيضاً يعتبر هو الآخر وبنفس المقياس شيئاً غير مقبول على الإطلاق· هل هناك من استنتاج آخر يمكن الاتفاق عليه؟ بصرف النظر عمن سيقع عليه اللوم بشأن التصعيد الحالي، فإن الغرب ليس لديه سوى تأثير ضئيل على المحصلة النهائية لما يحدث حالياً· علاوة على ذلك فإن مناشدات ''ساكشفيلي'' للغرب بتقديم المساعدة والعون المعنوي له، من خلال قوله في مقابلة أجرتها معه محطة ''سي·إن·إن'': ''إن المسألة لا تتعلق بجورجيا وإنما تتعلق بالمبادئ الأساسية التي طالما بشرت بها الولايات المتحدة''، لن يكون لها تأثير ذو شأن إلا إذا ما سمحت روسيا بذلك''· في الوقت الراهن يبذل الجميع قصارى جهودهم لإيجاد حل للصراع المندلع حالياً في القوقاز· وخلال اللحظات الأخيرة، كان هناك ما يزيد عن عشرة من رؤساء الدول والدبلوماسيين يزحمون خطوط الهاتف بين بكين والقوقاز، محاولين إقناع كل طرف من أطراف الصراع بإيقاف القتال فوراً، على أن يتم تأجيل التحقيق في المسؤولية عمن بدأ فيه إلى وقت لاحق· ربما ينجح هؤلاء الرؤساء والدبلوماسيون في جهودهم، أو قد لا ينجحون، خصوصاً إذا كان هؤلاء الذين بدأوا الصراع الحالي يريدون له أن يستمر· على أي حال، يمكننا القول إن وقت التعامل مع هذا الصراع ليس الآن، وإنما كان يجب أن يكون منذ عامين أو أربعة أعوام خلت· فلقد كان واضحاً منذ وقت طويل للغاية، أن هناك فراغاً أمنياً في القوقاز، وأن هذا الفراغ خطير، وأن جورجيا وهي حليف حميم للولايات المتحدة، لن تخرج سالمة من أي مواجهة مسلحة مع روسيا، وأن نجاح أي غزو روسي لها، على الرغم من وجود قوات أميركية على أراضيها، سوف يكون له انعكاسات سيئة على الغرب· في الماضي، حال الجبن، والضعف، والافتقار إلى الأفكار، والانشغال بقضايا وأحداث أخرى، دون اشتباك أعمق في الشأن القوقازي من قبل الغرب، أما الآن، فإن الوقت ربما يكون قد تأخر كثيراً على ذلك· آن أبلباوم كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©