السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

تسويد وتبييض..

7 يونيو 2010 19:54
الكتابة التي تهدف إلى تسويد الصفحات تؤدي إلى تسويد الوجوه، والكتابة التي يلعب فيها صاحبها (بالبيضة والحجر) ستقوده إلى أن تتحول أفعاه إلى خشبة، والكتابة التي تستند إلى اسم صاحبها ستجعله يوماً يتكئ على الهواء، والكتابة التي تلوك الفكرة ستفضي إلى الاجترار، والكتابة التي تسرد المسرود وتعرّف بالمعرّف وتنقل من المواقع الإلكترونية تعلن عن إفلاس سريع ومفضوح، والكتابة التي تبدأ شخصانية ستنتهي بالشخص، فلا أحد لديه الوقت ليقرأ يوميات أحد، وأخيراً، الكتابة التي تشم فيها رائحة التملق و”مسح” الجوخ ومسايرة السائد ونفخ التافه والتراجع عن القناعات واستبدالها بقناعات مضادة، من أجل منصب أو تكريم أو جائزة، هي كتابة خائنة لرصاص القلم، وعلى الرغم من ذلك، تحظى هذه الكتابات باحتفاءات غير عادية، على الرغم من أن الحروف لا تنتمي سوى للغتها، والفكرة ملك من يلتقطها، وكما قال الراحل الكبير الشاعر محمود درويش “اللغة لا تورّث”. هنالك كتابات تشرح، وكتابات تمدح، وكتابات تقدح، وهناك كتابات تتوهج، وأخرى تتبرج، وثالثة تترجرج. والكتابات كالنساء، منها ما تحرض على الكتابة، أو تدخلنا في الكآبة، أو تأسرنا في الرتابة. أفهم كل هذا وأتعامل معه، ولكنني لا أفهم الكتابة التي تجعلك تشعر أن صاحبها كان في حالة ملل وضجر وفقر وسكون وكسل، فيستخدم جملا تمزقت من كثرة الاستعمال، ويعيد علينا مقولات اهترأت لكثرة ما تمسّح بها الناس ومضغها الإعلام.. إن الأكثر ضررا من كل هذا أن الكاتب بعد (التمايل والتجبّد والتمطي والتثاؤب) ينتهي به الحال إلى توقيع اسمه، الذي بناه بكتابات إبداعية وفكرية وغيرها، ليدلقه مثل طبخة محروقة في طبق مكسور. الكتابة مضرة أحياناً، فمثلما لا تجبر نفسك على تناول الطعام لأنك غير جائع وتفتقر للشهية، يجب ألا تجبر نفسك على الكتابة وأنت مُتخم بالفراغ، ولا شهية لك للتدفق على الورق أو الشاشة الفضية. الكتّاب لم يشتروا مساحاتهم بأموالهم، وعلاقتهم شبيهة بقانون الانتفاع من الأرض الممنوحة، يفقدها الممنوح إن لم يستفد منها، ومساحة الكتابة أرض يجب تركها إن لم يزرعها الكاتب كل يوم ببذور جديدة، وزهور منتعشة، وأفكار توقظ النائمين. لا أتخيّل كاتباً يجلس إلى طاولته ليبحث عن فكرة، فهذا قمة الإفلاس الذي يقود إلى كتابة ضجرة، ولا أتخيّل كاتباً يستهلك كل مفردات اللغة وبيانها ليعبر عن فكرة واحدة صغيرة ممجوجة ومكررة، يدور حولها بتكاسل، وفي النهاية، تدور الفكرة كالحبل حول رقبة القارئ. أقرأ زوايا ومقالات ثقافية واجتماعية وسياسية تثير الأسى، تفتقر إلى الفكر والمضمون والمنطق واللغة والبيان، وتراوح مكانها منذ السطور الأولى، بينما ينحت الكاتب المحترف طويلا ليدعم مقالته. إن وجود اسم كاتب أو كاتبة على مقال، لا يمنحه شيئاً إن لم يؤثث مساحته بالإغواء الشديد المستند إلى التمكّن الأشد. akhattib@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©