الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أبوظبي .. قصيدة معمارية من شذرات

أبوظبي .. قصيدة معمارية من شذرات
16 ابريل 2014 20:21
جهاد هديب وعليه، فقد بدت أبوظبي مدينة قابلة للتأويل معماريا ولا تنطبق عليها رؤية واحدة، إنما هي الرؤى المتعددة التي يحتاج إليها المرء ليطمئن قلبه أكثر إلى إحدى التأويلات، فترجح على سواها. ويقينا، إن هذا الأمر يفتح باباً آخر لفهم مدينة أبوظبي ومعرفتها أكثر. ما يعني في آخر الأمر أن المدينة، حالها حال المدن الكبرى في العالم والثقافات الأخرى، سوف تكون وليدة الفكرة عنها ووليدة الاختبار لهذه الفكرة عندما يتواجه الواقع مع المتخيَّل في نقطة ثقافية – فكرية واحدة. ذلك أن الندوة، حقيقة، تلفت الانتباه إلى المهمل والهامشي والعادي أيضاً الذي تمرّ به الناس كل يوم أثناء العبور بها نحو شؤون الحياة اليومية الضاغطة على الإحساس بجمالية المشهد البصري المحيط بها. غياب مروّع الملاحظة الثانية، بالنسبة للحلقة النقاشية ذاتها، تتمثل في الغياب المروّع للوثيقة المتعلقة بالماضي المعماري لأبوظبي، مدينة وجزيرة، والوثيقة، وهي التي اصطلح على تسميتها في الحلقة بـ«السجل العام» الذي تُحفظ فيه الصور والعقود والتصاميم المعمارية وسواها مما يتصل بهذا الأمر إجرائياً وإدارياً بحيث يتمكن الباحثون في الحقل المعماري وسواه من دراسة تاريخ ما للمدينة. هذا الغياب للسجل العام هو الذي جعل من تأويل الصور مادة تاريخية، وإنْ بدا أنها منقوصة بعض الشيء، إلا أنها تأتي عوضا عن ذلك النقص، غير أنها – أي الصورة – ما تزال في حاجة إلى اشتغال أكثر على الرواية الشفوية وفقا لما بدت عليه تلك الرواية في الحلقة النقاشية. أيضا، دار أغلب الكلام في الحلقة على المباني التي تحمل طرازاً معمارياً غربياً أو بعضاً من عناصره. في حين لم يتم الالتفات إلى الحديث عن جهود المهندسين المعماريين العرب الذين تركواً بصمة واضحة على المدينة في عدد من مبانيها التاريخية والرسمية والخاصة بالقطاع الأهلي. جرى الكلام على بناية الإبراهيمي، مثلا من بين أمثلة عديدة، في شارع الشيخ زايد الأول (المعروف بشارع إلكترا بين الناس) بإهمال للمرجعية الثقافية والفكرية المعمارية التي أنجزته. إذ أن هذا المبنى المميز والغريب بتصميمه كان من إنجاز المهندس المعماري العراقي محمد مكية الذي قام بتصميم مبان أخرى رسمية وغير رسمية، وهو أمر من الممكن إجراؤه على مبان أخرى في شوارع أخرى من أبوظبي ومهندسين معماريين عرب آخرين. هذه الملاحظة ليست من اكتشاف كاتب هذه السطور بل هي خلاصة واحدة من المداخلات التي تلت الندوة وقدمها مهندس معماري عربي يقيم ويعمل في أبوظبي. لولا ذلك لبدا أن أبوظبي لم تشهد أنماطا معمارية إلا بدءا من حقبة التسعينات من القرن الماضي، وفقط هناك البعض من المباني التي ضمت عناصر من الهندسة المعمارية العربية والإسلامية في مسعى لعصرنة المدينة وفي مرحلة سابقة على التسعينات أيضاً، بحسب ما قال أحد المنتدين في الحلقة. إنما بناء على ذلك، فإن واقع الأمر، يتلخص في أن أبوظبي قد شهدت منذ بداية الخمسينات وحتى أواخر الستينات ظهور أنماط معمارية مختلفة المرجعيات بوصفها مدينة ناشئة آنذاك، خاصة مع اكتشاف النفط والبدء بتصديره. وفي ما تلا ذلك من مراحل وحقب عمرانية، فإن أبوظبي كانت مدينة منفتحة على التيارات العالمية والعربية الحديثة في التصميم المعماري. هل كان ذلك نتيجة قرار سياسي واضح؟ أم أنه انتهاج لسياسة الانفتاح على الثقافات الأخرى التي انتهجها المغفور له الشيخ زايد في فترة مبكرة من عمر الدولة، أي في مطلع السبعينات من القرن الماضي؟ الإجابة عن هذا السؤال لدى المؤرخ بالتأكيد. ونلفت الانتباه في هذا السياق إلى أن الحوار الذي تلا الحلقة النقاشية، وما تضمنه من مداخلات حول التفاصيل المعمارية للمباني وعناصرها التي توفرت فيها في فترة زمنية بعينها، هي أمر حاسم في توجيه «الفكر المعماري» ويتعين على مصمم العمارة وقارئ الصور أن يدركه تماما إلى حد اليقين، إذ من غير الممكن قبول أن الكتل الإسمنتية الخرسانية الجاهزة، أي المصنعة مسبقا، دخلت إلى الحيز المعماري الظبياني في الستينات، لأن ذلك ارتبط بدخول اتجاه جديد من التصاميم المعمارية المرتبط بإمكانات هذه الخامة مباشرة، وهو ما لم يحدث إلا في أواخر السبعينات ومطالع الثمانينات على أبعد تقدير. وهو أمر قد يبدو الاستغراق فيه من قبل المعماريين مملا بالنسبة لمتابع حلقة نقاشية تخصصية إلى هذا الحد، مع ذلك فقد كانت الصالة ممتلئة تماماً. في هذا السياق، فإن جملة الأفكار التي طرحت، تستدعي من القائمين على هذه الحلقات الثلاث التفكير بمؤتمر حول عمارة أبوظبي، تاريخاً وفكراً وتوجهات في التصميم المعماري، يتولى الحديث فيه أهل الاختصاص، وربما لا مانع أيضاً من استضافة البعض من المهندسين المعماريين من الذين تركوا بصمة واضحة في عمارة أبوظبي. في أية حال، فقد شارك في الحلقة النقاشية «كنوز أبوظبي المخفية»، التي أدارتها الدكتورة ميشيل بامبلينغ، منسقة جناح دولة الإمارات العربية المتحدة في بينالي البندقية، وشارك فيها: مارك كيفن، رئيس قسم الهندسة المعمارية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، وأمل الشابي مرمم مبان في الهيئة ومسؤول المحافظة على التراث المعماري الحديث، وديبوره بينتلي الأستاذ المساعد في المعهد الملكي للمهندسين المعماريين البريطانيين، جامعة أبوظبي. انفتاح واختلاط ما يلي أبرز الأفكار التي طرحت في الحلقة: • يتحدد الهدف الرئيسي من وراء هذا النقاش حول عمارة أبوظبي بإثارة اهتمام سكّان أبوظبي بالمكان إجمالا، وبمباني المدينة على وجه التحديد خاصة وأن هناك الكثير من بينها التي لها أهمية تاريخية خاصة بالنسبة لذاكرة المدينة ولذاكرة الناس الذين عاشوا فيها سواء أكانوا من قدامى الساكنين، أولئك الذين عرفوا أكثر من بناية ويدركون ما نسعى إليه، أم من الوافدين الجدد إليها. • يجري النقاش حول أبوظبي من خلال المباني اللافتة للاهتمام معماريا، والتي جُمعتْ حولها روايات شفوية من الساكنين فيها والعاملين وكذلك المالكين في أحيان أكثر ندرة. ولم يكتمل البحث في هذا التاريخ الشفوي، لكن ما تم جمعه يكفي لإثارة النقاش حول موضوع هذه الحلقة: «كنوز أبوظبي المخفية»، خاصة وأن الصور هي نتاج بحث ميداني أيضا قام به طلبة كلية الفنون – قسم العمارة في أكثر من جامعة في أبوظبي، ونتاج هذا البحث الفوتوغرافي – الشفوي هو المعرض الذي ستشارك فيه الإمارات - الجناح الوطني للدولة - في معرض العمارة الدولي الرابع عشر في بينالي البندقية 2014، والذي يعكس صورة للتاريخ المعماري ألإماراتي خلال الفترة من 1914 وحتى العام 2014. بالتالي يمكن اعتبار هذه الحلقة النقاشية، وكذلك الحلقتين المقبلتين، بمثابة دعوة لكل مَنْ يمتلك صورة لمبنى، ما زال على قيد الحياة أم اندثر، أو سواها من الأماكن التي تخص أنماط الحياة الاجتماعية في المدينة، إلى تزويد هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة بها باعتبار ذلك مسؤولية أخلاقية ووطنية تدعم سعي الهيئة إلى تشكيل «سجل عام» يخص المدينة بكل مكوناتها الحية والجامدة. • بالمقابلة بين صورتين، الأولى منهما لرسم من مقتنيات المتحف البريطاني يعود إلى القرن التاسع عشر، يظهر فيه موقع برجي المراقبة في قصر الحصن، حيث بدت المسافة بين موقع القصر وكل من البرجين متساوية، أي أن الرسم أقرب إلى أن يكون هندسياً تماماً ومأخوذاً من نقطة المنتصف الخاصة بقصر الحصن باتجاه البحر، وفقا لـ«منظور عين الإنسان» بلغة أهل العمارة. الصورة الأخرى كانت لأبوظبي، المنطقة الشرقية من المدينة، والتقطت في العام 2008، وتبدو فيها أبوظبي مدينة عصرية تماما، أو كوزموبوليتانية بعض الشيء. الهدف من عرض الصورتين ليس المقارنة بين أبوظبي القرن التاسع عشر وأبوظبي أخرى مطلع الألفية الثالثة. تكمن أهمية المقاربة بين الصورتين في إيضاح أن أبوظبي لا زالت تمتلك بنياتها الأساسية، أي وحداتها أو قطاعاتها أو تقسيماتها الجغرافية المربعة التي تميزها. إذ أن هذه البنيات الأساسية لا زالت، في أغلبها هي ذاتها التي تخترق أبوظبي من جهاتها الأربع. وهي تعين الباحث على دراسة التطور المعماري لأبوظبي واتجاهات هذا التطور وديناميكياته بحسب هذه المربعات – المناطق. فهي إذ تربط ماضي المدينة بحاضرها المعماريين فإنها أيضاً تسهل من البحث في مصادر التطور المعماري لأبوظبي خاصة قبل اكتشاف النفط. • باستخدام الصور الجوية للمدينة، بحسب تواريخ التقاطها، فإن العام 1968، كان حاسما في تطور أبوظبي معماريا، حيث ظهر تطور نوعي في هذه الفترة استمر بطيئا حتى العام 1974 تحديدا، حيث تنامى هذا التطور بوتيرة سريعة جدا وأسهم في ذلك ارتفاع عائدات النفط من جهة ورغبة لدى أبوظبي في الاستفادة من هذا التطور في استكمال عناصر البنية التحتية للدولة. في تلك الفترة ظهرت المباني الرسمية مستقلة عن مركز إدارة الحكم شيئاً فشيئاً. لم يكن الفكر المعماري لأبوظبي قد اكتمل، ربما بسبب هذا التوجه الذي خلاصته تتمثل في الانفتاح على الأفكار المعمارية كلها دون قيد أو شرط مسبق، بل ترك القطاع الخاص ليدير شؤونه باستقلالية دون تدخل حكومي على مستوى التصاميم واعتمادها. • بدأ النسيج الحضري للمدينة بالتشابك والتعقيد في تلك الفترة أيضا، فظهرت المباني ذات الارتفاعات المتعددة والمتجاورة معا، وكذلك الأنماط والاتجاهات المعمارية التي أنتجت تصاميم تلك المباني، على الرغم من أن هذا الاختلاط قد بدأ في حقبة الستينات لكنه في هذه الفترة بدا مؤثرا في خلق نسيج اجتماعي حضري يعبر عن هذا الاختلاط. • في هذه المرحلة أيضا، ترك انتشار الكهرباء والماء، أثراً واضحاً على عمارة أبوظبي، فباتت الاتجاهات المعمارية أكثر عصرية وانفتاحا على احتمالات التجريب، بالمعنى الفني لهذه الكلمة. فاستتب نمط المباني ذات الشقق وباتت هي الأوسع انتشارا لزيادة مطردة في العرض والطلب، وغلبت المادة الإسمنتية على سواها من المواد الخام المستخدمة في البناء، مثلما ظهرت الشرفات، بما يعنيه ذلك من انكشاف جزء أو جانب من البيت على مجمل الحياة العامة في البيئة والمحيط باختلافاتها وتنوعاتها الثقافية والعرقية. •عاد نمو أبوظبي إلى التباطؤ في النصف الثاني من الثمانينات. إنما أمكن لهذه الفترة أن تسجل باسمها ظهور النمط المعماري الإماراتي المعصرن، أي استدخال عناصر من النمط المعماري التقليدي الإماراتي إلى البناء، خاصة البيوت والفيلات والقصور. وقد حدث ذلك ربما لأن البعض سعى من طرفه إلى منح أبوظبي طابع المدينة العربية العصرية، فصار ذلك الجمع ما بين الأصيل والمعاصر في نمط معماري واحد، وهذا ما حدث بالفعل، الأمر الذي يبدو واضحا في البعض من المباني المنتشرة في غير شارع من شوارع أبوظبي، إلا أن تلك العناصر المعمارية لم يكن لها أي دور وظيفي سوى دورها الجمالي. وهذا الاتجاه المعماري ما يزال يجد مَنْ يتبناه من المهندسين المعماريين العرب والأجانب خاصة في التجمعات السكنية الإماراتية الكبرى داخل أبوظبي وخارجها. • في الوقت، نفسه ظهرت بنايات غريبة، لجهة طابعها المعماري، فامتازت تلك الأبنية بالاستخدام الواسع للكتل الإسمنتية والمساحات الزجاجية على نحو غير معهود. • في مطلع التسعينات، بدا النمو العمراني في أبوظبي أسرع وتيرة من ذي قبل، فظهرت الأبراج بوضوح في البنيات الجغرافية المربعة الأساسية في المدينة دون أن تقترب من المساحات المسطحة الخضراء في بداية الأمر. وفي هذه المرحلة نضج «الفكر المعماري» في أبوظبي وظهرت نتائج معمارية ذات وزن عالمي في المدينة أبرزت الاتجاهات المختلفة في العمارة في العالم، خاصة بعد السماح لعدد من المصممين المعروفين عالميا بتصميم بعض المباني القائمة على نزعة تجريبية في توزيع الكتل المعمارية على المسطحات آخذة أشكال متعددة ولافتة بأحجامها الضخمة شديدة الارتفاع ما يجعلها ملحوظة من أغلب مناطق أبوظبي. • أيضاً اتفقت هذه النزعة التجريبية مع استخدام واجهات زجاجية على حساب الواجهات الخرسانية الإسمنتية الجاهزة، التي كانت محاطة غالبا بمساحات فارغة ما لبثت أن انحسرت بفعل التقدم العمراني للأبراج التي لم يقتصر ظهورها على منطقة بعينها من المدينة، بل كانت طيلة الوقت جزءا من النسيج الحضري للمدينة في كل شوارعها ومناطقها. وفي هذه الفترة ظهرت بعض واجهات المباني التي توصف بأنها تنتمي إلى الاتجاه المعماري المعروف بالنيوكلاسيكية، لكنها ظلت محصورة في عدد من الأبراج والمباني. الآن تمثل أبوظبي خليطاً واضحاً من الطرز المعمارية التي طبعت بطابعها مبان متعددة الارتفاعات، ويمثل شارع الشيخ زايد الأول نموذجاً من الممكن دراسته بمراحل متتابعة هي ذاتها المراحل التي شهدت تطور الدولة بمؤسساتها ومجتمعها الحضري وسماتها الاجتماعية والاقتصادية، والثقافية بالأساس. عموما، ومنذ الستينات والسبعينات تبدو أبوظبي مدينة طلائعية جدا وذات حساسية جمالية مرهفة إلى حدّ أن بوسع المرء أن يرى لحم المبنى وعظمه من جرّاء انفتاحها على مجمل الاتجاهات الحديثة في العمارة العالمية. فقد شهد العام 1962 بناء كنيسة، ما يشير إلى أن المدينة تم بناؤها على أسس الانفتاح والتعدد الثقافي، بل كذلك المعماري حيث يمكن ملاحظة النور في هذه الكنيسة بفتحات تهوية قريبة من السقف وذلك وفقا لطريقة معمارية يابانية في التصميم ومعالجة النور. وفي السياق، من الممكن تلمس حساسية أخرى في مقر إقامة السفير البريطاني في أبوظبي الذي بني منتصف السبعينات وقد استخدمت فيه المشربيات وكذلك زيادة غير مألوفة آنذاك في الواجهة الزجاجية، وكذلك في السوق المركزي الجديد الذي انبنى في العام 1974. ثمة العديد من المباني اللافتة للانتباه في شارع زايد الأول، تمثل نموذجا معماريا فريدا، من طراز بناية الابراهيمي التي هي ملحوظة جدا في الشارع. إنه بناء قائم على النسيج المتناغم للخرسانة بشكل أساسي، إلى حد أن المرء يتمنى لو كان شاهدا على نشأة هذا المبنى نظرا لفرادته تصميما وتنفيذا، ما منحه حضورا وشخصية مميزين في المشهد المعماري مع أنه يعود إلى منتصف الثمانينات تقريبا. مستقبل المدينة.. معمارياً في ما يتصل بمستقبل المدينة، معماريا، فثمة العديد من المباني التي يبلغ عددها الثلاثين إلى الأربعين هي قيد الهدم أو اتخذ بها قرار هدم بالفعل، وذلك في شارع الشيخ زايد الأول ومحيطه وحده. ومن غير الممكن إنقاذ مثل هذه المباني لأنها لم تحظ ، سابقا، باهتمام كاف لجهة أعمال الصيانة ولا أعمال الترميم لاحقا بسبب تأثرها المباشر بتغيرات الطقس، لقد باتت مبان مهجورة وخالية من الحياة منذ أن هجرها ساكنوها. أغلب هذه المباني تاريخية، وتنتمي لفترات تعود إلى الستينات والسبعينات، والبعض منها يجتمع فيه الأصيل والمعاصر معا، وهي نموذجية من وجهة نظر علم العمارة لجهة استخدام العريش والبرجيل والفناءات الداخلية، أي عناصر العمارة العربية الإماراتية، ما يدفع بالأساتذة في الأكاديميات المتخصصة لتحفيز الطلبة نحو الاستفادة من توزيع هذه العناصر على الفراغ المعماري، والاستفادة من ذلك في المستقبل. تمثل هذه المباني، بالتالي، ملمحا من الملامح المعمارية لأبو ظبي وهي شديدة الأهمية نظرا لأنها مصدر من مصادر الموروث المعماري في المدينة، وجزءا أصيلا من شخصية المكان ومن ذاكرة الناس الذين سكنوها أو مرّوا بها، وينبغي التوثيق لها عبر الصور الفوتوغرافية وإعادة بناءِ التصاميم التي ولدت بناءً عليها هذه المباني. وما يعنيه غياب هذا التوثيق هو أن أبو ظبي ما تزال مدينة يافعة بالقياس إلى غيرها من المدن، إذ تستدعي الحاجة للحصول على هذه الوثائق إلى الذهاب إلى متاحف خارجية. خاصة وأن الإجراء التقني لإنقاذ هذه المباني الذي يُعرف بالتلبيس يحمل معه عواقب مستقبلية، إذ من غير الممكن معالجة إشكالياته إلا بالهدم فقط. • الأمر الأخير الذي ينبغي التطرق إليه، في صدد الحديث عن مستقبل أبو ظبي معماريا، يتمثل في ضرورة الانتباه إلى المساحات الخضراء التي بدأت تلتهمها المباني والمشروعات العقارية الجديدة. هناك الحديقة الخضراء المحيطة بفندق الميريديان والتي تعود نشأتها إلى العام 1974. إذ ينبغي الوعي بضرورة أن هذه المساحات تشكل في العادة أسباب السعادة للناس والعائلات، ولأنها واحدة من الأنساق المعمارية للمدينة المرتبطة مباشرة بالحياة الاجتماعية شديدة الغنى والتنوع في أبو ظبي، ينبغي التمسك بحضورها في المشهد الظبياني، خاصة أنه سيتم إنشاء مشروع ضخم في الحديقة الخضراء في فترة قريبة قادمة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©