الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشاعر حسن مريم: حبيبتي ليست بخير!

الشاعر حسن مريم: حبيبتي ليست بخير!
9 يناير 2013 20:14
“حسن مريم” ليس الاسم المكتوب في جواز سفر صاحب ديوان “رؤى قابيل”، وليس اسماً مستعاراً أيضاً، إنه اسم يجمع طرفي الحياة، الأب والأم، حسن ومريم، اسم مركّب يحمل أصالة في الامتنان والشكر والانتماء، وتفرّداً في الابتكار، ولهذا، كان من الطبيعي أن يكون الإهداء لهما: “إلى أبي حاضراً...، يترك كل صباحٍ فتات الخبز لعصافير روحي .. إلى أمّي أجمل صبايا الفرح..(وآخرة الأحزان).. إلى الأوطان المنسيّة كالثآليل على جسد الأرض .. وإلى الثلاثة في مرآتي .. أجملُ منّي ..”. وهذا الإهداء يفتح الستارة على عوالم الشاعر، التي لا تتوقف عند رثاء أو استدعاء الأب، أو عند الوقوف بين يدي الأم أو محاورة الوطن، وإنما تكاد تتوحد جميعها في كل القصائد بتجليات مختلفة، فقصيدة الشاعر حسن مريم مفتوحة على الفقد والامتلاء والحضور والفناء والحب والرحيل والغربة والوطن، هي هاجس كل شيء مهم في حياة الشاعر، يقلّبها بإيقاع غير مفتعل وأحيانا بقافية غير مصطنعة، فهو يتدفق موضوعياً وفنياً، شكلاً ومضمونا بتلقائية المرتجل المتقن. رؤى قابيل هو الديوان الأول، وعلينا تجاوز هذا التصنيف سريعاً كي لا ندخل في جدلية التصنيف والمستوى الإبداعي، وحبذت أن يبدأ حواري معه من هذه النقطة وبعض المحاور المذكورة: ? كيف استقبلت ديوانك الأول رؤى قابيل؟ وكيف استقبلته على وجه الخصوص وهو يحمل اسم حسن مريم؟ ?? رؤى قابيل - للتنويه - بدأ معي منذ 11 سنة، وفكرة النشر- مثل الكثير- لم تكن واردة أو مقنعة لي إلا في السنتين الأخيرتين، لكنّي لا أنكر أني استقبلته بكثير من القلق والخوف اللذين يراودانني حتى الآن، لاسيّما ونحن نعايش عدم اهتمام وتهميش للأدب بشكل عام، إلا أنني رغم عدم بلوغي ما أريد من شكل القصيدة ومغزاها فيه، فأنا راضٍ ومبتهج به كخطوة أولى في درب ما أريد، ولأنه كذلك يحمل اسم (حسن مريم) فهذا الأمر يحقق لي شيئاً بسيطاً من أمنية شخصية، سأجتهد لتحقيقها في المراحل القادمة. الفقد وملامح القصيدة ? فهمت من الإهداء ومن قصائد كثيرة أنك تعيش فقداً، وقد توقفت عند قصيدة “خلف بابك” ومقطع يقول: (كيف أنت الآن في أخرى القوافي؟ ألف مشتاق أنا يا ماء روحي/ كيف أنت الآن والوقت خسوفٌ؟ أمللت السُّكنَ فينا؟ ضِقتَ منّا؟ٌ كيف أغرتك المرايا/ وتخلّتْ يدك الخضراء عنا؟ كيف آمنت برؤياك وأطفات صدانا؟ لو ترانا/ في زوايا البيت أعجاز نخيلٍ..) ترى كيف تأثرت قصيدتك بهذا الفقد..الأهل، الوطن؟ ?? بالنسبة (للفقد) فهو حاضر بلا شك، ولا أرى هذا الأمر استثنائياً أو متفرّداً لي كمواطن عربي من جيل ٍ أفاق على أشباه أوطان وهوية مستهدفة، ويعاني في كل يوم من واقعه الذي فرض عليه وهو بأمس الحاجة لإصلاحه وإعادة إعماره، غير أن ّ حضور الفقد - كحالة شخصية أعيشها – فالفقد الأهمّ كان فقد والدي، الذي تربطني به علاقة غير صلة الرحم والدم، وربما كان لهذا مع ذاك أثر في تشكيل ملامح القصيدة لدي. ? هناك قصائد تبدو عاطفية مكتوبة لامرأة عشيقة وحبيبة ورفيقة، لكنني رأيت فيها المرأة النبع، التي تحمل في نسيج شالها كل هذه المعاني: يداك كما تشتهي لغتي: حرتان .. حريريتان وتختزلان جميع النساء وصوتك (إذ تشهقين) وضوئي وقلبك قُبّرةٌ خائفه.. فما مستوى حضور معاني الأم في الحبيبة، وتداخلهما معا حتى يصعب الانفصال؟ ?? بشكل شخصي أرفض أن تحضر معاني الأم في الحبيبة، لا أستطيع استقبال هذه الفكرة، ربما لتطرّفي في علاقتي بأمي، لكنّي أجد العكس أمراً بديهياً وعادياً بالنسبة لي، وهذا ما يجعلني أنادي أمي حتى اليوم باسمها (مريم) على اعتبارها حبيبتي إضافة لكونها أمي. أما الأم المجازية (الأرض) فهذا التداخل موجود ومقصود في بعض قصائدي، حيث أجد عمقاً أكبر وسماءً أوسع في التعبير عن مشاعري تجاهها، من حنين ويتم وعتاب ونقمة أحيانا وغضب وحب وغير ذلك. ? تقول في قصيدة سبع قصائد للياسمين: لِظلّيَ سبعون درباً تسير إليك ولاسميَ إذ ْ تهمسين به رعشةُ الفجر حين يسيل عليه الأذان وتقول في قصيدة سقوط أول: قليل من الحبّ يرتق سبعين جرحاً قليل من الليل يكفي لقتل القمرْ ما قصة هذه الـ سبعون، خاصة حين يرتبط مرة بالدرب ومرة بالجرح؟ ?? بعيداً عن فلسفة ورمزية الرقم سبعة ومضاعفاته، فهو عندي مرتبط بالكثرة والثقل والشتات، الكثرة والثقل فيّ وعليّ، وتماهي الأشياء فيّ، وتماهيّ في الأشياء حين أكتب، ولعلّ ارتباط هذا الأمر بالدرب والجرح جاء من باب اللاشعور بشعور خفيّ ما. ? كشاعر شاب وحداثي ماذا تعني القافية إليك/ قصيدة أول سماء.. وآخر امرأة/ هل تعتقد أن هناك عودة إلى الإيقاع والقافية؟ ?? أنا مع الشعر كيفما كان قالبه، ما دام حضوره أنيقاً محترماً، ولا أختار شكل القصيدة حين أكتبها، قد تأتي عموديةً أو تفعيلة ً أو حتى غير موزونة، ولا أتفق مع التعريف النقدي للشعر على اعتباره كلاماً موزوناً مقفّى، لكني لا أنكر أنّ القافية تفتنني، وربّما أنحاز وأنزاح معها كشاعر أو كقارئ. لا للتجييل والتصنيف ? كثيرا ما يصنفون الشعراء، شاعر شاب، وشاعر كهل وآخر مخضرم، وثالث كبير، هل أنت مع هذا التصنيف، وماذا تقول خاصة بوصف: الشاعر الشاب؟ ?? من الظلم أن نصنّف أي شاعر أو أديب أو فنان حسب عمره، برأيي عمر الشاعر من عمر قصيدته، وهذا العمر لا يقبل التدرج المعهود من طفولة ومراهقة وشباب وشيخوخة، فهنالك شعراء أكل عليهم الشعر وشرب، لكنّهم لم يبلغوا الفتوّة الشعرية، فقد وُجد شعرهم طفلاً لا يعي النور، أو عجوزاً ضعيفاً، وهنالك من هم على العكس لا تشعر بكبرهم وكهولتهم بسبب شعرهم الفتيّ وعنفوان قصائدهم. إنّني لا أنكر أن كل شاعر يعيش في داخله صراعاً على البقاء، تماماً كما يعيشه مع بقية الشعراء، قد يموت حياً وقد يحيا ميتاً. أما بالنسبة للشاعر الشاب (هذا إذا تحدثنا عن أجيال عمرية) فلعلك تلاحظ يا صديقي أن السواد الأعظم الآن هو من هذه الفئة، فئة مبشرة وأنا - كقارئ ومتذوق - أرى فيهم الجمال الكثير، الجمال الذي أتمنى أن يحافظ على خط سيره إلى الأجمل فالأجمل. ولكنّني متفاجئ حقّا من الكثير الكثير من شعراء الجيل السابق، الذين لم نعد نسمع عن إصداراتهم الثرية أو حتى عن أخبارهم حتى إنك لتكاد تنساهم. وهذا ما عنيته لك أنّ عمر الشاعر من عمر وحضور شعره. برنامج الغربة الغريب يرى ما ترى الطير إن هبت الريحْ .. الغريب يرى ما يرى الصُّمُّ إن أنَّ ناي جريحْ .. ? لكل شاعر علاقة خاصة مع الغربة، ويتقاطع الشعراء في خطوة أو حقيبة أو محطة ما، وأرى الغربة ماثلة في أكثر من قصيدة، بل تكاد تطغى على أجواء الديوان، كيف تشعر بها وكيف تهادنها وكيف تديرها؟ ? ? أعتقد أن الغربة امر ملحّ للشاعر، وبغض النظر عن مفهومها المكاني أو الذاتي فكل شاعر بالضرورة يعيشها، أو يخلقها ليعيشها، وهذا انزياح فطري يتطلبه الشعر، وليس بالضرورة أن تودع البلاد أو تنعزل عن الناس لتشعر بها. بالنسبة لي فغربة البلاد، هي غربتي التي أفقت عليها، أن تصحو وأنت خارج وطنك الأصلي فهذه كانت موجعة لي، الوجع الذي صار أثقل حين ودعت العائلة للعمل، في الغربة أنت شديد الملاحظة وسريع التحسس وكثير المقارنة، وربما خلق هذا الأمر قلقاً وبرداً وشيئاً من السواد في قصائدي، لكن مع الوقت كان لا بد ّ التأقلم بل والاستفادة من هذه الغربة، فصرت أقرأ أكثر، وأحاول استغلال كل دقيقة لأتعلم وأعرف، فالأجناس والثقافات متشعبة وكثيرة ومثيرة للتساؤل والمشاهد والأحداث، مع ما أعيشه من صراعات فكرية وعاطفية مدعاة للكتابة. ليس لدي برنامج محدد في الغربة، أحب أن أعيش حياة طبيعية دون أن أنساق مع وسواس وطقوس الشعر والكتابة، الشعر حنون ومخلص يظل ينتظرك، لكن العمر لا يفعل ذلك. ? رؤى قابيل، القصيدة التي يحمل الديوان اسمها، تكاد تلخص تعاريج الوطن، بكل بساطة الألم، حدثني عن الوطن، شاعراً وإنساناً..؟ ? ? مألوف عندنا نعت الوطن بالأم، حتى صار هذا النعت تعريفاً ومصطلحاً لكل مواطن من أي جنس ومن أي فئة عمرية أو ثقافية، وهذا النعت يتجلى بما في الأم من محبة ودفء وحنان ومنزلة، لا أتذكر أحداً رأى الوطن ابناً أو ابنة، أختاً أو زوجة ً أو صديقاً، ربما كان حبيبةً، لكن لماذا لا يكون الوطن كل هؤلاء؟ وهو بأمس الحاجة للعطف والحب والمساندة والوفاء والحماية، الوطن عندي كل هؤلاء، غير أني أرتاح في الحديث إليه حبيبةً، حبيبة أستطيع أن أفرغ نفسي أمامها دون أية حسابات أو مخاوف، أحبها وأشتاقها وأغضبها وأغضب منها وأعاتبها وأصغي لعتابها، لكن هذه الحبيبة ليست بخير، ودائماً تجعلني أنظر لنفسي بشيء من التقصير والعجز والخيانة ربما، هذا الشعور هو الذي جعلني أراني قاتلاً أيضاً أو سبباً في ذلك، ولعلك ترى ذلك جليّا في كثير من القصائد (رؤى قابيل، صواهل مسرحة، لمن هذه الأرض، شيخ ضرير....) وأنا أحاول فعلياً الخروج من هذا الشعور السلبي والدخول في مرحلة التوبة والإصلاح والتعويض لها ولنفسي. أول سماء.. وآخر امرأة مُرّاً يمرّ على الذكرى.. وتحرقه.. أنفاس أغنيةٍ سالت على الورقِ... هنا أطلّ على الرؤيا هنا سقطَتْ أولى سماواته في الغيب، وانكسرت.. وصفقت روحه البيضاء في الأفُقِ.. هنا صبا فمه ملح ابتسامته أطفالُه اليتّم العشاقُ.. صرخته وآخر امرأة ٍ فرّت من الحبقِ... هل كان يعشقها حقاً؟ عجبْتُ له، نارٌ ترى نفسها في لحظة الغرقِ... وهل رأتْ روحَه؟ لولا الضبابُ بعينيها لما انحرفتْ قوافلُ الشمس عنها ربما لمحَتْ برقاً ولم تكترثْ وربما فرحَتْ لكن ّ للقمر الخفّاق فطرتُه إن حكّه الغيمُ شبّ النجمُ في الطرُقِ... رأيتُ مشهدَها هذا رأيت خطىً تختار قفزتها العشواء هل رقصت؟ هنيهة ً، ثمّ مالت عنه للغسقِ... ومم خافت؟ من الأحلام؛ أرهقَها المعنى وأجفلَها الفرقُ المنمّقُ بين الماء والعَرقِ.. وودعَتْه! أجل.. لكنها نسيتْ أن تستردّ مراياها من الحدقِ.. سفينةٌ ضربَتْ في البحر وابتعدَتْ عن الموانئ والأيام تدفعُها لا الريح تصفعُ وجهَ الموج لا يدُه الحمراءُ رغم ذبول الليل ترجعها وظلّ يهذي بها حتى ذوى فمه وشذ ّ عنه الصدى في آخر الشبقِ.. للعاشقين مجاز الليل يتخمهم موتاً ويطردهم من رحمة الشفقِ... هذي حكايته.. أنفاسُ دمعتِه ما أوجَعَ الدرب بين العين.. والعنقِ!!.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©