الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أحلام مستغانمي: لو لم تسرق رواياتي لأصبحت أثرى كاتبة

أحلام مستغانمي: لو لم تسرق رواياتي لأصبحت أثرى كاتبة
3 مايو 2018 15:12
غصت مكتبة معهد العالم العربي بباريس عن آخرها بجمهور أغلبه من الجالية العربية في فرنسا، لحضور «ساعة مع أحلام مستغانمي»، حيث أجابت صاحبة «ذاكرة الجسد» عن أسئلة الناقدة الفرنسية بولا جاك حول تفاصيل إصدارها الجديد بعنوان «النساء لا تمتن عشقا»، وهو عبارة عن ترجمة لروايتها «الأسود يليق بك» إلى اللغة الفرنسية صدر عن دار هاشيت للنشر. استحضرت الكاتبة من خلال حديثها عن قصة حب استثنائية في عملها الأخير سنوات الإرهاب القاسية في بلادها، وقمع التطرف الديني لمظاهر الحياة والمرأة وتكفيره للفنانين والمثقفين، فيما استمتع الحضور بقراءات مقاطع من رواياتها بصوت الممثلة المسرحية كليومونس ازانكور، التي قرأت لأول مرة بالفرنسية قصيدة لأحلام مستغانمي بعنوان: «نخيل بغداد يعتذر لك». صاحبة «فوضى الحواس» أكدت أنها كاتبة الرغبة وليس الإثارة تماشياً مع عبارتها الشهيرة: «الحب هو ما حدث بيننا، والأدب هو ما لم يحدث»، واعتبرت أن ثنائية الموت والحب هي أكثر الغرائبيات التي يلهمانها للكتابة، كما وصفت نفسها بالوطنية والمؤمنة بقضايا الأمة والمناضلة على كل الجبهات، حيث رفضت المتاجرة بالقضايا التي قد تجلب إليها أضواء الغرب. وفي ردها على سؤال محاورتها إذا ما هُددت يوماً بسبب كتاباتها الجريئة، قالت الأديبة الجزائرية أنها لم تتعرض لهذا يوماً، ولكنها لم تكن بعيدة عنه لأنها تكتب لقاتل غير معروف وليس لقارئ مجهول. وتقصد بذلك مقص الرقابة ووعيد الرقيب الديني والاجتماعي. لم يتغيب موضوع أحداث «الربيع العربي» عن الندوة، إذ حيت صاحبة كتاب «قلوبهم معنا، قنابلهم علينا» النساء التونسيات اللواتي نجحن في هذه المعركة حسبها، واستشهدت بنضالهن من أجل تحقيق المساواة مع الرجل وغيرها من القضايا الغائبة عن باقي النساء العربيات. وعلى هامش حفل التوقيع، كان لنا هذا الحوار معها أحلام مستغانمي: * لقد التقيت مع قرائك المغاربيين والجزائرييين الفرنكفونيين في باريس، حيث كانت لديهم لهفة للاطلاع على روايتك المترجمة إلى لغة موليير، لكن لماذا اعتمدت عنواناً آخر «لم تعد النساء تمتن من العشق»؟. ** لم أحتفظ بعنوان عملي الأخير في نفس النسخة المترجمة، لأني اكتشفت في الفترة الأخيرة صدور فيلم فرنسي يحمل عنوان «الأسود يليق بك»، كما أجده عنواناً مستهلكاً ورائجاً جداً في فرنسا، لذلك أردت أن أضفي عبارة أو إشارة سعادة على الكتاب بعنوان يبهج القلب واخترت «النساء لم تعد تمتن عشقا». لكن أعتقد أن الوضع انقلب الآن تماماً، فمثلما تقول الممثلة بريجيت باردو: «لقد أصبحت المرأة هي رجل حياتها»، عادت اليوم النساء تمتن بسبب الحرمان من الحب. في الأخير هذه العاطفة هي حالة وهج عابرة، مثل أي شيء يشتعل قوياً وكثيراً ثم ينطفئ بسرعة، ولذلك الحب هو شعور جميل، وجماله كالأسهم النارية التي تضيء سماءنا. بين العربي والفرنسي * هل تفكرين في تنظيم لقاء تلتقين فيه مع الجمهور الفرنسي من القراء والنقاد والكتّاب أيضاً، مثلاً استضافتك في معهد أو جامعة فرنسية حتى تكون هناك حوارية وأيضاً تبادل وجهات النظر حول المواضيع التي تطرحينها رغم أنك تراهنين على القارئ العربي أكثر؟ ** سأقول شيء ربما يعتبر كلاماً غبياً. أنا حسب تركيبتي حرصت دائماً على الكتابة للقارئ العربي، هو هاجسي الأكبر، حتى ولو كتبت باللغة الفرنسية، لأني توقعت بأن القارئ الفرنسي ليس معنياً بهمومي وبأشيائي الصغيرة، فالقضايا الكبيرة التي توجعني ليست قضاياه، لكن حالياً بدأت أفكر جديا في هذا الموضوع عندما صدرت أعمالي مترجمة إلى اللغة الإنجليزية في بريطانيا، إذ صادفت في بعض التعليقات الموجودة على ظهر الكتاب عبارة مفادها بأنه ليس من حق العالم العربي أن يحتفظ بأحلام مستغانمي لنفسه. ولعلها شهادة صادقة، ربما أنا أكتب أدباً جميلاً من حقه أن يصبح أدباً عالمياً. صحيح أنا لا أملك هاجس العالمية وجنونها، وكنت سأصبح كذلك لو خضت في مواضيع معينة أو أدليت بتصريحات تستهوي جهات ما فتتسارع على تبني كتاباتي وهناك أنطلق بسهولة نحو المجد والأضواء، إلا أني كما قلت في الندوة أحرص على احترام مبادئي وقناعاتي التي دافعت عنها لمدة خمسة وأربعين سنة، وهذا أمر صعب ومكلف جداً، ولكن بإمكان الكاتب أن يوازن بين الحالتين. التناقض والتوافق * في روايتك الصادرة باللغة الفرنسية مؤخرا، التي تتحدثن فيها عن قصة حب ليست عادية بين مغنية أمازيغية مكابرة ورجل أعمال لبناني ثري يبدوان كخطين متوازيين لا يلتقيان رغم لهيب المشاعر بينهما، فهل تعتقدين مثل هذه القصة في رواية «الأسود يليق بك» (2012) تستهوي فعلاً القارئ الفرنسي؟ ** لا، ولكن أجد أن أسلوب هذه الرواية بالذات هو أخف ولغته جميلة وشاعرية مقارنة بأعمالي الأدبية السابقة التي خضت فيها مواضيع معقدة مثل تاريخ الجزائر على مدى خمسين سنة، ومآسي الحرب الأهلية والاغتيالات. عملي الأخير المترجم هو مبني على تأملات عميقة ونفسية، لأن العمق الإنساني هو ما يجعل الرواية تعيش، فالقارئ يذهب إلى الكتاب بحثاً عن نفسه وليس تنقيباً عن كاتبه، القارئ لا يحتاج أن نحكي له قصة قد يشاهدها على التلفزيون، بل هو ينقّب عن حوار داخلي أو مونولوج ليغوص في غمار النفس البشرية والخيارات الصعبة أمام كل المواقف، ثم الحب يبنى على التناقضات وليس على التوافق، فلا بد أن يكون الرجل ثرياً جداً في القصة وأن تكون المرأة عنيدة ومكابرة جداً، فلم يكن هناك جدوى من إعطاء أنصاف حلول في هذا الموضوع بالذات. ولذلك اعتمدت في كتابتها على إعطائها بعداً فلسفياً، وتكلمت عن الصوفية وهناك توظيف لنصوص ابن عربي فيها. الصوت والقوت * نلاحظ أن الجزائر هي الحاضرة الأكبر في كل أعمالك الأدبية، وحرصت أكثر على الحديث عن العادات المحلية أو العربية في هذه الرواية بالذات التي دخلت السوق الفرنسية؟ ** تحضر القيم العربية بشكل دائم من خلال جد بطلة الرواية «هالة» الذي كان يقول لها: «الكرم يسترنا»، وهي تنحدر من قرية مروانة وهي منطقة أمازيغية بالشرق الجزائري، هذه القرية قد تبدو غريبة إذا ما عرفنا أن أهلها يدافعون عن ثرائهم بمدى جمال وقوة أصواتهم وليس بممتلكاتهم، حيث يفرد واحدهم يديه بالدعاء قائلاً: «اللهم قوّي لي في الصوت ونقّص لي في القوت» أنا أجد علاقة هؤلاء الناس مع الغناء عجيبة بالفعل. وهذا ما وظّفته في الرواية. * هل تقاطعت الشخصية الرئيسية في روايتك مع المطربة الجزائرية «زوليخة» التي تنحدر من نفس المنطقة وكانت نهايتها مأساوية، إذ لم تحضر عائلتها جنازتها بعدما تبرّأت منها لاختيارها الغناء، هذا قبل أن يغتال المتطرفون الفنانون في التسعينات؟ ** لقد استمعت إلى أغاني هذه الفنانة في سنوات الثمانينات لكن لا أعرف قصتها هذه، يمكن تقاطعت شخصيتي المتخيلة معها صدفة بدون علم مني، وما يشدني في قرية «مروانة» التي تحدثت عنها في ورايتي هو غناء الناس في الجنائز وهو تعبير عن معزتهم للميت وتكريما لذاكرته، وفي تراثهم إذا احتقروا شيئاً أو شخصاً لا يغنون عنه، فالمرأة تغني عند حافة القبور فيما يشبه نحيباً طربياً، وحدثت حوادث تاريخية حيث ماتت نساء وهن يغنين كربا على من فقدنهن. هناك حكاية عياشية مامي، الأم التي ماتت وهي تنتحب على قبر ابنها، الذي قتله أحد الباشاوات بعد رفضها الزواج منه. فهذه الأصوات الجميلة التي تنطلق من جبل إلى آخر، لإعلام سكانه بقدوم دبابات العدو، كما أن الرجل يغازل المرأة بصوته ليكسب قلبها، تجعلنا ندرك أن علاقة الجزائريين البسطاء بفن الغناء والطرب قوية، ولم يكن الصوت عورة بل جاهاً للتباهي. فالحياة عندهم لا تساوي شيئاً أمام الفن، فأولاد سلطان كانوا يباهون بثروتهم التي بددت بفضل كرمهم الكبير، ولما أصبحوا فقراء فقدوا زمام الحكم، ولكن ظلوا خالدين بما يملكونه من جاه الكرم. الكتابة والثراء * تحققين خلال مشاركتك في معارض الكتب العربية دائماً رقماً قياسياً في مبيعات أعمالك الأدبية، الأمر الذي دفع بالقائمين على صناعة الكتاب إلى تصنيفك بأنك الروائية الأغنى في منطقتنا في الوقت الذي لا تشكل فيه الكتابة مصر رزق للمبدع، فهل حقوقك الأدبية ومستحقاتك محفوظة أمام القرصنة التي تتعرضين لها؟ ** كل الأرقام حول مبيعات الكتب في الوطن العربي مزوّرة، فلولا القارئ لما وجدت أسواق للكتب، وكانت كتبي لا تدخل إلى المكتبات السعودية إلى فترة قريبة جداً، كما لم تسلم من التزوير والسرقة الأدبية، حيث لم أبع نسخة واحدة في حياتي في سوريا بسبب القرصنة. فلو كان هناك احترام لحقوق المؤلف لأصبحت اليوم أثرى كاتبة بالتأكيد، لكني أعتاش من كتابة المقالات، فلو لم تكن هي مصدر دخلي لتوقفت عن الكتابة منذ فترة طويلة. * هل تعكفين حالياً على كتابة رواية جديدة لك، وإذا كان كذلك فما هي تفاصيل هذا العمل ومتى يكون في متناول القراء؟ ** أعمل حالياً على إصدار جزء ثان من كتاب «نسيان كوم»، وهو فصل يكمل هذا العمل الأدبي حول موضوع الفراق، أنا أستعجل لإتمامه، وسبب تأخري هو ما يجري في العالم العربي من حروب والأحداث التي أتعبتني نفسياً كما ترين. وأرى أن هذا الفصل مهم جداً لأن الفراق يحضر دائماً في حياتنا بأوجهها المختلفة، ونقضي نصف أعمارنا في مواجهته. وبعد صدورها قريباً في بيروت، سأتفرغ لعمل روائي كبير موجود في ذهني، وأعتقد أنه سيكون الأهم في مسيرتي الأدبية كلها، يتمحور موضوعه عن أبي وعلاقته بالجزائر، أستحضر فيه تجربة شخص في مواجهة وطنه الذي يلحق به الكثير من الأذى حتى يصبح مريضاً بسبب الجراح دون أن يقوى على البوح بالسبب لطبيبه الفرنسي حتى لا يضاعف شعوره بالخيبة، لاسيما وأنه كان مناضلاً خلال الثورة الجزائرية. طبعاً سأبقى محصورة في هذه التيمة ولن أتخلص منها لأنها موضوع حياتي، لكن سأكتب هذا العمل بطريقة مختلفة تماماً. ابنة مناضل أحلام مستغانمي، كاتبة وروائية جزائرية، ابنة مناضل إبان الثورة التي شهدتها البلاد ضد المستعمر الفرنسي. عملت في بداياتها في الإذاعة الوطنية مما خلق لها شهرة كشاعرة إذ لاقى برنامجها «همسات» استحسانًا كبيرًا من المستمعين، ثم انتقلت إلى فرنسا في سبعينيات القرن الماضي، حيث تزوجت من صحفي لبناني، وفي الثمانينيات نالت شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون. وهي تقطن حالياً في بيروت، وحازت على جائزة نجيب محفوظ لعام 1998 عن روايتها «ذاكرة الجسد». ومن أعمال أحلام مستغانمي: «على مرفأ الأيام» 1972. «كتابة في لحظة عري». «ذاكرة الجسد» 1993، التي تحولت إلى مسلسل بالعنوان نفسه. «فوضى الحواس» 1997، هي عبارة عن الرواية الثانية في ثلاثيتها (ذاكرة الجسد، فوضى الحواس، عابر سرير) تتحدث عن خالد رسام جزائري وعلاقته بابنة رفيقه المناضل. «عابر سرير» 2003. «نسيان com». «قلوبهم معنا قنابلهم علينا». «الأسود يليق بك» 2012. ديوان شعري بعنوان «عليك اللهفة» 2014 بالمشاركة مع الملحن مروان خوري.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©