الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زوج في الجنة ويختار النار

زوج في الجنة ويختار النار
18 أكتوبر 2009 22:15
أنا لست صاحبة هذه القصة وإنما عشت معظم أحداثها عن قرب. كنت أحياناً شريكة فيها بحكم صداقتي لصاحبتها، وجدت نفسي أعيش المشكلة، رغم أنني أتعايش مع مجرياتها، وربما أكون مجرد مشاهدة لكنني تفاعلت معها أكثر من بطلتها. وكي أدخل في الموضوع لابد أن أقدم لكم نفسي أولا فأنا من أسرة كبيرة ثرية، من رجال الأعمال وذوي الوظائف العالية والمناصب الرفيعة والمشاهير ونساء المجتمع. وبشهادة كل من حولي أنا جميلة يشار إليها بالبنان، تقدم كثيرون لطلب يدي منذ أن كنت طالبة في الثانوية العامة مما جعلني أشعر مبكراً بجمالي وأنوثتي ولا أنكر أنني شعرت ببعض الغرور والتكبر على قريناتي من الأهل والأقارب والزميلات. ولم يتوقف تردد طالبي يدي على منزل أبي وأنا في الجامعة بل ازداد عددهم وأبي يرفض في كل مرة لا لأن العريس ليس مناسباً، وإنما لأنه اتخذ قراراً ولا يريد ولا يسمح لأحد بأن يقترب منه كأنه أمر عسكري واجب النفاذ وهو لا زواج ولا حديث فيه قبل التخرج من الجامعة والحصول على المؤهل العالي. فأبي يرى أن العلم سلاح لا يعلوه سلاح وقوة لا تدانيها قوة، فهيأ لنا كل أسباب النجاح. رفض أن يدخل التلفاز بيتنا حتى لا يشغلنا عن المذاكرة والدروس وقد كان محقاً، رغم أننا كنا نرى في ذلك تعسفاً وحرماناً إلا أننا عندما بدأنا ندرك الحياة بكل جوانبها تأكدنا أنه كان يفعل عين الصواب. وكانت النتيجة أنني وإخوتي وأخواتي الثمانية حصلنا جميعاً على مؤهلات عليا، وحصلت على ليسانس الآداب وأصبحت عينة العرسان الذين يتقدمون إليًّ منتقاة من علية القوم، من بينهم شاب في مقتبل العمر في وظيفة مرموقة ولأنه كان مناسباً فقد وافق الجميع عليه وتم زواجنا. دعوة عشاء بعد عدة أشهر في بيتي الجديد تلقينا دعوة للعشاء في الهواء الطلق من زميل زوجي في العمل وصديقه المقرب، وكانت تلك هي البداية لهذه القصة التي أردت أن أسوقها إليكم فقد حضر هو وزوجته التي قلبت عندي الموازين، وحان الوقت لأن أحدثكم عنها فهي صاحبة هذه الأحداث. عندما شاهدتها لم أصدق أنني أمام امرأة من الواقع جميلة بما يذهب بعقول النساء قبل الرجال، ما رأيت مثلها في حياتي كلها. لا استطيع أن أصفها فكل شيء فيها ساحر وجذاب. أما التاج الأكبر الذي كان فوق رأسها فهو الخلق الرفيع والتواضع الشديد، والبساطة في كل شيء. إنها امرأة من الخيال ولولا ثقتي بزوجي ونفسي أولا لاحترقت من الغيرة منها. توطدت علاقاتنا كأسرتين متفقتين متفاهمتين، ظروفنا متشابهة، فزوجي وزوجها يعملان في مكان واحد، طبيعة وظيفتهما تضطرهما للتغيب عنا لعدة أيام أو أسابيع متصلة يذهبان معا ويعودان معا حتى كدنا نكون أسرة واحدة رغم أننا لا تجمعنا صلة رحم. صديقتي وزوجها ارتبطا بعد قصة حب هادئة جداً كللتها مواصفات هذه المرأة فإنها رقيقة كالنسمة تتحدث همساً، لا تجلس إلا إذا جلس زوجها قبلها. لا تبدأ تناول الطعام إلا إذا أشار أو أومأ لها، لا تتحرك إلا بعد إذنه أو تلبية لأمره. امرأة لا تعرف كلمة «لا» مطيعة جدا وهذا كله جعلني في حيرة شديدة والتساؤلات داخلي كثيرة، فكيف تقبل سيدة مثلها أن تضع نفسها في هذه المكانة؟ ولماذا ترضى هذه الحالة التي تصل إلى حد المذلة؟ لكن الحقيقة كانت غير ذلك، فهي سعيدة راضية بما تفعل ولا ترغب في تغييره ولا تريد إلا أن تكون كذلك، بينما أنا أشعر بالضيق والغيظ. ومنعت نفسي من الحديث في هذه الأمور التي اعتبرتها خاصة بهما ولا يجوز لي أن اقحم نفسي فيها حتى لا يبدو الرأي وكأنه وقيعة بينهما أو يؤدي إلى سوء فهم. المهم انهما راضيان بما هما عليه. موقف لا ينسى اما الموقف الذي لا يمكن أن أنساه فهو عندما كنا يوما على موعد معتاد لقضاء سهرة في المساء معا، توجهت أنا وزوجي إليهما عند منزلهما، انتظرناهما في الشارع دقائق معدودة. وكان الجو خريفياً بين البرد والحر كان زوجها في ذلك الوقت يشعر بأن الجو يميل إلى البرودة فطلب منها أن تصعد إلى الطابق الخامس بلا مصعد حيث يقيمان لتحضر له المعطف خشية أن يميل الطقس إلى مزيد من البرودة. استدارت وصعدت الطوابق الخمسة وأحضرت المعطف وقدمته له مع ابتسامة رقيقة. وإذا به فجأة يغير رأيه ويؤكد أنه ليس بحاجة للمعطف وأن الطقس قد يتحسن. فطلب من زوجته أن تعيده مرة أخرى فاستجابت دون أن تنبس ببنت شفة وعادت اليهم، ثم بدا له أن تصعد للمرة الثالثة لتحضر المعطف ربما يكون آخر الليل أكثر برودة من أوله. وبنفس هدوئها ووداعتها وأيضا ابتسامتها هرعت لإحضاره وأتت به وقدمته إليه ثم مصمص شفتيه ورأى أنه عموما في ذلك الوقت من السنة مهما اشتدت البرودة فأنه لن يحتاج إلى هذا المعطف الثقيل. وكاد يطلب منها أن ترده مرة أخرى إلى مكانه في خزانة الملابس. إلا أن زوجي اضطر للتدخل بعد أن أصابنا الملل من الانتظار أولا. ومن هذا التصرف ثانيا. واقترح أن يبقي على المعطف في السيارة إن احتاج إليه ارتداه، وإلا تركه. وحصل الاقتراح على موافقة الجميع. وانطلقنا حيث مكان السهرة. لم أستطع في تلك الليلة أن استمتع بهذه اللحظات رغم الخضرة والماء والوجوه الحسان التي تذهب الأحزان. فقد سيطر هذا الموقف على تفكيري وشغلني تماما. لم أجد له وصفاً ولا تعبيراً ولا تفسيراً. انه خيال بالفعل لا يمت للواقع بصلة. ورغم ذلك كانت هي تقضي وقتها كأن شيئا لم يكن. سعيدة بشوشة تقفز فوق كل الأحداث تضعها تحت قدميها. لا تدع لأي موقف فرصة لأن يعكر صفو حياتهما. طاعة عمياء سارت الحياة بصديقتي وزوجها على هذا المنوال في كل تفاصيل المعيشة إلى أن حدث الزلزال الذي هزني أنا وزوجي قبل أن يهز الأسرة التي ارتبطنا بها على مدى عدة سنوات وتأقلمنا على كل طباعنا، وتفاهمنا وتقبلنا كل ذلك، كانت الهزة عنيفة بكل المقاييس، فزوج صديقتي يريد تطليقها لأنه لا يستريح لتصرفاتها أنه يرى كل هذه المميزات عيوباً، إنها امرأة بلا مشاعر، متجمدة الأحاسيس، لا تعرف المعارضة ولا تبدي رأياً. تكتفي بتلقي الأوامر والتنفيذ والاستجابة والطاعة العمياء. تفتقد النقاش والطموح، كأنها دمية تتحرك بالريموت كنترول راح يردد كلمات الشاعر نزار قباني يوجهها للمرأة «قولي انفعلي انفجري، لا تقفي مثل المسمار» يريدها امرأة متحركة، شعلة نشاط، يكون لها موقف في كل قضية، ورأي في كل حدث لا تنساق وراء رأيه بل يجب أن تغار عليه. وتضع التوابل على حياتهما الزوجية بإضافة بعض المشاكل والخلافات، يجب أن تغضب وأن تثور فكل الزوجات يغضبن ويذهبن إلى أسرهن ويتدخل الأهل والأصدقاء للمصالحة، ولا مانع من أن يصل الأمر إلى المحاكم. لابد أن تلقي حجرا في الماء الراكد. كانت تلك وجهة نظره في المرأة التي يريدها رغم أن المئات بل الآلاف من الرجال كانوا يحسدونه على زوجته وطباعها، لكنه يرى خلاف ما يرون، وفشلت في النهاية كل جهود أهل الخير في الإصلاح بينهما وتقريب وجهات النظر وإن كانت المرأة بلا رأي وبلا مطالب، بالفعل تم الطلاق وعادت إلى بيت أسرتها تحمل لقب مطلقة، وبعدها بعدة أسابيع اختار زوجة غيرها ولسوء حظه كان فيها كل ما كان يتمنى من حدة الطباع، ومخالفة الرأي بسبب وبدون سبب بل هي التي تريد أن تفرض رأيها عليه، لا تستجيب لأي مطلب منه، أكدت له أنه لا فرق بينها وبينه، عليه أن يعد طعامه، وأن يغسل ملابسه. وينظف الأطباق التي يأكل فيها، أعلنتها صراحة في وجهه أنك لم تشتر جارية ولا خادمة، قدمت له النكد الذي كان يفتقده ويصبوا إليه، حولته إلى شيء مهمل، هي التي توجه وتصدر الأوامر وعليه أن يطيع وينفذ ليس من حقه أن يعارض أو يناقش، كل ما تحلم به واجب عليه. في البداية استراح لهذه الصفات التي كان يفتقدها، ثم اضطر للاستمرار في التعامل معها لأنها أصبحت أمرا واقعا. ثم تحملها رغم انفه لأنه لم يستطع أن يشكو منها لأن هذا ما كان يريده. وأخيرا وبعد أقل من عام فاض به الكيل لم يعد بمقدوره السكوت والاستمرار مع امرأة هي أقرب إلى مصنع الخلافات والنفايات، واتخذ قراره الثاني بالطلاق وأيضا كان له ما أراد ولكن بعد خسائر فادحة. بعد مدة أبدى الزوج الندم والأسف لصديقتي زوجته الأولى، يريد أن يردها إلى عصمته، وهي تميل إلى ذلك. وعندما سألتني رأيي في البداية لم ارد ولكن مع إلحاحها، قلت لها لو كنت مكانك فلن أعود اليه مهما استرحمت دقات قلبي وقلبه. ويرى زوجي انه يكفي ما تعلمه من دروس وقد يعود الى صوابه. وهكذا تتعدد الآراء ولا ندري أينا على صواب.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©