الثلاثاء 7 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عيون الشاعر الكثيرة

عيون الشاعر الكثيرة
2 مايو 2018 19:50
لا يستطيع التاريخ أن يهضم الشعر لأنه كتلة صلدة غير قابلة للتحلل… لكن الشعر يحلل التاريخ ويفسخه ويعتاش عليه… ويحول مادته إلى روح.. التاريخ يتفكك في الشعر والشعر يتصلب بوجه التاريخ ويستعصي على الفهم. *** الأساليب المهجورة البائدة في الكتابة يمكن أن تنبثق مثل نبضات في النص الشعري الحديث… يمكنها أن تنشِّط الأسلوب الحديث وتجعله متوتراً. *** بين قصائد الشاعر وجسده مشيمة لا تسقط، تتسرب من خلالها الروح بين الشعر والجسد. يوم يموت الشاعر ويذهب جسده تسقط المشيمة معه لكن الروح تبقى في شعره تتقلب بين العصور. *** الوجود الذي نحن فيه شعريّ في جوهره، فالمسافة بين البيت والمقهى والشارع مثلاً هي ذات المسافة التي يكررها علينا يومنا العادي، ولكن الشاعر يرى في هذه المسافة، كل يوم وفي كل قصيدة، أمراً جديداً وبعدا جديداً.. مرة يتوغل في الكوني ومرة يتوغل في الباطنيّ.. ومرة في الدقيق وأخرى في القصيّ وهكذا.. الشاعر إذن يشعر بالزمان والمكان بطريقة مختلفة في حين يعتبرهما الآخرون أمراً مسلّماً به. *** ليس هناك تاريخ لجوهر الشعر… هناك تأريخ للقصائد، الشعر دائرة مكتملة مكتفية بذاتها لا تاريخ لها، إنه ليس مستقيماً متدرجاً متطوراً. أما ما نراه من شعر جديد في كل العصور، فهو زاوية نظر تقع على محيط الدائرة ترى المشهد مختلفاً… ولكنه في حقيقة الأمر واحد. *** تنبعُ حقيقة الشعر من إدراك الشاعر لوجود علاقة عامة تحت الظواهر تشيع نغماً يمزج ويصهر الأشياء مع بعضها ويوازن الصفات المتنافرة ليشيع الانسجام بينها. إن هذا الانسجام الخارجي المحكوم بوعي الشاعر عليه أن يرتبط بدقة مع الانسجام الداخلي (الموسيقي أو الصوتي) للقصيدة. *** لابد لأي تيار شعري متطرف من نزعة كلاسيكية لكي يترصَّن ويقوى ويبدو ثابتاً بوجه التفكك الذي يأتي من داخله أو خارجه… النزعة الكلاسيكية هنا تدل على القوة وليس على استعادة نمط قديم… إنها تمثلٌ وإشاعةٌ للروح القوية في البناءات الحديثة الرجراجة التي ما زالت بحاجة إلى استقرار. *** الخزين الشعري الكلاسيكي لابد أن يبعث بأمواجه وبضوئه إلى عصرنا… لابد أن يمتزج أي ابتكار حديث مع موجة تبثها مضخات الشعرية الكلاسيكية… المهم أن لا يتلف الخزين أو يحتبس في الماضي أو يتبدد. *** لا يستطيع التراث لوحده أن يشكل موقفاً متماسكاً لشاعر معاصر يقوم من خلاله بتعامل نفّاذ وقوي مع العصر والوجود، قد تساهم الخصوصية التراثية للشاعر في إعطاء لون أو مسحة أو شحنة تمتزج مع الخصوصية الوجدانية له فتعطي للشاعر هوية أو نمطاً أو أسلوباً ولكن تشكّله المعرفي/‏‏ الكوني لا يتم مطلقاً إلا من خلال مجمل الثقافة الإنسانية المعاصرة. *** الشاعر مركز الدائرة بما يحمله من توتر وكثافة وقوة، ومحيط الدائرة هو كل ما حوله من ثقافة ونصوص والمهم دائماً فتح المسرى بين المركز والمحيط لتظل الحركة قويةً متأججة. *** عندما يلتزم الشاعر بقضية الشعر إلى أقصى ما تؤدي إليه، فإنه بذلك يعطي مثلاً مدهشاً على الالتزام كاملاًَ… إنه يحفز على أن يكون السياسي والحرفي والعالم كذلك كما كان هو… الخطأ الأكبر هو أن يلتزم الشاعر في حقل آخر غير حقل الشعر. *** بعد أن يمتلك الشاعر الأصيل أداته وصوته ولونه الخاص وبالتالي شكل قصيدته الخاص فإن عليه أن يكون دقيقاً في اختيار المضامين والمواضيع التي يحاول أن يرتفع بها من موضوع عام يكتب فيه الكثيرون، من غير الموهوبين، إلى موضوع يمتلك سحراً وحياة. إن اللمسة الشعرية التي يعطيها الشكل الشعري لكل المضامين العامة لا تأتي إلاّ بعد جهد كبير يمر به الشاعر من أجل تأسيس خاص به. *** تؤدي القصيدة عبر ما تتضمنه من معانٍ ومضامين وأفكار إلى كلمات تؤدي بدورها إلى أصوات تبدو للقارئ بلغة أخرى أنها شبكة صوتية من الحروف… كم سيكون مدهشاً لو أن الشاعر، بدراية منه أو دون دراية، استطاع أن يؤلف سمفونية صوتية/‏‏ حروفية من قصيدته تتناغم وتنتظم فيها الأصوات في شكل هندسي دال على ما تذهب إليه القصيدة! *** في كل شعر… مادة عامة ومادة خاصة، المادة العامة يخلقها ما هو سائد من شعر في مرحله ما… والمادة الخاصة يخلقها الشاعر نفسه وتخلقها لغته وتجربته الخاصة. وعندما يتحول شعر أي شاعر إلى مادة عامة فإنه يخسر شاعريته حتماً ولا تعود له أية نكهة مميزة… وعندما يتحول هذا الشعر كله إلى مادة خاصة فانه لا يعود مؤثراً ويصبح تجربة سلبية لا تستطيع أن تأخذ مجراها في عموم الشعر المبدع… أما إذا تمّ التوازن بين المادة العامة والخاصة بأرجحية تأكيد المادة الخاصة فعند ذاك يكون الشاعر قد حقق شيئاً كبيراً. *** اللغة اقتراح جماعي تعارفت عليه جماعة من البشر عبر تاريخ طويل، وهي تشبه اقتراح الجسد الإنساني في أن يكون على هذا الشكل وليس على غيره. ولكن اقتراح الجسد اقتراح كوني أما اقتراح اللغة فاقتراح بشري، وهكذا يمكن أن نغير في اقتراح اللغة (عن طريق شعر) لأنه مصير وسيط لا يشبه الموت الذي هو مصير نهائي. اللغة قدر مسلط علينا لكنه ليس قدراً مطلقاً لأن فيها الكثير من الثغور التي تسمح لنا بالتنفس خارج قدرنا اللغوي وهو ما يشعرنا بالسعادة وكأننا تنفسنا خارج قدرنا الجسدي. *** قصيدة النثر ستسود… ولن يكون هناك ما يسيء للشعر من خلالها ولا يجب اعتبارها موضة أو تقليعة عابرة لأنها أفق الشعر كله ولأن الشعر الموزون (العمودي والتفعيلة) هو اقتراح مسبق إلى جانبها، أما هي فتمثل شعر الحرية بامتياز. *** الشعر الهندسي (العمودي والتفعيلة) سيخسر لمناسبات أو لأسباب محددة، الشعر العمودي أشبع الماضي العربي قيوداً وقد كبل عقل العربي ووجدانه بقيود أثرت على شخصيته وقذفت به إلى القرن العشرين وما بعده تائهاً مذهولاً من هول الحرية التي وجدها بعد أن تحرر منه. *** النص الغائب شعر مفرَّق في نصوص غير شعرية كالسحر والأسطورة والدين والرواية والمسرح والنثر، هذا النص الذي تماهى وذاب في سجون أجناسية مقفلة، هذا الكل المجزأ الذي يجب إعادة جمعه من الحقول التي تبدد فيها والذي لا يمكن أن نسمية قصيدة أو قصيدة نثر… بل هو على نحو ما نص غائب. إعادة خياطة هذا النص تجعله غائباً مرتين، فهو غائب غريب في حقوله تلك وهو غير قابل للجمع والحياة في هيئة جديدة… إنه نص غائب إلى الأبد. *** غربة الكائن الحقيقية في الزمان وليس في المكان، فما معنى أن ننفي أنفسنا في الماضي أو في المستقبل ونهمل الحاضر، إننا نكون قد خسرنا الحياة، أما مجاهيل الماضي والمستقبل التي نبحث عنها بالشعر أحياناً فهي لا توازي مجاهيل الحاضر وألغازه وطياته ومكنوناته وغرائبه، إن الشعر الحقيقي هو الذي ينبض بالحاضر، والسؤال الكبير هو كيف نفتش في هذا الحاضر وكيف نعبر عنه. *** الذات الناقدة والذات الشاعرة واحدة، ممارستهما هي المختلفة، الذات الناقدة تذبل بلا شحنة شعرية والذات الشاعرة تتيه بلا علامات نقدية، لم أجد أي فصل، في يوم من الأيام، بين هذه وتلك، وأرى أن كل ذات حقيقية تشعُّ نقدا وشعراً بنفس القوة. *** كلما حذفنا شرطاً من شروط شعر جديد نتجت طريقة جديدة في كتابة الشعر، فعلى سبيل المثال تم التخلي جزئياً عن القافية أو تم التلاعب بها فظهر الموشح ثم ظهر البند، وعندما تم التخلي عن الشكل الهندسي للشعر العمودي وتم التلاعب بعدد ومواقع التفعيلات ظهر شعر التفعيلة، وعندما تم التخلي كلياً عن الوزن ظهرت قصيدة النثر وهكذا. *** الكتابة كلها مجاز إزاء المعنى، فالشعر يكون مجازاً هو الآخر إزاء المعنى، ولكن التوتر الذي يحمله الشعر ويحاول أن يصرخ بمعنى أشد كثافة… وربما يريد أن يقول صراحة: لقد وقعت أنا أيضاً في الشرك وغيبت المعنى. *** يذوي الشاعر ويشحب لونه كلما مر الوقت عليه وهو يناجي القمر، وقد يتهدم كلّه وتنطفئ عيونه وهو يحدق بصورة متصلة بمثله العليا. هذا وصف يصلح لشاعر في العصور القديمة وربما في العصور الرومانسية أما الشاعر الحديث فشأنه آخر… إنه شاعر يخترق الشوارع بصبر… ويتماسك في ضجيج العصر… يحدق طويلًا في النساء وفي اللوحات وفي الأفلام… يسمع الموسيقى ويسافر إلى المدن البعيدة ويسخر من الكتب الرديئة، يحب المسرح الطقسي ولا يحب القراءة الطويلة المملة… شاعر لا يحدق في القمر طويلاً. كل شاعر لابد له من نص مجاور للشعر يمارسه قراءة أو كتابة. أما الشعر فلا يمكن أن يكون نصاً مجاوراً لغير الشعراء، بل هو نص المركز لأنه نبع الإبداع الخفي لو علموا. *** أجمل تعريف للزمان والمكان ذلك التعريف الذي زودنا به أرسطو فالزمان هو (الشيء بعد الشيء) والمكان هو (الشيء بجوار الشيء)، أعتقد أن الشعر فن زماني لأنه يضع الأشياء بعد بعضها في نسق عمودي صاعد أو نازل، أما السرد فهو فن مكاني لأنه يصنع الأشياء بجوار بعضها في نسق أفقي متتابع.. البنيوية أيضاً تضع الشعر في نسق عمودي دايكروني توضع فيه الأشياء والكلمات فوق بعضها، وتضع السرد في نسق أفقي سانكروني توضع فيه الأشياء والكلمات بجوار بعضها. الشعر فن يقترب من الموسيقى، والسرد فن يقترب من التشكيل. *** المؤسسة الدينية هي التي سجنت الإيمان.. أما المتعبدون فقد طوروا نوعاً من الممارسات الروحية العفوية وجعلوا الدين جميلاً. *** جوهر الشعر واحد وأشكاله متعددة. لا يمكن لأي شكل من أشكال الشعر أن يكون جوهر الشعر مهما اقترب من مواصفات هذا الجوهر. *** تخثر النثر فأنجب النثر الفني وتخثر هذا فأنجب النثر الشعري وتخثر هذا فأنجب قصيدة النثر والنص المفتوح، كلّ ذلك حصل بسبب وجود خميرة شعرية خفيّة. *** ليست هناك امرأة فيلسوفة أو موسيقية أو تشكيلية كبيرة على مر التاريخ.. لماذا؟ تاريخ الفلسفة والموسيقى والتشكيل يضج بالرجال ولا توجد فيه امرأة تذكر. هل النساء حسيات إلى هذا الحد وغير قادرات على التجريد لأن الفلسفة والموسيقى والتشكيل هي فنون تميل إلى تجريد العقل والروح والحواس على التوالي؟ أم أن السلطة الذكورية أقصت المرأة من مناطق التجريد حيث كانت الآلهة إناثاً ذات يوم؟ *** الجميل هو العابر، كل الأشياء الجميلة عابرة، النساء العابرات أجمل، عادة، من غيرهن. ليس في حياتنا سوى ما هو عابر، حياتنا ذاتها عابرة وكذلك ما نكتب. *** النقد ثابت والشعر متحول، النقد مسطرة والشعر زئبق، النقد نظرية والشعر حياة، النقد عقل والشعر عاطفة. هذه المعادلات تضعنا عند معضلة النقد الحقيقية وهي أن النقد كلما التقط ظاهرة شعرية ووضع لها مقياساً زاغت الظاهرة عن شكلها الأول وظهر لها شكل آخر، وبذلك يتعطل المقياس النقدي ويتوهم بأن الظاهرة تشوهت أو اختلت وأن النصوص لم تعد مشجعة. *** الشاعر الحديث أكثر من مبدع لجنس اسمه الشعر إنه بالإضافة لذلك صاحب عقل فلسفي ويتوزع نشاطه في هذه المناطق المجاورة للشعر بقوة وحيوية أساسها تصحيح النقد وإنعاش الفلسفة وتقديم رؤيا جديدة للعالم، فإذا ما اندرج في السائد من النقد والفلسفة والرؤيا فإنه لا يصلح أن يكون شاعراً بل يصلح عند ذاك لمهنة التدريس. *** الشاعر الحديث يعتمد على المفارقة التي تتستر بها اللغة وتغطي نقصها، فهي ميتافيزيقية في ضرورة وجودها تحتمل قوى ظهور الشعر والدين والتأمل، ولذلك يمكن للشاعر أن يفتح طريقاً لا نهاية له في أدمة اللغة وأن يعيش فيها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©