الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صناعة الأخبار العربية

9 ابريل 2011 20:56
سبب تراجع دور الصحافة في صناعة الأخبار لا يقتصر على تطور وسائل الإعلام المرئي والمسموع ثم الثورة الرقمية مؤخراً، وهو وإن كان ظاهرة عالمية، لكنه لا ينفي أهمية المحاولات القائمة على قدم وساق في بعض المجتمعات من أجل استعادة بعض هذا المجد الذي ضاع مع الفضائيات ثم مع البث الرقمي. ومن السهل تلمس أن هذا التراجع في صحافة الدول الأقل نمواً لأسباب عدة منها، صعوبة الحصول على الأخبار الجديدة والمعلومات الموثوقة في مثل هذه المجتمعات، واستمرار الخلل في التدفق اليومي العالمي للأخبار (من الغرب إلى الشرق أو من الشمال إلى الجنوب) بسبب تمكن وكالات الأنباء العالمية وقدراتها، وعجز صحافة الأخبار في مثل هذه الدول، ومن ضمنها وكالات الأنباء الوطنية أو الخاصة على قلتها، عن تطوير نفسها نوعياً، بحيث بقيت مجرد وسيط لنقل الأخبار «الرسمية» وأخبار العلاقات العامة والخاصة الجاهزة. هذه الظواهر لا تقلل من خطورتها بعض الاستثناءات التي سجلتها قلّة قليلة من القنوات العربية الإخبارية أثناء «بعض» الأحداث والحروب والثورات خلال الفترة الأخيرة. وهي تطرح إشكالية مهنية بالغة الأهمية وتتعلق بهوية ودور الصحافة (المرئية والمسموعة، التقليدية والرقمية) في الدول الأقل نمواً عندما تتحول إلى موزع وناشر للأخبار بدلاً من أن تكون شريكاً أساسياً في صناعة الأخبار الحقيقية والكشف عنها في وقتها الفعلي. لقد كان من نتائج هذا التحول «الجماعي» والمركّز طغيان توجهين أساسيين في مضمون الصحافة هما، تعويض النقص في صناعة الأخبار بتطوير حرفة تقديمها وعرضها بما يتواءم مع التوجهات السياسية والثقافية لكل صحيفة أو دولة. وطفرة التوجه نحو التحليل وعرض وجهات النظر والغرق في بحر التأويلات. وساهم هذان الاتجاهان في تنمية ثقافة الشكل على حساب «المضمون الفعلي» للأحداث، كما ساهم في تعزيز التعصب للرأي، جنباً إلى جنب مع فقدان جمهور عريض، خاصة من الأجيال الجديدة، ثقته بالصحافة وصدقيتها لا سيما لدى شرائح متنامية تشبعت بروح مجتمع المعلومات والمعرفة الحقيقية التي لا تحتمل الانقسام والتناقض المبتذل في التأويل والتفسير. إن تلك ظاهرة عامة في الصحافة العربية ومؤسساتها التي يفترض أن تكون إخبارية وتتمتع بأكبر قدر من الصدقية المهنية والحيادية، ومن دلائل شمولها رواج برامج «الحكي» التي لا تتردد في تناول قضايا خطيرة وحساسة بطريقة مبسطة وساذجة على قاعدة تأجيج تباين المواقف وليس على قاعدة إغناء المشاهد والمتحاورين أنفسهم بمعلومات موثقة تساهم في إقناع هذا أو ذاك أو تخفف مسافة التباعد الذي ينتهي أحياناً بالشتائم وبمزيد من الخلاف. وفي هذا السياق تبرز مشكلة غياب صحافة التحقيق الصحفي مقابل هيمنة صحافة القيل والقال والتصاريح والتسريبات في حالة المجتمعات التي تشهد صراعات أو تمهد لصراعات مقبلة. ولهذا تبرز الحاجة الماسة لجيل جديد من الصحفيين قادر على مقاومة الانخراط في مثل هذه الوظيفة «التدميرية»، وعلى تصحيح مسارها ليكونوا رواد مهنة يساهمون في تصحيح أعوجاج مجتمعاتهم ومن ثم تطويرها. ولا شك في أن جزءاً كبيراً من المسؤولية يقع على معاهد وكليات تعليم الإعلام والصحافة، لكن من الصعب تقدير وعي القائمين على هذه المؤسسات بهذا الجانب الجوهري من إعداد الصحفيين المهنيين. وذلك أمر يبقى الحكم فيه مؤجلاً، للأسف، حتى إشعار آخر. د.الياس البراج | barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©