الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حتميات

حتميات
5 ابريل 2013 20:32
مع كثرة المشاهدة للأفلام السينمائية، تتعلم أن هناك مشاهد حتمية لا بد من حدوثها في أفلام عديدة. الناقد روجر إيبرت تحدث عن مشهد عربة الفاكهة، وهو مشهد يمثل أي مطاردة تتم في سوق شرقي في الأفلام الغربية. البطل يركض في السوق المزدحمة، ثم تعترض طريقه عربة فاكهة .. يثب فوقها، بينما تسد العربة الطريق تماماً أمام الأشرار .. اللقطة التالية للبائع يصرخ مهدداً بقبضته. كم مرة رأيت فيها هذا المشهد؟.. يبدو أنه تقليد إجباري في أي فيلم أكشن يدور في الشرق. هناك مشهد المشاجرة في مخزن قش .. أنا أحفظ هذا المشهد جيداً .. لكمات. ثم يحمل أحدهم شوكة القش الثلاثية ويحاول طعن الآخر .. طبعاً ينتهي المشهد بمصباح كيروسين يسقط ويسكب ما فيه .. من ثم يشتعل المخزن كله. غالباً يفر البطل وهو يحمل على كتفه البطلة التي فقدت وعيها. ننتقل الآن إلى الأفلام العربية. تقريباً لا بد أن ينتهي أي مشهد مطاردة قرب قضبان القطار بأن يسقط الشرير تحت قطار مسرع. لا بد من مشاجرة في نهاية الفيلم يتم فيها تبادل اللكمات بقوة، مع نفس الحركات المحفوظة التي تعلمها الممثلون من عم «طوخي» أقدم مصمم حركات خطرة في السينما المصرية، ما لم يكن هو نفسه طرفاً في المشاجرة، ومع هذه اللكمات تسمع صوت قطع الخشب تصطدم ببعضها «طاخ طيخ» لأن المسؤول عن المؤثرات الشخصية يضرب قطعتي خشب ببعضهما جوار مكبر الصوت. لا بد من إعطاء البطل - وهو غالباً رشدي أباظة أو فريد شوقي - الفرصة ليستمتع بالضرب .. ولهذا ترى سيارات الشرطة تتجه لمكان الحادث في بلاهة وبلا عجلة. يجب أن نصل بعد القتال حتى نعطي البطل فرصة ممارسة بطولته، وفي ذلك الوقت كان مشاهد السينما يشعر بأنه خدع لو لم يسمع فريد شوقي يقول: «يا عدوي» أو «وشرف أمي» ... هذا بالطبع بعد ما يكون قد قال «سامو عليكو» وحاول أن يتحاشى القتال .. بالنسبة للموسيقى التصويرية، غالباً هي مسروقة من جون باري أي من أفلام جيمس بوند. الأفلام المرحة تستعمل لحناً واحداً هو لحن (في أثر الثعلب) فيلم بيتر سيلرز الشهير، مع الإفراط في غمزات العين والنظرات (الشقية) من سعاد حسني .. في السينما المصرية يعتبر التدخين وسيلة اتصال ممتازة .. قف عند مدخل الفندق أو الكباريه واشعل سيجارتك .. هنا يظهر لك رجل العصابة من تحت الأرض ليقول بطريقة درامية مفضوحة: تسمح تولع لي ..؟.. هكذا يتم الاتصال. أحياناً يكون طلب إشعال السيجارة وسيلة للتحرش. لأن اللكمة ستنهال عليك بعدها .. خاصة من ذلك الممثل الأصلع الضخم الذي يظهر في كل أفلام الأكشن.. سوف يوسعك ضرباً. هناك مشاهد إجبارية في الملاحات، وهي تروق لمخرجين مثل حسام الدين مصطفى بالذات .. القوارب المدببة «الكانو»، التي يقف فوقها الصيادون ويغرسون المجاديف في طين القاع. هذه أشياء حتمية بدورها، خصوصاً أن الملاحات هي مكان إخفاء المخدرات دائماً. ما دمنا تكلمنا عن رشدي أباظة، فالمخرج ورشدي نفسه يعرفان أن المشاهدات سوف يغتظن جداً لو لم يرقص رشدي وهو ثمل حاملاً العصا وشعره ساقط على وجهه .. لا بد من ضحكة مفتعلة يطوح فيها برأسه إلى الخلف وينفجر: ها ها هاه .. هذه أمور تعجب المشاهدات جداً.. لا يستطيع أي مخرج أن يقاوم مشهد المحاكمة، حيث يقف الممثل و«الكاسكيت» على رأسه ممسكاً بالقضبان، وهو يصرخ: أنا بريء .. أنا بريء .. هنا لا يوجد قضاة متعجلون أو نافدو الصبر. الكل ينتظر حتى يفرغ الممثل من شحنة التمثيل التي تؤرقه .. ينتظرون في صبر حتى ينهي كل ما يريد قوله. وفي النهاية يقول القاضي بوقار: حكمت المحكمة على المتهم بالإعدام شنقاً ... هذا يعطي الممثل فرصة ذهبية لمزيد من الصراخ الهستيري والتعلق بالقضبان. المشكلة أن هؤلاء القوم مخلصون فعلاً ومصممون على أن يعملوا بقدر ما قبضوه من مال .. كلما كان أجره عاليًا كلما كان صراخه مرعباً.. هذا هو ما استطعت تذكره، وأعدك أن أعود ثانية إلى هذا الموضوع ذي الشجون. د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©