الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سيدات الثلاثينيات تسلقن الجبل ماضياً وما زلنَ متربعات فوق القمة

سيدات الثلاثينيات تسلقن الجبل ماضياً وما زلنَ متربعات فوق القمة
19 أكتوبر 2009 22:16
بعد فترة من الزمن هناك جيل لن يكون موجوداً بيننا، أو أنّ الباقين منه سيكونون قلة قليلة، لكنهم سيمثلون الأشخاص الأكثر أهمية في هذا الزمن، نظراً لأنَّهم شهدوا مرحلة منقضية، فهم من جيل الثلاثينيات من القرن العشرين، ما يعني أنَّهم عاصروا الفترات العصيبة التي مرت بها المنطقة نتيجة الحرب العالمية الثانية، ومعظم رجال تلك الفترة إما قد توفاهم الله، أو أنهم عجزة لا يستطيعون الكلام. أما من النساء فهناك سيدات من فترة الثلاثينيات ما زلن يتمتعن بشيء من القوة في السمع والبصر، ويستطعن السير(ندعو الله أن يحفظهن)، والبعض الآخر لم نستطع لقاءهنَّ لأنهنَّ طريحات الفراش. تحت مظلة من السعف، أمام منزل فاطمة صالح سعيد في المنطقة الشرقية، مابين الفجيرة والجزء التابع لرأس الخيمة، التقينا بهنَّ. الرحمة شفاء الجسد تقول فاطمة، وهي أرملة، «إنَّ الحرب العالمية كانت بعيدة، لكن آثارها وصلت لمنطقتنا، وربما حُرمنا من بعض المواد الغذائية التي كان يمكن أن تصل لنا، ولكنَّنا كنَّا نعمل ونحصل على ما نريد من مواشينا وأراضينا الزراعية، ولو كان المردود قليلاً بعض الشيء، ولكن يكفي أننا عشنا من خير الوطن». ترى فاطمة أنَّ سبب بقائهن في صحة جيدة نوعاً ما، يعود إلى أنهن كن يعشن من أجل الشعور بالسعادة، ذلك الشعور كان يتحقق يومياً وهن يقدمن خدمتهن لبيوتهن وللأزواج والأطفال، حتى كبروا وصاروا رجالاً، وأيضاً لأنهنَّ كنَّ يتسلقن الجبل إلى قمته يومياً من أجل جمع الحطب. كبرت فاطمة يتيمة، ولكنَّ أختها عوَّضتها عن فقد الأبوين، ولم يمنعها ذلك من الشعور بالحنان تجاه الأهل والناس، وتقول، من وحي تجربتها التي تبرِّر لها القول، إنَّ الرحمة في القلوب تشفي الأجسام، لأنَّها تطهِّر من الحسد والأحقاد. الصبر سمة النسوة أما صديقة طفولتها، عائشة محمد، وهي أرملة أيضاً، فتتذكر أنَّها كانت تصعد الجبل يومياً مع فاطمة وبعض الفتيات، ولم يتغير شيء بعد الزواج، إذ أكملنَّ مهمتهن تجاه الأسرة، ولم يكن هناك ما ينغص عليهن حياتهنَّ، وعندما دخل التعليم النظامي إلى الإمارات، وكان ذلك عن طريق فتح مكتب المعارف الكويتية، أصبحت الحياة أفضل. تفسر ذلك بقولها إن التعليم والعلاج فتحا مجالاً لإيجاد فرص للعمل، فأصبح بإمكان الشباب إيجاد وظائف، وكذلك الرجال، ولكن العبء الأكبر كان ملقى على عاتق المرأة، لذلك تعتبر عائشة أنَّ سيدات فترة الثلاثينيات كنَّ الأقوى، لأنهنَّ نقلنَ خبرتهن إلى الأبناء، وساعدن الرجال بصبرهن على التفرغ للعمل والبناء. نساء النخيل من بعيد جاءت خديجة خلفان النقبي مسرعة، وكأنَّها على موعد مهم، لحقنا بها وتوقفنا معها عند نخلة، اعتذرت بمشاغلها التي تمنعها من الخوض في الكثير من الكلام، «لدي عمل كثير، وكلُّ ما أقدر على قوله أنَّنا كنَّا قويات كهذه النخلة، وصبورات حتى على الجفاف، ولكنَّنا نعاني الآن من بعض الأمراض والآلام نتيجة الكبر، إلا أنَّ أمراضنا وأوجاعنا لا تمنعنا من السير والعمل، وأظنُّ أننا لو بقينا يوماً واحداً في المنزل مع الراحة التامة، فلسوف نصاب بالكساح والأمراض». سألنا خديجة عما ترغب في قوله لأبناء الإمارات، فقالت: «الجلوس طويلاً والأكل الدائم يورثا المرض والشيخوخة، وعليهم بسبع تمرات كل صباح، وأن يعملوا بكل أمانة، لأنَّ العمل بأمانة يورث البركة في الصحة والمال، ونحن، أبناء هذه المناطق، لا نتناول اللحم إلا مرَّة في الشهر الواحد، وقد يمر الشهر دون أن نقربه». هذه العينة من السيدات المولودات في الثلاثينيات، لم يعد المرء يراهن، كما كان الحال في الستينيات والسبعينات، يفرشن الأرض أمام بيوتهن ويستقبلن القريب والغريب، لأنَّ هناك الكثير من العيون الفضولية الغريبة (كما يقلنَّ)، ولأنَّ الباقيات منهن يعتبرن مثل الدرر النادرة، التي لن نجد مثلها ذات يوم بعد عدة سنوات.
المصدر: الشرقية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©