الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأسواق القديمة.. ذاكرة مكان يهددها التجديد

الأسواق القديمة.. ذاكرة مكان يهددها التجديد
6 ابريل 2013 15:47
تشكل الأسواق القديمة في الإمارات روح المكان وذاكرته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي ما زالت تحمل صوراً من الماضي البعيد تحضر اليوم لتكمل المشهد العريق الذي انصهرت فيه جميع الثقافات بخصوصية رسمها التاريخ ويلونها الحاضر بتفاعلاته الفريدة. وتمتد جذور بعض أسواق الدولة إلى عصور ما قبل الإسلام، وأخرى شكلت محطة على مضيق هرمز، بينما عرفت أخرى على مستوى العالم كمراكز لتجارة اللؤلؤ، في حين ازدهرت أسواق في العصور الوسطى، ثم تراجعت لصالح أخرى. وتحفل جنبات الأسواق القديمة، سواء كانت متنقلة أم ثابتة مفتوحة أم مسقوفة، بعبق التاريخ وحكاياته، فلم يقتصر دور الأسواق على البيع والشراء، بل تعدى إلى أنها مكان لتبادل الثقافات، وتفاعل الحضارات، فكانت منبراً للأخبار والشعر، ومسرحاً للحكاية، وملتقى للتعارف وسداً لاحتياجات الناس. ومهما كبرت المدن العصرية وتطورت، تظل بحاجة لتلك “المتاهة اللذيذة المتخمة بالعطور والألوان ورائحة الطبيعة التي تشعر الإنسان بكينونته وعمقه التاريخي”، كما يقول مراقبون ومتخصصون في التراث، مشيرين إلى أن عديداً من البلدان تنبهت إلى قيمة الأسواق القديمة، فأعادت تأهيلها وتجميلها وأعادت إليها الروح، وهو ما تفوقت به الإمارات بترميم كثير من أسواقها واحتضان مهرجانات تعيد إلى الذاكرة تلكم الأسواق بصخبها. فأين تقع هذه الأسواق على خريطة الإمارات؟ وما مميزاتها وتاريخها وأدوارها التي لعبتها في المجتمع؟ وما قوة حضورها اليوم؟ وأسئلة أخرى حُملت لمجموعة من الباحثين والمؤرخين الذين سلطوا الضوء على مراحل ضاربة في عمق التاريخ عن تشكل أسواق في الإمارات ترجع إلى العصر الجاهلي، فيما تحدث جانب منهم عن عملية الترميم ومن يجب أن يتولاها، مشددين على وجوب أن يتولى عالم الآثار عملية الترميم لا المهندس. ويرى آخرون ضرورة إيجاد هيئة للثقافة والتراث تعنى بتراث الإمارات، في إشارة إلى تكامل المناطق من حيث الغنى التاريخي والثقافي والتجاري، بينما يلفت أحدهم إلى ضرورة العناية بالأسواق القديمة كموروث حضاري تقليدي تشكل عناصره موروثاً معنوياً تستحق إدراجها في لائحة «اليونسكو». أما السائح الأجنبي القادم للإمارات، فيعتبر أن وهج الزيارة لا يكتمل دون الغوص في أسواقها والاطلاع على حرف ومشغولات أصحابها ونمط عيش سكانها، بينما تحدث بعض من أبناء الدولة عن شغفهم وحبهم للتراث الذي خط بالذهب في أوراق الذاكرة. نظرة تاريخية ترتبط نشأة الأسواق بالتجمعات السكنية، حيث كانت الأسواق، إضافة إلى دورها الاقتصادي، ملتقى اجتماعياً وثقافياً ومكاناً للامتزاج الحضاري بين مختلف الأعراق والثقافات. يقول الدكتور عبدالله الطابور، وهو باحث في التاريخ الحديث، إن الأسواق ظهرت في الجزيرة العربية منذ زمن بعيد، وعلى أرض الإمارات، ظهرت أسواق في عصور ما قبل الإسلام، لعبت دوراً مهماً في ربط العالم القديم، ومنها سوق دبا الحصن الذي كان يشهد مناظرات شعرية ولقاءات بين التجار لتبادل المعلومات عن المناطق الذي قدموا منها. ويضيف الطابور أن سوق دلما أيضاً لعب دوراً اقتصادياً وثقافياً مهماً، لكونه كان محطة للسفن التجارية، حيث كان يلتقي فيه الحكاؤون الذين يجلسون في السوق ويتناوبون على رواية قصص أسفارهم، بينما اعتبر سوق جلفار أحد الأسواق المهمة والمحورية في القرون الوسطى، نظراً لكون جلفار ميناء تجارياً معروفاً لتصدير اللؤلؤ، كما ضم السوق محطة لانعقاد المناظرات الشعرية والأدبية. وإضافة إلى المكانة الاقتصادية، كانت جلفار مدخلاً لمضيق هرمز، وبوابة لعبور العرب المسلمين لفتح بلاد فارس في تلك الحقبة. وانعكس رخاء جلفار على حالها الاجتماعية والعمرانية، فزارها كثير من الأمراء وذوي الحظوة لاستيراد اللؤلؤ، وظهرت فيها المساجد والقلاع، وعرفت أسراً ميسورة، كما ظهرت فيها بعض المهن كصناعة الفخار الذي ما يزال شاهداً على حضارة جلفار. كما ظهرت أربعة أنماط سكانية في رأس الخيمة، هي أهل الجبال وهم الشحوح أو الحبوس، والبدو سكان الصحراء، والبيادير سكان المناطق الزراعية، وعرفوا بعاداتهم وفنونهم، والحضر سكان السواحل. سوق معروف وإلى جانب هذه الأسواق، كان هناك سوق معروف في منطقة العين، التي كانت محطة رئيسة على طريق القوافل التجارية وقوافل الحج، وكانت البريمي عاصمة للمنطقة، يتبعها 11 تجمعاً أو قرية، تضم الإمارات اليوم 9 منها، والثلاثة الباقية ضمن أراضي سلطنة عمان. ويشير الطابور إلى أن معظم هذه الأسواق اندثر وتراجع دوره، بينما ظل سوق جلفار مزدهراً حتى القرن السابع عشر، قبل أن تتراجع جلفار لتتقدم رأس الخيمة بمينائها وأسواقها، ويبدأ ازدهار أسواق الشارقة ودبي وأبوظبي، وتظهر أسواق العرصة في الشارقة ورأس الخيمة ودبي، وسوق المناظر “المرايا” وسوق السخام “الفحم” وسوق الدلال. من جهته، يشير المؤرخ فالح حنظل إلى أن الأسواق التي ظهرت في الإمارات بداية القرن العشرين تسمى “البانيان”، وارتبطت بالتاجر القادم من الهند أو بلاد فارس. ويوضح أن سقوط مدينة لنجة القاسمية بيد الفرس أواخر القرن التاسع عشر، يعد تاريخاً مهماً لبدء ازدهار التجارة في دبي، حيث فتحت الإمارة الباب أمام هجرة تجار تلك المدينة الذين بدأوا بالاستقرار حول خور دبي وافتتحوا متاجرهم. ويضيف أن أسواق البانيان كانت قائمة على تجارة اللؤلؤ، الذي شبهه بـ”نفط ذلك الزمن”، فما أن ترسو السفن محملة باللؤلؤ، حتى يتسلم “الطواش” أو تاجر اللؤلؤ الحمولة، ويقبل عليه البانيان لشرائه مقابل عملات كانت رائجة في تلك الفترة، مثل الروبية الهندية، والتومان الإيراني، والليرة الإنجليزية الذهبية، وليرة ماريا تريزا النمساوية. ويذكر المؤرخ حنظل أن سوق البانيان كان يشتمل على بضائع أخرى مثل الأغذية ومواد الطعام وعلى رأسها الأرز والسمن والقهوة والتوابل ومطيبات الطعام، كما وجدت أسواق للأقمشة والألبسة، لافتاً إلى أن أفخم الأقمشة كانت تأتي من بومباي، إضافة إلى العطور والأدوية وأدوات زينة المرأة من كحل والورس وديرم “حمرة الشفاه”، وكانت الأسواق أيضاً تضم خياطين ومتاجر لصناعة الأسلحة كالخناجر والبنادق. ويشير حنظل إلى أنه في مرحلة ما قبل النفط، كان سوق دبي مركزاً مهماً لتجارة الذهب في المنطقة، وكان وجوده إيذاناً بتحول دبي إلى مركز تجاري عالمي مستقبلاً، في حين اشتهرت الشارقة بأنها سوق “المغر الأحمر”، وهي مادة تدخل في صناعة المواد الإنشائية، وتستخرج من جزيرة أبو موسى، وكانت هذه المادة تعتبر مورداً تجارياً رئيساً شأنها شأن اللؤلؤ. ويربط سعيد بن كراز من هيئة أبوظبي للثقافة والسياحة ظهور الأسواق في أبوظبي بظهور المدينة، موضحاً أن تجارتها اعتمدت على التبادل التجاري كالتمر والسمك المالح والأرز والمواد الغذائية من سكر وقهوة وغيرها. ويلفت ابن كراز إلى أن أحد الأسواق في أبوظبي في مطلع القرن العشرين كان يطلق عليه اسم “سوق إبليس”، نظراً لبعده الجغرافي عن جزيرة أبوظبي، حيث كان يقع قرب منطقة المفرق. ووفق ابن كراز، فإن سوق إبليس ورد ذكره في أحد مؤلفات الرحالة المستشرقين، وبين أنه يبيع اللحم المقدد والتمر وأواني الطبخ والملابس والمواد الغذائية. كما يشير ابن كراز إلى سوق طريف الذي ظهر منتصف القرن العشرين مع قدوم شركات التنقيب عن النفط، لافتاً إلى أن البداية كانت عبارة عن “عريشة” واحدة تباع فيها مواد غذائية واحتياجات بسيطة للعمال في شركات التنقيب، ثم تطورت الحال بعد ذلك، فأنشئت محال وبدأت تدب الحياة في السوق. ويقرن ابن كراز ظهور سوق أبوظبي القديم الذي كان يكتنز بين حناياه لمحات عتيقة من روح المدينة، بتأسيس قصر الحصن قبل 250 سنة، موضحاً أن السوق كان يشكل عصب المدينة وروحها واحتوى على المواد الغذائية من تمور وتوابل وملابس وذهب وكل ما يحتاج إليه الإنسان من سمك وخضروات، وكان عبارة عن بيوت من العريش إلى أن تطور تدريجياً. ويستذكر ابن كراز سوقاً للنساء كان قرب مستشفى الجيمي، حيث كان متخصصاً ببيع ما تحتاج إليه النساء من ملابس وأدوات زينة. سوق القطارة ملتقى ثقافي وفي سياق الهدف من إحياء الأسواق القديمة وإبراز الأدوار التي قامت بها سابقاً، يقول محمد عامر النيادي مدير إدارة البيئة التاريخية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، إن سوق القطارة في العين الذي تأسس في ثلاثينيات القرن الماضي وأعيد إحياؤه وترميمه عام 1976، ثم افتتح أمام الجمهور العام الماضي، يلعب اليوم دوراً ثقافياً سياحياً أكثر من الدور التجاري والاقتصادي. ويوضح النيادي أن السوق كان يلعب دوراً كبيراً في تبادل البضائع وبيعها وشرائها، وقام بأدوار أخرى لا تقل أهمية عن الدور التجاري، وهو الدور الثقافي، الناتج عن لقاء مختلف التجار من بيئات مختلفة، ما أسهم في خلق ثقافة وعادات وتقاليد مشتركة بين مناطق الدولة، فكانت قصيدة شعراء دبي يحفظها شعراء أبوظبي والعين، وكذلك القصص والأخبار، ما ساعد على خلق حركة أدبية ثقافية بين محاور التبادل التجاري. وفي سوق القطارة، مروست مهن مختلفة، مثل الخياطة والسدو والتلي وصناعة الفخار والخوص، كما مورست مهنة التعليم، حيث كان يضم السوق زاوية لأحد المطاوعة الذي كان يجمع حوله الطلبة من أعمار مختلفة، لتعليمهم مبادئ القراءة والكتابة والحساب. ويقول عمر الكعبي، متخصص في الآثار بإدارة سوق القطارة، أن السوق يستقبل الوفود الرسمية، كما يستقبل طلاب المدارس والجامعات، وذلك لنعرفهم بالحياة القديمة والحرف اليدوية والسوق القديم، والحال التي كانت عليه في سابق الزمان. أما بالنسبة للمرافق التي يشتمل عليها السوق، فهي ورشة عمل مفتوحة في الهواء الطلق، وهي لصناعة جذوع النخل والعريش وغيرها من المتعلقات بالنخلة المباركة، وحاولنا ضخ الحياة فيه من جديد بإرجاع الدكاكين القديمة التي كانت به ويلجأ لها الصغار والكبار لاقتناء كل مستلزمات الحياة، من ملابس جاهزة وتمور وحلويات وأوانٍ نحاسية وأخرى فخارية، وتضمن جانب منه حرف يدوية، وذلك للإضاءة على الموروث الثقافي والحضاري ودور هذا السوق قبل أكثر من سبعة عقود. ويضم السوق عدداً من المحال التي تتنوع بالمواد التقليدية كالأعشاب والتوابل والعسل ومنتجات البقالة التقليدية والمنتجات الخشبية وأدوات المطبخ التراثية ومنتجات سعف النخيل، إضافة إلى أعمال السدو والغزل والحياكة والتلي، وبعض الأعمال اليدوية الأخرى ونماذج من الأقمشة النسائية والرجالية، وعدة الصقارة والصقارين. ويوضح الكعبي أن السوق ينشط نهاية كل أسبوع، بحيث يستقطب فرقة العيالة، لإضفاء جو من المتعة ولاجتذاب السياح من الأجانب والمواطنين والمقيمين على أرض الدولة للتعرف إلى ما يعرضه السوق من مخزون ثقافي. ويحتضن السوق كل الحرف اليدوية والفنون التقليدية والمعروضات الشعبية. ووفق الكعبي، فإن عملية الترميم لسوق القطارة أعادت الحياة له، وأظهرت أبعاده الاجتماعية والاقتصادية والتراثية. لا للتجديد.. نعم للترميم بإشراف علماء آثار لا مهندسين التفتت بعض الدول إلى قيمة الأسواق التقليدية مؤخراً، فعملت على تأهيلها وتجميلها وأعادت لها الروح، مثل ما فعلت الإمارات بسوق القطارة بالعين، وسوق العرصة بالشارقة وسوق الديرة بدبي، وغيرها من الأسواق. ووفق متخصصين، فإن الإمارات ترى في أسواقها الأثرية جزءاً من تقاليدها وتاريخها، فرفضت التنازل عنه فحافظت عليه عن طريق القيام بالترميم اللازم للحفظ والصيانة ودرء المخاطر. ينتقد ناصر حسن العبودي، عالم آثار وباحث في التراث، اضطلاع مهندسين معماريين بعمليات الترميم للأسواق التراثية، مؤكداً أن الترميم يجب أن يقوده علماء آثار ومتخصصون في التراث، لأن النظرة تختلف من طرف لآخر. ويزيد: إننا كعلماء آثار ندرس الحضارة والتراث والمباني القديمة إنسانياً، أما المهندس المعماري فيتعامل مع المبنى بعين اقتصادية ومعمارية، دون الالتفات إلى أهميتها التاريخية. فالمهندس تاجر يريد أن يحقق دخلاً، وعالم الآثار يهتم بالجانب الحضاري ويهمه المحافظة على المبنى القديم وإظهار عناصره التراثية. ويوضح العبودي أن الهدف من الترميم عند علماء الآثار هو الحفاظ على شخصية المبنى، لذلك نرفض تدعيمه بالحديد والأسمنت، وتغيير معالمه، وتلك نقطة الخلاف بيننا وبين المهندسين المعماريين. ويعتبر العبودي الذي أسهم في ترميم سوق العرصة في الشارقة أن رأسمال عالم الآثار هو التاريخ، مشيراً إلى أن سوق العرصة بالشارقة تم ترميمه بصورة تكاد تطابق الأصل وظل يحتفظ بشخصيته. وعن حركة إلغاء بعض الأسواق وتجديدها أو إعادة بنائها بطراز جديد، يرى محمد أحمد الكيت، المستشار بالديوان الأميري مدير عام دائرة الآثار والمتاحف برأس الخيمة أن التجديد العمراني قضى على معظم الأسواق القديمة، مؤكداً أن إمارة رأس الخيمة ما تزال تحتفظ بجزء منها وما تزال تحمل نفس أسمائها التي عرفت بها، ومن أشهر هذه الأسواق سوق الشيخ سلطان بن سالم الذي يرجع تاريخ تأسيسه لأكثر من 100 سنة، ويقع بين بوابتين شمالية وجنوبية تقفلان بالليل لحماية البضائع من السرقة. ويلفت الكيت إلى أن رأس الخيمة كان بها مجموعة من الأسواق تقع في منطقة لا يتجاوز طولها كيلومترين وعرضها نصف كيلومتر، ويتجمع في هذه الأسواق كل ما تحتاج إليه المدينة من أدوات ومأكولات وملبوسات، حيث كان هناك سوق الصاغة، وسوق الحلوى، وسوق التمر، وسوق السخام (الفحم)، وسوق العطارين (الأدوية)، وسوق المضرب المتخصص في صناعة الأثاث الخفيف، وسوق الحبال الذي يعرض متطلبات البر والبحر من أدوات صيد ومعدات زراعة. وربما تنفرد رأس الخيمة بأن كانت تضم سوقاً للنساء، ويقع خارج بوابة سوق الشيخ سلطان بن سالم، وتشكل الخضار مادته الرئيسة، حيث كانت النساء يأتين صباحاً لبيع الخضار التي تزرع في المنطقة الشرقية برأس الخيمة. الأسواق.. تراث معنوي يجب الحفاظ عليه تسعى العديد من الدول لإدراج تراثها في قائمة «اليونسكو» للتراث الثقافي غير المادي للبشرية الذي يحتاج إلى صون عاجل، فماذا عن دور الإمارات في ترسيخ دور تلك الأسواق؟ يقول الدكتور ناصر علي الحميري مدير إدارة التراث المعنوي بهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، إن دورهم يتمثل في دراسة تاريخ هذه الأسواق، وتوزيعها، والعوامل الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى نشأتها، ودلالات مسمياتها، وكيف حافظت على أنشطتها، والمراحل التي مرت بها من حيث التوسعة والنشاط التجاري، وأنواع المعروضات، والعلاقات الاجتماعية التي كانت تربط البائعين والمشترين فيها، والأنشطة الثقافية المرتبطة بها، مثل: القصص، والحكايات، والأشعار، والحكم والأقوال، والأمثال وغير ذلك، إضافة إلى العادات والتقاليد المرتبطة بأوقات زياراتها، ودورها في توطيد أسس التعاون، وتبادل الأخبار بين زوارها، وأشهر التجار فيها، والأساليب المتبعة باستيراد البضائع، ومصادرها، وأساليب تخزينها. الأسواق القديمة بأبوظبي وعن أهم الأسواق القديمة في أبوظبي التي تعنى بها إدارة التراث المعنوي، يقول الحميري: هناك الكثير من الأسواق القديمة في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث كان لكل بلدة صغيرة أو قرية كبيرة على امتداد الساحل سوقها الخاص، وكذلك بالنسبة للمناطق الداخلية المأهولة بالسكان، وكانت تلك الأسواق تتباين من حيث الحجم، الذي يحدد حجم البضائع بها، وعدد مرتاديها من التجار والباعة، كما يحدد مدى أهميته بالنسبة للسكان، وذلك لاعتمادهم عليه في توفير احتياجاتهم من البضائع، والمواد الغذائية. أما أقدم الأسواق التي اهتمت بها إدارة التراث المعنوي، فهو سوق القطارة الذي يعتبر أقدم الأسواق في مدينة العين، وظل شامخاً يجسد الماضي. كما قامت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة بإعادة ترميمه وفتحه أمام الزوار والمتسوقين بدءاً من 29 نوفمبر 2012، بعد أن وفرت جميع الخدمات والمستلزمات الأساسية اللازمة، باعتباره يمثل رمزاً مهماً يجسد حقبة زمنية تعكس تاريخ المنطقة، ودور الآباء والأجداد فيه، علاوة على الدور المستقبلي له في تنشيط الحركة السياحية والثقافية للعين. حفظ التراث الشفهي وعن حفظ التراث الشفهي للشعوب، يذكر الدكتور الحميري أن الأساليب تتعدد، ومن بين هذه الأساليب السعي إلى استقطاب أصحاب المؤهلات الجامعية وإخضاعهم لدورات تأهيلية على أساليب البحث الميداني لعناصر التراث، وتوثيق عناصر التراث المعنوي باستخدام أساليب التوثيق الحديثة والتقنيات اللازمة، ولدى الإدارة قسم خاص بأرشفة التراث الشفهي بأشكاله المختلفة السمعية البصرية، وذلك وفق أساليب حديثة للجمع والأرشفة، وحصر الرواة والإخباريين في إمارة أبوظبي “الكنوز البشرية” لدورهم في حفظ التراث ونقله للأجيال الحالية، كما تم تصنيف هؤلاء الرواة والإخباريين وفق مناطق سكناهم ومجالات التراث التي يمكن للراوي أو الإخباري تقديم ذكرياته حوله. كما تقوم الإدارة بتكريم هؤلاء الرواة والإخباريين في المناسبات المختلفة وتعدهم مرجعاً أساسياً لجمع عناصر التراث الشفهي، وحصر عناصر التراث المعنوي في إمارة أبوظبي، حيث تمكنت الإدارة من حصر ما يزيد على 600 عنصر، معتمدة في ذلك على المصادر الشفهية بالدرجة الأولى في جمع المعلومات الخاصة بكل عنصر. ويؤكد الحميري في هذا الصدد، أن هناك استراتيجية بعيدة لتفعيل أساليب جمع عناصر التراث من خلال تطوير أداء الباحثين بأساليب الجمع الميداني الحديثة وتصنيفها حسب مجالات التراث والمعايير التي تعتمدها «اليونسكو» بهذا الخصوص. ضرورة توفر عناصر تراثية أما عن العناصر التراثية التي يجب توافرها لإدراج بعض الأسواق أو بعض الحرف في «اليونسكو»، فيشير الحميري إلى أن منظمة «اليونسكو» لها معايير محددة لإدراج أي عنصر تراثي فيها، خصوصاً في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، وفي قائمة التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل، ومن بين هذه المعايير والمتطلبات: تحديد خصائص العنصر المرشح للتسجيل في إحدى هاتين القائمتين، وهذه الخصائص تتضمن: تحديد الجماعات أو المجموعات والأفراد المعنيين بممارسة هذا العنصر، وتحديد انتشار العنصر من حيث الموقع الجغرافي للجماعات والمجموعات التي تمارسه، وتحديد المجالات التي يمثلها العنصر، وتقديم وصف مختصر للعنصر، وتوضيح الجهود الحالية والمستقبلية لصون العنصر، وتحديد مدى مشاركة الجماعات والمجموعات والأفراد في ممارسة العنصر، وتقديم رسائل دعم من الهيئات والجمعيات والأندية المجتمعيّة والحكوميّة المهتمة بالعنصر والممارسة له تأكيداً لموافقتها على إدراج العنصر بـ«اليونسكو». دعوة إلى إنشاء هيئة اتحادية للثقافة والتراث يؤكد الدكتور عبدالله الطابور، وهو باحث في التاريخ الحديث، أهمية وجود هيئة اتحادية تشرف على مجال التراث، وتعمل على تنظيم مهرجانات عامة على مستوى الدولة، لمزج ما تتميز به الإمارات من مكونات تاريخية وحضارية وتراثية. العشوائية تغلب على إنشاء الأسواق يناصر عالم الآثار ناصر حسن العبودي آراء من سبقه في أن الأسواق القديمة كانت عشوائية في إنشائها، حيث ظهرت ضمن تجمع سكاني متفردة، ثم تكاثرت الدكاكين، وشكلت سوقاً متنوع البضاعة، قبل أن تفرز أسواقاً متخصصة. ويشير العبودي إلى أن الأسواق القديمة في المدن الساحلية كانت تعتمد على الاستيراد وعلى العلاقات مع المدن الأخرى كأبوظبي، دبي، رأس الخيمة، الشارقة وأم القويين والفجيرة، وكانت على علاقة تجارية مع مدن من خارج المنطقة مثل بومباي في الهند. ويلفت العبودي أن الأسواق في البيئة الصحراوية كانت محدودة، نظراً لقلة عدد السكان، بينما شكل السوق الساحلي المورد الرئيسي للبضائع، في حين كانت الأسواق في المناطق الجبلية لا تتعدى 10 إلى 15 دكاناً. ويشير العبودي إلى أن دبي كانت رائدة في مجال التجارة الحديثة، وكانت موطناً لعدد من الأسواق مثل سوق مرشد، وسوق البز، وسوق بر دبي وأسواق أخرى مخصصة للبهارات والذهب، كما أن سوق العرصة في الشارقة كان مزدهراً في القرن التاسع عشر. ويبين الباحث العبودي أن الشارقة كان مركزاً تجارياً ضخماً في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، حيث تمركزت في المدينة عائلات تجارية معروفة كانت على علاقة مع الهند وسيلان والبصرة وساحل إيران، إلا أن الشارقة تراجعت مكانتها التجارية مع بداية النصف الثاني من القرن الماضي لصالح دبي التي منحت تسهيلات كبيرة للأجانب الذين انتقلوا بتجارتهم إلى دبي، بحسب رأيه.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©