السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نموذج الإنسان الكامل

نموذج الإنسان الكامل
10 يونيو 2017 11:19
الحديث عن الإنسانية قبل التدين والحاجة إلى منظومة قيم أعلى من الإنسان وقابلة للتطبيق الإنساني يقودنا إلى مفهوم القدوة في عصر أصبح تأثر الناس بالصور الإدراكية الذهنية لرموز الفن والسياسة والكرة، وغيرها من المسلمات البديهية. إن حاجة الأفراد والجماعات لتمثُّل القيم والأخلاق الإنسانية عبر الاقتداء يقودنا إلى التعرف على مبررات ودوافع الانقياد للصور الذهنية لبعض الرموز الإنسانية عموماً. ذلك لأن الانقياد قد يحدث لإعجاب وإكبار، أو للشعور بتوافق الرؤى والمصالح، فنجد كثيراً من الشباب – لدافع النجاح والمغامرة- يعجبون برموز الفن والكرة والعلم، فيحاولون الاقتداء بهم حتى في أمور ليست لها علاقة مباشرة بجوانب القدوة، كالزي والهيئة وأسلوب الحياة. وهو ما قامت عليه فلسفة الإعلانات من استغلال الدوافع الإنسانية عبر إيهام المستهلك بالحاجة إلى بضاعة لم تنتج بعد، وإقناع الناس بشراء أشياء لا حاجة حقيقية لهم بها. إلا أن المحبة عن بصيرة هي أعظم أسباب الاقتداء، والتي تتفوق في سلطانها على غرائز الغضب والكراهية والطمع لأنها من صميم آدمية الإنسان، ولأن الحق عز وجل سمى نفسه الودود، أي الذي تفيض محبته على من يحب فيصلهم معناها وآثارها. والإنسان يحب إما لكمال إذا رأى في غيره مظهراً من مظاهر الكمال البشري، أو لجمال في الهيئة والصورة الحسية والأخلاق، أو لإحسان إذ جُبِلَت القلوب على حُب من يحسن إليها. وقد أوجد الله سبحانه وتعالى الأنبياء والرسل، ليكونوا قدوة لأممهم، أي بمهمة تجسّد الرسالة في الرسول ليُنظر إليه ويُؤخذ بها، ثم كان سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ورحمة الله للعالمين النموذج الأعظم في مفهوم الإنسان الكامل. لهذا نجد في قوله تعالى «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ»، ثلاث خطابات: خطاب الإنسانية البشرية، فخطاب الاختصاص والعصمة وسابق الاصطفاء، ثم خطاب التوحيد، الأمر الذي يعيدنا إلى عنوان «الإنسانية قبل التدين» بذات الترتيب، فجانب «مِثْلُكُمْ» في البشرية هو محل الاقتداء ومظهر كمال الخَلق والهيئة وسمو الخُلق والتعامل. وسيدنا الرسول عليه الصلاة والسلام كما في الشمائل، هو مظهر جميع الكمالات الإنسانية ومظهر الجمال الإلهي في الوجود في صورته.. في أخلاقه.. في ثباته على قِيَمِه.. في حُسن تواصله مع من حوله. ولهذا أقول: لا تقرؤوا السيرة النبوية قبل أن تقرؤوا الشمائل والخصائص النبوية، لأن في سبق قراءة السيرة تعرف على تعاملات وتصرفات قد تجهلون صاحبها، خاصة أن غالب السيرة ركزت على جوانب القتال والمغازي، وهي أمور مهمة لن نخجل منها. لكن الشمائل تُعرّفَكم وتُعَرّف رسول الله إليكم.. عندما نقرأ السيرة بمنظور الشمائل تعرفنا على أوجه الكمال والجمال، كما توقِفْنا على الإحسان الذي وصل إلينا به صلى الله عليه وسلم. لقد كان عليه الصلاة والسلام رحمةً للعالمين اقتضت أن ينظر للوجود كله بعين الرحمة، يتعامل مع الكل على أساس منها، والتي تجسدت في أقوال وتصرفات، يؤتى بصحابي تكرر منه شرب الخمر لدرجة أن يقول رجل اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ». لقد دافع عن السكّير لأن مقتضى الإنسانية ألّا نجعل خطأه مبرر هتك إنسانيته، وأن نبحث عن جوانب النور في داخله، وإن كان في ظاهره ظلمة. ثم هذا الأعرابي الذي «بال في المسجد، فقام إليه القوم فانتهروه وأغلظوا له، فقال عليه الصلاة والسلام: دعوه وأهرقوا على بوله دلواً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين»، فعلّمنا تعظيم الساجد قبل المسجد والإنسان قبل البنيان. بل أورد الواقدي في مغازيه أن النبي عليه الصلاة والسلام في الطريق إلى مكة أمر رجلاً من أصحابه أن يقوم بحذاء كلبة ترضع صغارها وألا يعرض لها أحد من الجيش ولا لصغارها، وفي سنن أبي داوود: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَان، ِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرُشُ، فَجَاءَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَال: مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا». الحبيب علي الجفري
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©