الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا وخيارات أميركا في الأزمة الجورجية

روسيا وخيارات أميركا في الأزمة الجورجية
11 أغسطس 2008 02:38
تُلخص ابتسامة الرئيس جورج بوش وأنسه مع فلاديمير بوتين، رئيس الوزراء الروسي، أثناء وقوفهما معاً تحت مظلة أولمبياد بكين، في ذات الوقت الذي تنهمك فيه المقاتلات الجوية الروسية في قصف جورجيا، جانباً حقيقياً من سياسات واشنطن إزاء موسكو· ففي حين تعتبر الولايات المتحدة جورجيا أقوى حليف لها بين الجمهوريات السوفيتية السابقة، فإنها تظل في أمس الحاجة إلى عون موسكو في مواجهة عدة قضايا كبرى معقدة، أبرزها الأزمة النووية الإيرانية· وهذا ما يمنعها من اتخاذ خطوة نحو الدفاع عن حليفتها جورجيا· وبهذا المعنى أكد البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية يوم السبت الماضي، أنه لا سبيل مطلقاً لأي تدخل عسكري أميركي في النزاع الدائر بين موسكو وجورجيا· غير أن بوش دعا موسكو بحزم إلى وقف قصفها الجوي لجورجيا، بينما طالبت وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس موسكو باحترام الوحدة الوطنية لجورجيا· فماذا فعل بوتين من الجانب الروسي؟ رفض بشدة قبول محاولات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إقناعه بوقف روسيا لعملياتها العسكرية ضد جورجيا· وعلق مسؤول غربي رفيع المستوى بعد ذلك اللقاء الذي تم بين ساركوزي وبوتين بقوله ''لقد كان لقاء عصيباً للغاية، وأكد فيه بوتين القول: ''سوف نجعلهم يدفعون الثمن··· وسوف نحقق العدالة''· ومن بكين غادر بوتين إلى منطقة متاخمة لأوسيتيا الجنوبية، عقب صدور إعلان عن انسحاب جورجيا عسكرياً من عاصمة الإقليم الانفصالي· وقد ذهب بوتين خلسة إلى هناك، بهدف المشاركة في تنسيق المساعدات الإنسانية الطارئة للاجئين الذين فروا أمام الهجوم العسكري من أوسيتيا الجنوبية إلى داخل الحدود الروسية· إلا أن الرسالة الضمنية التي بعث بها وجود بوتين في المنطقة المشار إليها هي: ''هذا نطاق نفوذنا نحن الروس، وعلى الآخرين أن يبقوا بعيداً عنه''· وعلى حد تعليق ''جورج فيلدمان'' -المدير التنفيذي لشركة ''ستراتفور''، المتخصصة في التحليلات الجيوسياسية والاستخباراتية- فإن هذه هي المرة الأولى التي تتخذ فيها روسيا خطوة عسكرية حاسمة، وتفرض فيها واقعاً سياسياً منذ انهيار الاتحاد السوفييتي· واستطرد ''فيلدمان'' إلى القول: ''وقد اتخذ الروس خطوتهم هذه أحادياً، بينما أرغمت كافة الدول التي تطلعت إلى الغرب على أمل تحريضه على ردع الروس، على التراجع وإعادة النظر في ما حدث ميدانياً''· من جانبهـــا اعترفـــت إدارة بوش بحقيقـــة أنــه ليس للعالم الخارجــي -وخاصة الولايات المتحدة الأميركية- من نفوذ يذكر على روسيا في الوقت الحالي· وذلك ما أكده مسؤول رفيع المستوى بوزارة الخارجية الأميركية، عبر لقاء هاتفي صحفي أجري معه مؤخراً بقوله: ''فليس هناك أي احتمال لتدخل في ما يجري في أوسيتيا الجنوبية من قبل قوات حلف الناتو''· غير أن التطورات العسكرية التي شهدتها جورجيا، أطلقت حملة من العمل الدبلوماسي الأميركي، الرامي الى إنهاء المواجهات العسكرية بين جورجيا وروسيا· فقد كانت كوندوليزا رايس وعدد من مسؤولي وزارتها والبنتاجون في مكالمات هاتفية مستمرة مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف وغيره من المسؤولين الروس، وكذلك تواصلت مكالمات هاتفية مماثلة مع الجانب الجورجي، على أمل إقناع الطرفين بالعودة إلى طاولة المفاوضات لحل نزاعهما سلمياً· وفي خطوة موازية دعا الاتحاد الأوروبي- وخاصة ألمانيا التي تربطها علاقات قوية مع موسكو- الطرفين الى التراجع العسكري، وتحديد جدول زمني لبدء المحادثات السلمية فيما بينهما، بدلاً من الاستمرار في المواجهة الحربية· وفي الوقت نفسه، عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً طارئاً غير رسمي يوم السبت الماضي، بهدف مناقشة استجابة محتملة من جانبه· إلا أن دبلوماسياً في المجلس أعرب عن عدم ثقته بقدرة المجلس على فعل شيء يذكر لحل الأزمة· وعلى حد قول الدبلوماسي: ''فقد انشغلت روسيا منذ مدة ببعث رسائل منتظمة إلى جارتها جورجيا، تؤكد عزمها على إظهار عضلاتها العسكرية· ولا تخفي موسكو استياءها من الإعلان عن استقلال كوسوفو'' والإشارة في حديث الدبلوماسي واضحة إلى غضب موسكو من اعتراف الغرب ودعمه لاستقلال كوسوفو عن صربيا· وبالطبع فقد كان اعتراف كل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي الخاص باستقلال كوسوفو، كفيلاً باستفزاز موسكو ودفعها مباشرة إلى إرسال جنودها في إقليم أوسيتيا الجنوبية المضطرب الواقع في جمهورية جورجيا المستقلة عنها· يجدر الذكر هنا أن وزير الخارجية الروسي سيرجيي لافروف، كان قد حذر كلاً من كوندوليزا رايس والدبلوماسيين الأوروبيين -أثناء اجتماع عقد في بروكسيل في العام الماضي لمناقشة استقلال كوسوفو- من أن الاعتراف باستقلال كوسوفو، سوف يضع سابقة سياسية قانونية لإعلان لاحق مماثل عن استقلال أوسيتيا الجنوبية عن جورجيا· وعلى أية حال، فقد أصبحت إدارة بوش الآن أمام خيارين كلاهما صعب ومحرج للغاية: إما أن تعلن عن دعمها لجورجيا، التي تربطها بها علاقة تحالف أقوى من أي واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفييتي المستقلة، ما يعني خسارتها وإقصاءها لروسيا، في وقت تزداد فيه حاجة الإدارة لموسكو أكثر من أي وقت مضى، خاصة في جهود التصدي للأزمة النووية الإيرانية، أو أن تخذل حليفتها الجورجية فتخسر إحدى أقرب صديقاتها هناك، بكل ما يعنيه هذا الخذلان من تعريض وحدة التراب الجورجي للخطر· على هذا المأزق علق دبلوماسي أممي يوم السبت الماضي مازحاً بالقول: دعنا إذن نذهب لروسيا ونعرض عليها صفقة مبادلة إقليم كوسوفو بإقليم أوسيتيا الجنوبية، وبذلك تكون المشكلة قد حلت! وربما كان في هذا المزاح الكثير من المبالغة· فهناك من يدعو داخل صفوف إدارة بوش، إلى ضرورة تحديد واشنطن أولويات سياساتها الخارجية في المنطقة، وخاصة حين يتعلق الأمر بروسيا· يذكر هنا أن قوة التحالف بين واشنطن وجورجيا -بما فيه التدريب ودعم التسليح الجورجي- تعود في الأساس إلى رغبة في رد الجميل لجورجيا، ومكافأتها على دعمها للحرب على العراق، إضافة إلى كونها بذرة لنشر الديمقراطية في الجمهوريات السوفييتية السابقة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©