السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاستقواء بالخارج

19 أكتوبر 2009 23:41
ثمة ملاحظة تبرز في معظم الواقع العربي الراهن تكاد ترتفع إلى مستوى القاعدة الناظمة لهذا الواقع، وهي أنه كلما ازدادت الضغوط الخارجية على بلد عربي أو آخر، ازداد الضغط على البلد العربي المعْني من داخله، أي على أيدي القوى الداخلية السلطوية. وبهذا، فإن تزايد الضغوط على الداخل من الخارج بدلا من أن يُواجَه من الداخل عبر القوى الشعبية الوطنية، نلاحظ عملية أخرى باتجاه آخر. والسؤال المركزي ها هنا يُفصح عن نفسه بشيء من الكوميديا الساخرة: ألا يجد النظام الداخلي، السياسي الاقتصادي والقضائي والتربوي... إلخ، نفسه في حالة من التناقض، حين يستقوي على داخله بالخارج الأجنبي، مع أن هذا الداخل في كثير من الأحيان يسعى للتقرّب من السلطة بصيغة من الصيغ، لكن دون أن تستجيب هذه الأخيرة لذلك؟ في هذا السياق يلاحظ الباحث في العلوم السياسية أن حذراً متنامياً يطرح نفسه حيال الداخل الوطني، فحواه تقوم على خوف السلطة من الناس حتى حين تكون المعارضة الداخلية غائبة أو ضعيفة. وربما كان الأمر أكثر سهولة، حين يكتفي الناس بالحدود الدنيا من ثلاثية الكفاية المادية والكرامة والحرية، ومع ذلك يحافظ النظام السائد على آلية تجويع الناس وتركيعهم، وعدم الاستجابة لمصالح هؤلاء الحيوية. وإذا سُقنا المسألة إلى حدود أكثر شططاً ومأساوية مِنْ مثل الإشارة إلى أن ثروة البلد المعني وإن هائلة فإنك ستبقى تجد مجموعات كبيرة من سكانه يعيشون دون الحد الأدنى من امتلاك ما يحتاجونه. وعليه، فإن ثمة افتراضاً قوياً يمكن أن يطرح نفسه بوصفه حلا لفهم تلك الأسئلة والتناقضات. يتمثل المدخل إلى ذلك «الحلّ» في التمييز بين السياسة والاقتصاد. فبحسب ذلك، نضع يدنا على أن هنالك في عدد من البلدان العربية استحقاقات سياسية قد ترقى إلى مستوى الوقوف في وجه أي مشروع وطني ثقافي ديمقراطي؛ مِمّا يضع السلطة أمام خيار التجويع والتهميش والإذلال لشعبها، كي لا يرتقي في سلّم الازدهار والتقدم والرفاهية، وهذا سيعني - حالئذ تأكيداً على مفاهيم اقتصادية وسياسية وتربوية ثقافية، مثل التخليف بدلا من التخلّف وبالتوازي معه، أي تحويل التخلف إلى حالة مستديمة ومؤبدة، بحيث يصبح التخلف جزءاً طبيعياً في نسيج حياة الناس. ويمكن أن يُقال بأن الداخل العربي والخارج الأجنبي كليهما يمثلان اختراقاً للداخل المذكور. وإذا كنا بلغنا هذا المنعطف من المسألة، فهل يتعين علينا اللجوء إلى قواعد استثنائية في الحكم على الشعوب العربية، بحيث يغدو سهلا أن نقسّم شعوب العالم وفق «طاقاتها العقلية الإبداعية الطبيعية»؟ ليس الأمر كذلك، فيما نرى. فإذا أقررنا بحضور ما هو معاكس ومخالف لتلك العناصر الإبداعية، فإن هذا ينبغي أن يوضع في سياقه التاريخي السوسيولوجي، لا أن يُنظر إليه خارج هذا السياق، وكذلك خارج الإنتاج العربي في هذا الحقل، ومن ثم، سنرى حينذاك أن «الاستثنائي» إنما يملك هو كذلك نسبيته، التي يمكن فهمها في إطار عمومية الموقف، كما يملك عموميته التي تربطه بغيره. إن «العقلية» العرقية حين تستفرد بما تراه استثنائياً، تسعى إلى إقصائه من علاقاته مع الأشياء، التي تمنحه علاقاته بها ومعها. على ذلك النحو، لا نحتاج نحن العرب إلى علم اجتماعي خاص بنا، بل إن ما نحتاجه نحن إنما هو علم اجتماعي أو العلوم الاجتماعية، التي تنطلق من المقولة العلمية الوقتية: أن تُبع مطبقاً، وأن تطبق مبدعاً، عبر رؤية نقدية وعقلانية صارمة مفتوحة. د. طيب تيزيني أستاذ الفلسفة - جامعة دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©