الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إنقاذ الاقتصاد اليوناني... دروس من الأرجنتين

إنقاذ الاقتصاد اليوناني... دروس من الأرجنتين
5 ابريل 2012
في عام 2002، قامت الأرجنتين، التي كانت تعاني من ركود حاد، تفاقم لدرجة أن واحداً من بين كل اثنين من سكانها كان يعاني من الفقر، بإعادة تقييم عملتها، وإعلان عدم قدرتها على سداد الديون المستحقة عليها. هذه النتيجة هي ما يريد صناع السياسة في أوروبا تجنبه وهم يحاولون إبقاء اليونان في منطقة "اليورو". وكانت هذه النتيجة تمثل في الحالة الأرجنتينية القرار الصائب والخطوة العملية الوحيدة التي أتاحت لهذا البلد النجاة من براثن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي كانت تمسك بخناقه. في الأسبوع الماضي، دشنت اليونان عملية كبرى لإعادة هيكلة الديون المستحقة عليها للدائنين من القطاع الخاص، عرضت بموجبها على حائزي السندات دفع ما هو أقل من نصف القيمة الاسمية. ولم يكن أمام أولئك الدائنين سوى القبول بهذه التسوية المؤلمة لإنقاذ العالم من التداعي. ويجب على اليونان بعد أن فعلت ذلك أن تشرع في إعادة هيكلة ديونها المتبقية وأن تفعل ما فعلتها الأرجنتين عندما قامت بتحرير عملتها. من عام 1998 إلى 2001 ، عانت الأرجنتين من حالة من الركود الحاد، وجربت عدة جولات من التقشف المالي التي لم يكن له من مردود سوى إبطاء وتيرة الحركة الاقتصادية، كما كانت تعاني أيضاً من سعر تبادل عملة ثابت ومقدراً بأكبر من قيمته الحقيقية، وتعاني كذلك عجزاً تجارياً، وانكماشاً اقتصادياً. وقد تضمنت الخطة التقشفية التي طبقتها الأرجنتين، والموجهة من قبل صندوق النقد الدولي إجراء تخفيضات في الإنفاق الحكومي، وزيادات في الضرائب، وإصلاحات هيكلية تهدف لجعل الأسواق أكثر مرونة. وكان صندوق النقد الدولي والدول الدائنة قد أصروا على سداد الديون المستحقة وعلى إبقاء العملة الأرجنتينية مربوطة بالدولار الأميركي وكانوا يتمنون أن تؤدي التخفيضات في الأجور والأسعار إلى جعل الأرجنتين أكثر قدرة على المنافسة في الأسواق العالمية. واليونان اليوم تعاني كثيراً من الأعراض التي عانت منها الأرجنتين قبل إعلان إفلاسها. هناك بعض الاختلافات بالطبع منها أن "اليورو" قوي للغاية، وأن بضائع اليونان غير تنافسية في الأسواق العالمية وهو ما انعكس على شكل معاناتها من عجز تجاري يضاف إلى ذلك أن اقتصادها راكد، ومعدلات البطالة بها قياسية. واليونان عندما انضمت لمنطقة "اليورو" كانت تحدوها آمال كبار تماماً مثل الأرجنتين خلال السنوات الأولى من ربط عملتها بالدولار. وفي الواقع أن اليونان تمتعت بنمو اقتصادي ملحوظ لعدة سنوات بعد انضمامها لتلك المنطقة عام 2001 نتيجة لانخفاض التكلفة الاقتراضية لها مما مكنها من تحقيق نمو قائم على زيادة الاستهلاك استمر لسنوات. ولكن الضعف نفسه الذي ألم بعملة الأرجنتين بعد ربط عملتها مع الدولار- والناتج عن مرونة الحركة الاقتصادية- قد بدأ يؤثر على اليونان بدورها خصوصاً بعد الأزمة المالية التي ضربت العالم اعتباراً من عام 2008. معظم صناع السياسة الأوروبيين يصرون على أن ترك منطقة "اليورو" سيكون إجراءً كارثياً بالنسبة لليونان. مع ذلك فإن هذه الأخيرة ستواصل السير على طريق مدمر من التقشف المتزايد، والبطالة المتفاقمة، والمستويات المنخفضة من الناتج الاقتصادي، إذا ظلت في منطقة "اليورو". وقد جربت الأرجنتين مثل تلك الاستراتيجية قبل أن تندلع التظاهرات وأعمال الشغب عام 2001 ما أسفر عن سقوط أعداد من القتلى وشلل اقتصادي قبل أن تضطر لإعلان إفلاسها النهائي كمخرج من الأزمة الطاحنة. وعلى الرغم من أن التداعيات المباشرة لإعادة تخفيض العملة، وإعلان الإفلاس لم تكن بالمبشرة إلا أن الاقتصاد الأرجنتيني بدأ بعد عام 2002 يشهد تحولاً ملفتاً للنظر. وخلال الفترة من 2003 وحتى 2011 تضاعف الناتج الاقتصادي، وزادت الصادرات بمقدار ثلاثة أضعاف تقريباً، وانخفضت البطالة بمعدل الثلثين. من باب الإنصاف يجب القول إن الأرجنتين قد استفادت لحد كبير من ارتفاع أسعار حاصلاتها الزراعيةـ اليونان ليست من الدول ذات الإنتاج الزراعي الكبير. كما أنه واعتباراً من عام 2007، عمدت إلى التقليل من شأن التضخم بطريقة بها قدر كبير من المبالغة، كما أنه ونتيجة لافتقارها للمصداقية قد حيل بينها وبين سوق الإقراض المالي العالمي. مع ذلك، فإن الاقتصاد والصناعة في الأرجنتين، ما زالا ينموان بشكل ملحوظ وهو ما يمثل شهادة على قوة عملية إعادة تقييم العملة في تدعيم النمو القائم على زيادة الصادرات. يمكن لليونان إعادة العمل بعملتها السابقة الدراخمة والبدء في عملية تركز على النمو وليس على التقشف. ولاشك أن النتائج المباشرة لمثل هذه التسوية ستكون قاسية تماماً، مثلما كان الحال في الأرجنتين. علاوة على ذلك ستصبح الإجراءات الإدارية المتعلقة بإعادة طرح العملة اليونانية صعبة. من ناحية أخرى، ستكون تأثيرات تلك الإجراءات على النظام المصرفي شديدة، وهو ما سيضع المشروع الأوروبي الأوسع نطاقاً- وهو في حد ذاته يمثل قضية نبيلة، وكبيرة القيمة- موضع الخطر. مع ذلك، يمكن السعي من أجل تحقيق الأهداف المثالية للتكامل الأوروبي في سياق يؤدي لازدهار اليونان(والبرتغال وإسبانيا وأيرلندا). أما إعادة تقييم العملة اليونانية فسيزود اليونان بأفضل أمل ممكن للعودة إلى اقتصاد أكثر عافية، وأكثر قدرة على الاستدامة، اقتصاد يديره اليونانيون من أجل اليونان. خوان إف.نافارو محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©