الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دوامة الفساد

5 ابريل 2012
الفساد المتجسد في استغلال نفوذ السلطة ونهب ثروات الشعوب والأمم، وكل الموبقات التي يمكن أن يوصف بها الفساد لغوياً، لم يعد "ظاهرة خاصة" كما كان ينسب لبعض صفوة العالم النامي، فقد أصبح الفساد- بكل هذه المعاني- مؤسسة عالمية ذات نفوذ وسطوة. هذا الفساد تشتكي منه بعض الدول المتقدمة، أي دول العالم الأول والرأسمالية الديمقراطية، صاحبة "الرسالة" والمهمة الإنسانية والمسؤولية الأعظم. لكن هذه المؤسسة العالمية ذات السطوة والنفوذ هي الوليد الشرعي لـ"الرأسمالية المتوحشة" كما يصفها بعض أهل اليسار الغربي، والتي تكونت من أجل محاربتها وكشف جرائمها مؤسسة عالمية سمت نفسها بـ"مؤسسة الشفافية العالمية"، وكانت تقاريرها الدورية تجد الاحترام والاهتمام من كثير من المفكرين والكتاب وجماعات الحقوق المدنية في بداية الأمر، ولكن ذلك لم يعد ذا أهمية بعد أن أصبحت تقاريرها متكررة. واكتشف كثيرون أن هذه المؤسسة التي رفعت شعار الشفافية، لم تصل بعد إلى عمق مشكلة العالم في مواجهة الفساد، لأنها لم تستطع أو لم ترد أن تصل إلى عمق وجذور الفساد المستشري في أكثر دول وحكومات العالم. في الأسبوع الماضي تفجرت في كندا واحدة من أكبر قضايا وفضائح الفساد المالية، واحتلت الصفحات الأولى في الصحافة الكندية وكانت الخبر الرئيسي على شاشات التلفزيون، وترددت في تفاصيلها أسماء دول عربية وأشخاص كنديين من أصول عربية. وباختصار فإن شركة (x) الكندية، ونسميها كذلك تفادياً للمشاكل القانونية التي ستنشأ بعد أن أصبحت الفضيحة الآن قضية قانونية تحت مسؤولية السلطات الأمنية الكندية، التي تمنع النشر في قضايا تحت التحقيق.. إن شركة (x) إحدى كبريات شركات الهندسة والمقاولات العالمية، ولعلها أكبرها وأضخمها في كندا.. ويمتد نشاطها وأعمالها في مئة دولة من دول العالم ومن بينها ليبيا. ولقد كان لنظام القذافي وأسرته صلة ود وصداقة كبيرة مع الدولة الكندية، لأن رئيس حكومتها كان أول مسؤول كبير في دولة غربية قد قام بزيارة ليبيا بعد أن أنهى "حربه" ضد الولايات المتحدة، ورفضت الحكومة الكندية الحظر المفروض على ليبيا، وفتحت زيارة رئيس الحكومة الكندية الأبواب للشركات الكندية فأصبح لها حصة الأسد في مشاريع التنمية الليبية القديمة ومنحت الشركات الكندية عقوداً بمئات المليارات من الدولارات، وكانت شركة (x) أكبر المستفيدين من الشركات الكندية، فقد حصلت على عقود مقاولات وهندسة بمئات المليارات. وفي "الحكاية" التي هي أشبه بالروايات البوليسية يتردد كثيراً اسم أحد أنجال العقيد واسم شخص كندي من أصل عربي. وفي بعض صفحات الرواية تتردد قصة محاولة تهريب نجل القذافي وأسرته من ليبيا إلى المكسيك المتهم فيها أحد مديري شركة (x) وأحد رجال الأمن الخاص وموظفة كندية كبيرة من موظفات الشركة وجميعهم معتقلون الآن في المكسيك. الفضيحة التي هي قمة جبل الجليد المختفي، بدأت بخلاف نشأ بين المدير المالي التنفيذي للشركة ومديرها التنفيذي، فقد رفض الأول التوقيع على تحويلات مالية تبلغ في جملتها ستة وخمسين مليون دولار كعمولة لشخصية وهمية كان قد طلبها المدير المسؤول عن عمليات الشركة في ليبيا لقاء حصوله على عقدين للشركة لمشروعين.. المدير المالي الذي اعتاد التوقيع على مثل هذه العملية رفض التوقيع وشكَّ في وجود العقدين، وصدق في التحقيق شكه. الرئيس التنفيذي وقّع على طلب المدير العربي المسؤول عن عمليات الشركة في ليبيا ووقع معه اثنان من مساعدي المدير المالي. المراجعة المالية الداخلية للشركة لم تجد أي مستند يثبت ويؤكد وجود عقد للشركة حول المشروعين الوهميين.. ورفض الرئيس التنفيذي والمدير المسؤول عن عمليات الشركة في ليبيا الإفصاح عن اسم الشخص الذي حول له مبلغ الستة وخمسين مليون دولار. ولما ارتفع الهمس في دوائر شركة (x) وهي بالمناسبة شركة مساهمة عامة، اضطر رئيس مجلس الإدارة إلى التدخل. ويبدو أن تسوية ما توصلت إلى اتفاق مع المديرين والموظفين المتهمين في هذه العملية إلى الاستقالة (حفاظاً على سمعة الشركة). إن المفقود، ولا يزال البحث عنه جارياً، لا يساوي شيئاً أمام مئات الملايين التي دفعتها الشركة (قانونياً) للمسؤول الليبي الكبير الذي سمته (وكيل أعمالها في ليبيا). رئيس مجلس الإدارة الذي يوصف بأنه من أنجح رجال الأعمال الكنديين (الأطهار) قال في تصريح صحفي: "إن يكون للشركات العالمية العاملة في البلدان الأجنبية وكيل أعمال أو كفيل نافذ من أهل تلك البلدان أمر معروف ومقبول من الجميع"، لكن مشكلة موظفي شركته المتهمين أنهم خرجوا على قواعد العمل المتفق عليها بين الجميع. عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©