الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحرب الروسية- الجورجية··· من المسؤول؟

الحرب الروسية- الجورجية··· من المسؤول؟
12 أغسطس 2008 23:34
بعد سلسلة من الهجمات الاستفزازية في منطقة أوسيتيا الجنوبية الانفصالية أواخر الأسبوع الماضي، أطلقت جورجيا محاولة لإعادة بسط سيطرتها على هذه المنطقة الصغيرة· ولكن روسيا تدخلت عبر إلقاء القنابل على جورجيا لحماية سكان أوسيتيا الجنوبية، ووقف المد المتزايد للاجئين إلى جنوب روسيا، ومساعدة جنودها المنشرين ضمن بعثة حفظ السلام· اليوم، يُقال إن روسيا وجدت أخيراً طريقة لإضعاف طموحات جورجيا ذات التوجهات الغربية، وتحجيم ديمقراطية البلاد الفتية، والرد على النفوذ والتأثير الأميركيين في منطقة أوراسيا؛ غير أن هذا الرأي مغرق في التبسيط، فالأحرى بالدبلوماسيين الأميركيين والأوروبيين، الذين تهافتوا على المنطقة في محاولة لوقف النزاع، أن يتأملوا التأثيرات الكبيرة لهذه الجولة الجديدة من إراقة الدماء في القوقاز، ويبحثوا عن رؤى واقتراحات بعيداً عن قصة البلد الديمقراطي المعتدى عليه وتشبيه ما يجري اليوم بربيع براغ ·1968 لقد قامت روسيا بمهاجمة جورجيا بشكل غير قانوني وعرضت جاراً صغيراً وضعيفاً للخطر؛ ولكن الرئيس الجورجي ميخائيل سكاشفيلي، ومن خلال إرساله جيشه غير المستعد لحل نزاع انفصالي بالقوة، أخذ بلاده إلى طريق حرب كارثية نتيجته الهزيمة· سكاشيفيلي، الذي كان يتحدث على قناة ''سي· إن· إن''، شبه تدخل روسيا في جورجيا بالغزو السوفييتي للمجر في ،1956 وفي تشيكوسلوفاكيا عام ،1968 وفي أفغانستان عام ·1979 والواقع أن روسيا بالغت في رد فعلها على الوضع في جورجيا، حيث قتلت موظفين عسكريين جورجيين ومدنيين· وبالتالي، فالمجتمع الدولي على حق حين أدان هذا الهجوم غير القانوني على دولة مستقلة وعضو في منظمة الأمم المتحدة· غير أن ما يجري ليس تكراراً للسلوك العنيف الذي سلكه الاتحاد السوفييتي خلال القرن الماضي· فالأهداف الروسية حتى الآن على الأقل واضحة: طرد القوات الجورجية من منطقة أوسيتيا الجنوبية، وهي واحدة من منطقتين انفصاليتين في جورجيا، ومعاقبة حكومــة سكاشفيلي التي تعتبرها روسيا متقلبة ولا يمكن التنبؤ بتصرفاتها· ولكن بغض النظر عن جذور المشكلة، يتعين على الغرب أن يواصل تحركه الدبلوماسي لإقناع جورجيا وروسيا بالعودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل الهجمات؛ وعلى الولايات المتحدة أن توضح أن سكاشفيلي أساء فهم معنى الشراكة مع واشنطن، وأن على جورجيا وروسيا أن يتراجعا قبل أن يلحقا بعلاقاتهما مع الولايات المتحدة و''الناتو'' والاتحاد الأوروبي ضرراً لا يمكن إصلاحه· فقد وضع الهجوم على أوسيتيا الجنوبية، إلى جانب رد فعل روسيا الذي لا يمكن تبريره، الجانبين على طريق الحرب الشاملة، حرب قد تشعل عدداً من النزاعات الترابية والعرقية في منطقة القوقاز برمتها· القصة الآخذة في الانتشار، والتي ترددت كثيراً عبر افتتاحيات الصحف ونشرات الأخبار التلفزيونية في الولايات المتحدة، تصور جورجيا على أنها بلد موال للغرب تعرض للهجوم ويكافح من أجل تأمين حدوده ضد روسيا القتالية· والواقع أن سكاشفيلي سعى، منذ قدومه إلى السلطة على إثر انقلاب أبيض أواخر ،2003 إلى تقريب بلاده من الغرب· فعلم الاتحــاد الأوروبي يرفرف اليــوم إلى جانــب العلم الجورجـي في البنايــات الحكوميــة (رغم أن جورجيا ما زالت بعيدة جــداً عن نيــل عضويــة الاتحاد الأوروبي)· كما تسعى حكومة سكاشفيلي إلى الانضمام إلى ''الناتو''، وهو طموح تدعمه بقوة إدارة جورج بوش· وقبل اندلاع النزاع على ترابها، كانت جورجيا ثالث أكبر مساهم بالقوات في العراق، وذلك نتيجة لرغبة سكاشفيلي في إظهار التزام بلاده تجاه الولايات المتحدة، والحصول عبر ذلك على التدريبات والتجهيزات العسكرية اللازمة لجيش جورجي صغير· صحيح أنه يجب التنديد بروسيا لتدخلها في النزاع؛ ولكن الحرب بدأت نتيجة خطوة متهورة من قبل جورجيا من أجل إعادة بسط سيطرتها على أوسيتيا الجنوبية بالقوة· وأن هدف سكاشفيلي الأكبر هو أخذ بلده إلى الحرب كشكل من التضحية المحسوبة، على أمل أن يقنــع رد فعل روسيا -المبالغ فيه والمتوقع- الغرب بالقصة التي بات الكثير من المعلقين يتبنونها اليوم· ولكن بغض النظر عن جذوره، فإن تصاعد العنف يبرز الوضع السياسي المتقلب، والمميت أحياناً، في القوقاز· فعلى غرار البلقان في عقد التسعينيات، تحافظ أبخازيا على استقلال بحكم الواقع منذ أكثر من عقد· وقد قامت هذه الأخيرة باستدعاء المتطوعين لدعم قضية سكان أوسيتيا الجنوبية· كما هبت روسيا اليوم لمساعدة الأبخازيين الذين يخشون ألا يكون تحرك جورجيا في أوسيتيا الجنوبية سوى تمرين لهجوم مقبل عليهم· في هذه الأثناء، تراقب كيانات انفصالية وحكومات معترف بها في البلدان المجاورة من بعيد -من ناجورنو كاراباخ إلى الشيشان- الوضع لأن نتيجة النزاع الروسي-الجورجي ستحدد ما إن كانت هذه النزاعات ستتحرك نحو السلام أو ستنتج مرة أخرى الحرب الوحشية وجحافل اللاجئين التي عرفها القوقاز قبل أكثر من عشر سنوات· أما بالنسبة لجورجيا، فهذه الحرب هي نتيجة لسوء حساب كارثي· فأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا ضاعتا اليوم تماماً؛ إذ بات من شبه المستحيل تخيل سيناريو توافق فيه هاتان المنطقتان -اللتان تأويان 200000 نسمة تقريباً- على العودة إلى أحضان الدولة الجورجية التي ينظرون إليها كبلد معتدٍ· وإضافة إلى ذلك، بدأ المتطوعون منذ فترة في التقاطر على أوسيتيا الجنوبية، قادمين إليها من مناطق أخرى من القوقاز من أجل محاربة القوات الجورجية والمساعدة أخيراً على ''تحرير'' الأوسيتيين من نير الاحتلال الجورجي· وعلاوة على ذلك، ورغم الجهود المبذولة من أجل إنهاء الاقتتال، فإن الحرب الروسية-الجورجية خلقت جيلاً آخر من الشباب في القوقاز تتميز نظرته إلى العالم بالعنف والانتقام والتعصب القومي· تشارلز كينج أستاذ الشؤون الدولية بجامعة جورج تاون ومؤلف كتاب شبح الحرية: تاريخ القوقاز ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©