الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جان رينيه شاهد عيان على مجازر البلقان

جان رينيه شاهد عيان على مجازر البلقان
12 أغسطس 2008 23:35
هناك مكافحون للجرائم يجدون متعة في التواجد في دائرة الاهتمام الإعلامية، وآخرون يقومون بالجهد اللازم للكشف عن تلك الجرائم· جان-رينيه رييه ينتمي إلى النوع الثاني، حيث لم يجد الرجل غضاضة في حمل مجرفة، والتنقيب بنفسه بحثاً عن دليل إدانة متمثل ''في بقايا بشرية'' خلال الفترة التي عمل فيها كرئيس للمفتشين في سربرينتشا، المدينة التي تعرض فيها الآلاف من مسلمي البوسنة للذبح في يوليو من عام ،1995 في أسوأ مذبحة تحدث في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية· والسيد ''رييه'' وهو مسؤول شرطة فرنسي رفيع، كان هو الشخصية المركزية في كشف الحقائق المتعلقة بهذه الجريمة البشعة التي تم خلالها تطويق قرابة 8000 مسلم من الرجال والأطفال الهاربين من قوات صرب البوسنة، وقتلهم ودفنهم في مقابر جماعية، ثم نبش جثثهم، وإعادة دفنهم في مقابر أخرى لإخفاء الدليل على ارتكاب ما تم اعتباره بعد ذلك جريمة ''إبادة جماعية''· ومنذ أن ترك مسؤولية التحقيق في البوسنة عام 2001 دأب ''رييه'' على حمل حقائب تحوي أشرطة فيديو وملفات وغيرها من أنواع الأدلة معه في أثناء سفره إلى أي مكان في العالم، كي يكون لديه دليل في متناوله، إذا ما حدث وتم استدعاؤه للشهادة ضد المشتبه بارتكابهم لجرائم حرب· واليوم وعلى الرغم من أن ''رييه'' قد انتقل إلى مجال آخر أقل رعباً من مجالات العمل الشُرطي، فإنه لا يزال يواصل ما يعتبره سعياً لم يصل إلى نهايته بعد لتحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين· وعلى الرغــم مــن أن القبض على رادوفان كاراديتش القائد المدني لصرب البوسنة السابق قد يمثل خطوة مهمة على طريق ما يسعى إليه ''رييه''، إلا أنه يرى أن تلك القضية لن تحسم بشكل كامل، لأن ''راتكو ميلاديتش'' القائد العسكري لصرب البوسنة، لا يزال مطلق السراح· وفي رسالة إلكترونية تلقيتها من ''رييه'' وجدت أن لديه رؤية مفادها ''أن كاراديتش وميلاديتش مشتركان في جريمة قتل مسلمي البوسنة، ويجب أن يواجها محكمة واحدة''· في هذه الرسالة أثنى ''رييه'' على الجهود التي تبذلها الحكومة الصربية الجديدة في مجال التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة قائلاً: ''إنني راضٍ تماماً عن أن الاتحاد الأوروبي لم يغفل عن النظر إلى ضــرورة القبـض على الهاربين الآخرين قبل أن يرحب بانضمام صربيا إليه''· عنوان ''القرار ''819 من تمثيل ''بينويت ماجيميل''· قبل أن يتم ترشيحه لقيادة ما قدر له أن يصبح أكبر عملية تحقيق في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كان ''رييه'' لا يبدو أبداً كمرشح محتمل لقيادة حملة يدافع فيها عن العدالة الدولية، حيث كان مجرد قائد عادي لفرقة مكافحـــة الجريمـــة في شرطة مدينة ''نيس''· وفـــي عــام ،1994 قـــرأ ''رييـــه'' أن محكمة جرائم الحرب ليوغوسلافيا السابقة في حاجة لمحققين فتقدم لها فوراً· وهو يتذكر ذلك قائلاً: ''لقد قررت التقدم لهذه الوظيفة على الفور، لأنه كان يوجد لدي شعور قوي هو أن هذه الحرب لابد من التحقيق فيها، وأن مرتكبي الفظائع فيها يجب أن يحاسبوا''· والتحق ''رييه'' بالمحكمة في لاهاي في إبريل من عام 1995 وتم إرساله مباشرة إلى الميدان· في الفوضى التي خلقتها الصراعات التي اندلعت فيما كان يعرف سابقاً بيوغوسلافيا، تم تحديد مدينة سربرينتشا كي تكون منطقة آمنة للولايات المتحدة· وعلى الرغم من ذلك، فإن الغرب وقف متفرجاً عندما كانت المدينة ذات الأغلبية المسلمة تتعرض للحصار من قبل صرب البوسنة· وعندما سقطت المدينة في الحادي عشر والثاني عشر من يوليو من عام ،1992 سعى اللاجئون الذين ركبهم الرعب إلى الحصول على مأوى في مجمع الأمم المتحدة الذي اجتاحته فيما بعد قوات صرب البوسنة الزاحفة التي قامت بعزل الرجال والأطفال المسلمين عن النساء، ثم قامت بتعذيبهم وإطلاق الرصاص عليهم في النهاية· كانت الأخبار التي تم تداولها عن المذبحة شحيحة في البداية بسبب عدم قدرة مراسلي الصحف على الوصول إلى المدينة المدمرة، وعدم قدرة السكان المنكوبين على الاتصال بالعالم الخارجي· مع ذلك تمكن ''رييه'' من الوصول إلى مدينة ''تولوزا'' ذات الأغلبية الإسلامية، وهناك تقدم إليه شاهد عيان واحد، وروى لــه مــا حــدث وكانـــت تلك هي البداية· بعد ذلك أعاد ''رييه'' تركيب الأحداث التي وقعت اعتماداً على شهادات الشهود، والصور التي تم التقاطها بواسطة طائرات الاستطلاع الأميركية من طراز ''يو-·''2 وكان عليه، وعلى باقي المحققين، أن يسعوا إلى الحصول على المزيد من الأدلة عن المذبحة التي حدثت، أي على بقايا جثث القتلى، والذين كان عددهم حسب التقارير يصل إلى 8000 قتيل· كانت المهمة شاقة بالطبع، ولكن المحققين تمكنوا في النهاية من تحديد موضع بعض أماكن الدفن بناء على إفادات الشهود· ولكن ما حدث أن الصرب، عندما عرفوا ذلك، قاموا بنقل البقايا البشرية من المقابر الجماعية إلى مواقع أخرى سرية لإخفاء أي أثر للجريمة· لم يجد المحققون من وسيلة سوى الاستعانة بالصور الجوية لتحديد أماكن المقابر الثانية التي نقلت إليها جثث القتلى، كما استعانوا كذلك بأجهزة حساسة لشم الروائح والتقاط البقايا، كما اضطر ''رييه'' إلى النزول بنفسه إلى الميدان واستخدام ''مجرفة'' للتنقيب عن تلك القبور· وعندما ترك ''رييه'' المحكمة في نهاية المطاف، كان قد أصبح منهكاً لدرجة دفعته إلى طلب أجازة من العمل لمدة عامين حيث انتقل إلى ''الكاريبي'' مصطحباً ملفاته، وعندما عاد إلى عمله الشُرَطي، فإنه أعاد تلك الملفات أيضاً· في وظيفته الحالية البعيدة عن حقول القتل، لم يتخل ''رييه'' عن سعيه الدائب لتذكير الرأي العام بأن ميلاديتش لا يزال مطلق السراح، كما يحب دوماً أن يستعيد الشعار الذي كان يستخدمه مع فريقه أثناء التنقيب عن أدلة تلك الجريمة الرهيبة وهو: ''لا سلام من دون عدالة''· ميج بورتين- باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©