الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كوبا ما بعد الاشتراكية

12 أغسطس 2008 23:36
في كلمة له أمام الجمعية الوطنية منذ عدة أسابيع أعلن راؤول كاسترو رئيس كوبا الجديد، عن آخر وأعمق تحول أيديولوجي في تاريخ الثورة الكوبية الذي امتد لخمسة عقود· في ذلك الخطاب أعاد راؤول تعريف الاشتراكية، وأعلن فعلياً نهاية هذا النظام عندما قال: ''إن الاشتراكية تعني العدالة الاجتماعية والمساواة··· ولكن المساواة المقصودة هنا هي المساواة في الحقوق والفرص وليس في المداخيل''· والحق أن هذا الإعلان اللافت للنظر، يمثل اعتناقاً للنسخة بعدالحداثية من الاشتراكية· فبدلاً من نقل كوبا نحو الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية- اقتصاد اشتراكي، ومنظومة اشتراكية للخدمات الاجتماعية- فإن وصفته تدعو إلى ما يمكن اعتباره نظاماً يجمع بين جانبين يمثلان أسوأ ما في الاشتراكية، حيث يقوم على سيطرة الدولة على المجتمع، مع تخليها في الوقت ذاته عن مسؤوليتها الاجتماعية تجاهه· والحق أن المسار الجديد، يتجاوز الصيغ الاشتراكية التي اعتادت الثورة الكوبية منذ إنشائها التنقل بينها· فالزعيم ''تشي جيفارا'' على سبيل المثال كان يفضل النموذج الاشتراكي، الذي يقوم على تطبيق إجراءات راديكالية لضمان المساواة مقروناً بمبدأ ''الحوافز المعنوية''· كان هناك أيضاً من يحبذ النموذج الاشتراكي الماركسي اللينيني في نسخته الأصلية، الذي يسمح باستبقاء بعض السمات الرأسمالية مثل الأنشطة السوقية ومنح الحوافز المادية مثل الأجر الإضافي والعلاوات وإضافتها لرواتب العمال الذين يحققون مستويات عالية من الإنتاجية، وكذلك استبقاء أنشطة القطاع الخاص· عقب سنوات طبقت فيها كوبا النموذج ''الجيفاري''، أعاد كاسترو استخدام نظام الحوافز المادية عام 1970 على أمل تحسين الاقتصاد، من خلال زيادة إنتاجية العمال· في عام ،1986 غير كاسترو مساره مرة أخرى ودشن ما أطلق عليه ''حملة تصحيح الأخطاء الماضية''، والتي استبدل فيها الحوافز المادية بأخرى معنوية· كان من بين الفئات المستهدفة من تطبيق تلك الحملة التجار المستقلون، والمتعاملون في السوق السوداء وآخرون غيرهم، ممن استفادوا من الفرص الاقتصادية· وبسبب الأزمة الاقتصادية العميقة التي حلت بالبلاد في الفترة التي أطلق عليها ''الفترة الخاصة''، وهي تلك الواقعة بين 1990 و2002 اضطر كاسترو على مضض الى السماح بالعديد من الممارسات السوقية، التي كان قد تم شجبها خلال ''حملة التصحيح'' التي لم تستمر طويلاً· وهكذا أصبح امتلاك المشروعات من قبل الأفراد قانونياً، مثله في ذلك تماماً مثل تداول عملة الأعداء ''الدولار الأميركي''· في فترة أكثر قرباً- عام 2002 تحديداً- قننت الحكومة الكوبية العودة إلى النسخة الراديكالية من الاشتراكية، وذلك من خلال تعديل دستوري، تعهدت فيه بعدم العودة إلى الرأسمالية أبداً، وأعلنت من خلاله أن النظامين السياسي والاقتصادي الاشتراكيين لكوبا، هما نظامان ''لا يمكن التراجع عنهما''· مع ذلك، يمكن القول إن إعلان راؤول كاسترو الأخير يؤشر الى تحول أيديولوجي جذري، يبشر بنهاية الاشتراكية فعلياً· فتعريفه الجديد للاشتراكية، لا يحمل شبهاً بالتعريف التقليدي لهذا المصطلح· فهو لم يقرر فقط أن ''تكافؤ الفرص يختلف عن المساواة التامة بين المواطنين من الناحية السياسية والاجتماعية''، وإنما مضى إلى ما هو أبعد من ذلك عندما قال ''إن المساواة التامة هي في حد ذاتها صورة من صور الاستغلال، وهو استغلال العمال النشيطين المنتجين من قبل زملائهم الكسولين والأقل إنتاجية''· وهذا التعريف هو النقيض لتعريف كارل ماركس نفسه للشيوعية وهو: ''من كل حسب قدرته ولكل حسب احتياجاته''· وإشارة راؤول إلى أن حكومته سوف تلغي الخدمات المجانية وأنواع الدعم المبالغ فيها على البضائع الاستهلاكية، تمثل دليلاً إضافياً على أن كوبا قد أصبحت على وشك دخول الحقبة ما بعد الاشتراكية· وإذا ما تبلورت هذه التغيرات فعلاً على أرض الواقع، فإن معنى ذلك أن الدولة الكوبية ستستبقي سيطرتها على الاقتصاد، في الوقت نفسه الذي ستتراجع فيه عن المسؤوليات التاريخية للحكومة الاشتراكية· لويس مارتينيز- فرنانديز أستاذ بجامعة سنترال فلوريدا متخصص في تاريخ الثورة الكوبية ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©